موازنات الحكومة السورية.. اقتصاد يتآكل وسوريون ينهشهم الجوع
القامشلي- نورث برس
على وقع انهيار الليرة السورية المتسارع وتدهور الاقتصاد وانعدام الأمن الغذائي لمن تبقى من سكان سوريا، أقر مجلس الشعب السوري، أمس الثلاثاء، الموازنة العامة لعام 2022، بحوالي 13 تريليون ليرة سورية.
وبلغت الموازنة المالية للعام 2022 القادم، نحو 5.3 مليارات دولار، بينما بلغت موازنة العام الحالي، وفق سعر الصرف حين إقرارها، نحو 6.8 مليارات دولار أميركي.
وهذا يعني أن موازنة العام القادم (2022) ستكون أقل بمليار ونصف المليار عن ميزانية العام الجاري.
اقرأ أيضاً:
- حكومة دمشق تعرض منشآت “الدولة” للاستثمار
- هجرة 37 ألف صناعي من دمشق وحلب في أسبوعين
- مليارات الليرات السورية تضل طريقها عن البنك المركزي
- خطوة أخرى باتجاه رفع الدعم.. الحكومة السورية ترفع أسعار البنزين مجدداً
وبلغت موازنة عام 2019، نحو تريليوني ليرة سورية، وعام 2020 بلغت 4 تريليونات ليرة، أما في عام 2021، فقد تم إقرار موازنة بقيمة 8.5 تريليونات ليرة.
أما سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء، فقد كان في نهاية عام 2019 نحو ألف ليرة مقابل الدولار، أما في عام 2021، فهو يراوح عند مبلغ 3500 ليرة مقابل الدولار.
ووفقاً للأرقام السابقة، يرى مراقبون أن مبلغ “تريليوني ليرة” الذي تم إقرارها 2019، كانت تساوي حسب أسعار منتصف العام أكثر من 3 مليارات دولار، وهذه الموازنة فعلياً أكبر من موازنة عام 2021 البالغة 8.5 تريليونات ليرة.
وقال مراقبون إنه عندما تقر الحكومة موازنة فوق 10 تريليونات ليرة لهذا العام فهذا حكماً يعني أن سعر صرف الدولار سيبلغ خمسة آلاف ليرة في عام 2022.
فساد وتخبط
وفي وقت سابق نقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، عن الأستاذ في كلية الاقتصاد بـ”جامعة دمشق” شفيق عربش قوله، إن “المشكلة تكمن بالفساد المنتشر في وزارة المالية بخصوص جباية الضرائب”.
وشدد “عربش” على أن فرض الضرائب بشكل غير مدروس سيدفع أصحاب الحرف والمعامل إلى الهجرة خارج البلد”، حيث وصف القطاع العام بـ”شبه مشلول”.
ويقول اقتصاديون: “هناك تخبط كبير داخل إدارة الحكم السوري في الشأن الاقتصادي، وخصوصاً في ظل التجاذب الإيراني الروسي، للسيطرة على أروقة صناعة القرار الاقتصادي السوري”.
وتصرفات الحكومة حيال السياسة المالية عموماً تشير إلى أنها تعتزم الانسحاب من الحياة الاقتصادية بشكل تام، و”خصوصاً بعد أن عرضت 38 مؤسسة حكومية للبيع، في ظاهرة هي الأخطر على سيادة البلاد” بحسب اقتصاديين.
وقبل أيام رفعت الحكومة السورية سعر ليتر البنزين المدعوم، بما يعادل أكثر من 46%، في زيادة هي الرابعة خلال العام الحالي.
ومطلع الشهر الماضي، رفعت سعر أسطوانة الغاز المنزلي بنسبة قاربت الضعفين، إذ ارتفع سعرها من 3800 ليرة إلى 9700 ليرة.
رواتب متدