أحداث سوريا 2021.. بين واقع اقتصادي متردي وسياسي متخبط

القامشلي ـ نورث برس

يودع السوريون عام 2021، حاملاً معه أزمات اقتصادية متفاقمة، في مناطق سيطرة الحكومة السورية، رغم عودة بعض الدول العربية لإعادة تفعيل علاقاتها مع دمشق والحديث عن إعادتها إلى جامعة الدول العربية، بعد فوز الأسد في الانتخابات الرئاسية. وترافقت الزيارات العربية والاتصالات مع ثلاث جولات من أستانا، تكللت جميعها بـ”الفشل”، وضامنوها (روسيا، تركيا وإيران) يحاولون زيادة نفوذهم في سوريا، وسط عودة المعارضة السورية لدولة قطر في مسعى لتشكيل جسم جديد بعد إخفاقاتها المستمرة على مدار عقد من الحرب السورية. 

وتسرد نورث برس، عبر هذا التقرير، أبرز الأزمات الاقتصادية والتخبطات السياسية التي حصلت في سوريا خلال عام 2021.

ومنتصف هذا الشهر، أقر مجلس الشعب السوري، الموازنة العامة لعام 2022، بحوالي 13 تريليون ليرة سورية. وقالت تقارير صحفية، إنه عندما تقر الحكومة موازنة فوق 10 تريليونات ليرة لهذا العام فهذا حكماً يعني أن سعر صرف الدولار سيبلغ خمسة آلاف ليرة في عام 2022.

وتصرفات الحكومة حيال السياسة المالية عموماً، تشير إلى أنها تعتزم الانسحاب من الحياة الاقتصادية بشكل تام، و”خصوصاً بعد أن عرضت 38 مؤسسة حكومية للبيع، في ظاهرة هي الأخطر على سيادة البلاد” بحسب اقتصاديين.

في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الراتب الشهري للموظف الحكومي 90 ألف ليرة (25 دولاراً)، صارت سوريا تتذيل قائمة الدول الأكثر انخفاضاً في مستوى الدخل، والأعلى في مستويات الفقر.

وكشف تقرير للأمم المتحدة، مطلع العام، عن أن العائلة السورية بحاجة إلى مبلغ 234 دولاراً لشراء المواد الأساسية من خبز وسكر وأرز وعدس وزيت، وهو ما يعادل 824 ألف ليرة سورية أي عشرة أضعاف متوسط الرواتب في البلاد.

وشهدت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة في الأسواق السورية إضافة للمحروقات، شبه الغائبة، ضمن مناطق سيطرة الحكومة منذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ارتفاعاً قياسياً بوتيرة متسارعة تصل إلى 10.5% أسبوعياً لأكثر السلع.

ويشير تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، صدر هذا العام، إلى أن 12.4 مليوناً من السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 4.5 ملايين عن العام الماضي، وأن أسعار المواد الغذائية الأساسية في سوريا أعلى بمعدل 29 مرة من متوسطات ما قبل الأزمة.

ومنتصف الشهر الماضي، أقر رئيس الحكومة السورية، حسين عرنوس، بما وصفه “الوضع المعيشي الصعب” الذي يعيشه السكان، والفجوة الكبيرة بين الرواتب والاحتياجات اليومية، لكنه لم يقدم أي حلول للمشكلة.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، طالب عضو مجلس الشعب عبد الرحمن الخطيب، الحكومة بربط رواتب القطاع العام بسعر صرف الدولار، ووصف تبريرات الحكومة بـ”غير المقنعة”.

تطورات مرتبطة بمحاولات تحسين الاقتصاد

وسعت كل من إيران وروسيا لتكثيف حضورهما الاقتصادي في سوريا عبر اتفاقيات وتفاهمات تعقدانها مع الحكومة السورية، لتعزيز نفوذهما تمهيداً لبقاء طويل الأمد.

وأعادت الحكومة السورية علاقاتها مع الأردن، وتركزت في معظمها على الجانب الاقتصادي. وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال مدير المخابرات العامة الأردنية، اللواء أحمد حسني حاتوقاي، إن هناك تصور جديد لعودة علاقات بلاده مع الحكومة السورية.

ورحبت وزارة الخارجية الأميركية، بإعلان الأردن، في أيلول/ سبتمبر، استئناف الرحلات التجارية مع سوريا بعد توقفها لتسع سنوات.

وفي حزيران/ يونيو، بحث وزيرا النفط والكهرباء السوريان، في العاصمة الأردنية عمّان، سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، في إطار أوّل زيارة لوفد حكومي سوري إلى المملكة منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

وقبل شهرين، قالت وزارة الطاقة الأردنية، إنه تم الاتفاق على تزويد لبنان بجزء من احتياجاته من الطاقة الكهربائية الأردنية عبر شبكة الكهرباء السورية.

وفي الثامن من أيلول/ سبتمبر، شهدت العاصمة عمّان اجتماعاً بين وزراء الطاقة في الأردن ومصر ولبنان وسوريا، للاتفاق على إعادة إحياء الخط العربي لنقل الغاز والكهرباء المتوقف منذ عام 2012.

وتكللت عودة العلاقات الاقتصادية، باتصال بين الرئيس السوري بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني بعد زيارة ملك الأردن لكل من روسيا والولايات المتحدة.

وزار وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الرئيس السوري بشار الأسد، وبحثا تطوير التعاون الثنائي بين البلدين.

وأكدت الجزائر في أكثر من مناسبة على ضرورة عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، خاصة بعد تطبيع بعض عواصم دول عربية للعلاقات مع دمشق.

كما ظهر دور واضح للعراق في سوريا ركز في معظمه على الجانب الاقتصادي، إضافة للعلاقات السياسية والمصالح المشتركة بين البلدين.

ثلاث جولات لـ”أستانا” تكللت بـ”الفشل”

ولم تحقق ثلاث جولات من أستانا، أي نتائج أو تفاهمات ملموسة على الأرض في سوريا، ووصف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن إحداها بـ”الفاشلة”.

واقتصرت معظم الجولات على اتهامات المعارضة السورية لروسيا بـ”التآمر” لمصلحة “النظام السوري”. وقال أيمن العاسمي رئيس وفد المعارضة في المباحثات على صيغة أستانا الـ17، إن “الروس لا يهمهم سوى تخفيف العقوبات عن النظام حتى لا يكلفهم ذلك النظام أي مبالغ إضافية”.

وأمس الاثنين، ذكرت موسكو أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أجرى، الاثنين، اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بحثا ضرورة المضي قدما في تسوية الحرب السورية.

وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أمس الاثنين، إنه إذا كان الهدف من وضع دستور جديد لسوريا تغيير صلاحيات الرئيس، ومحاولة تغيير الحكومة، فهذا طريق إلى اللامكان”.

وأضاف: “على المعارضة ألا تقول إنه لا يمكن إحراز تقدم في أثناء وجود بشار الأسد في السلطة، لأن ذلك نهج غير بناء”.

وأثارت تلك التصريحات ردود فعل من المعارضة السورية، وقال الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، اليوم الثلاثاء، إن تصريحات مبعوث الرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، تدخلٌ مرفوض في خيارات السوريين وفي مسار العملية السياسية.

ويأتي هذا وسط أجواء متوترة في هيئة التفاوض السورية التي تشكلت في مؤتمر الرياض الثاني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.

ويقود رئيس الوزراء السوري الأسبق، رياض حجاب، والذي انشق عن الحكومة السورية في 2012، حراكاً لقوى المعارضة السورية، لعقد “ندوة” في العاصمة القطرية الدوحة، في شباط/ فبراير المقبل، لبحث مسارات الحل السياسي “للأزمة”.

وقال معاذ الخطيب وهو رئيس سابق للائتلاف السوري، وهو أحد الأشخاص المدعوين لحضور الندوة، في حديث لنورث برس، إنه “لا يملك أي معلومات عن موضوع الندوة”.

وجاءت تحركات حجاب، بعد لقاء جمعه بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في الدوحة، خلال زيارة قام بها الأخير إلى قطر.

وذكرت تقارير صحفية نقلاً عن محللين سياسيين، أن تركيا وقطر لم تتوصلا بعد إلى اتفاق حول إعادة علاقاتهما مع الأسد، خاصة في ظل استمرار تركيا في انتهاكاتها ضد مناطق سوريا.

وأمس، قال وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إن تركيا تحمي المجموعات الإرهابية في شمال غربي سوريا.

وأشار إلى أن “تركيا تحتل أجزاء من الأراضي السورية وتقوم بتتريكها وتحمي المجموعات الإرهابية في انتهاك لتفاهمات أستانا”.

كما صعدت تركيا من استهدافها لمناطق في شمال شرقي سوريا، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته مع روسيا والولايات المتحدة عام 2019.

وطالبت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، القوى الفاعلة في سوريا، بإيضاح موقفهم من التصعيد التركي ومواصلة استهداف السكان في شمالي سوريا.

الحوار بين “مسد” وحكومة دمشق

وعلى إثر التهديدات التركية المتواصلة لشمال شرقي سوريا، والهجمات والقصف التي تنفذه في تلك المنطقة، ضمنت روسيا حواراً بين حكومة دمشق ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد) والإدارة الذاتية.

والأسبوع الماضي،  دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مجلس سوريا الديمقراطية إلى “تقرير نهجه إزاء الحوار مع حكومة دمشق”.

وقال لافروف، إن التواجد العسكري الأميركي في سوريا سينتهي عاجلاً أم آجلاً.

وأضاف: “يتعين على الكرد أنفسهم، لاسيما ذراعهم السياسية المتمثلة بحزب “الاتحاد الديمقراطي” و”مجلس سوريا الديمقراطية”، أن يقرروا نهجهم”.

وأعرب لافروف عن قناعته بضرورة أن “يتخذ الكرد موقفاً مبدئياً”، وشدد على استعداد روسيا لمساعدتهم في ذلك، خاصة وأن “مسؤولين من شمال شرقي سوريا يزورون موسكو من حين إلى آخر”، بما في ذلك الزيارة الأخيرة للرئيسة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” إلهام أحمد.

وأشار لافروف إلى أن الوضع معقد جداً أيضاً فيما يخص مواقف تركيا التي تعتبر “وحدات حماية الشعب” الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً مرتبطاً بـ”حزب العمال الكردستاني”.

وقال إن روسيا تطمئن زملاءها الأتراك بأنها لا ترغب إطلاقاً في تغذية أي نزاعات سلبية بالنسبة لأنقرة بل تسعى بالعكس إلى المساعدة في تطبيق طلب ضمان سيادة الأراضي السورية.

وذكرت موسكو أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أجرى، أمس الاثنين، اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بحثا ضرورة المضي قدما في تسوية الحرب السورية.

وأشارت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إلى أن لافروف والمقداد بحثا في الاتصال، الذي “جرى بطلب” من الوزير السوري، “تطورات الأوضاع في سوريا والتركيز على ضرورة المضي قدما في التسوية السياسية الشاملة”، بحسب ما نقلت قناة “أر تي” الروسية.

والأسبوع الماضي، شدد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن على “استكشاف” إمكانية المضي قدماً بالعملية السياسية في سوريا، خلال عام 2022، فيما أشار إلى أن جميع الأطراف تواجه مأزقاً استراتيجياً.

إعداد وتحرير: معاذ الحمد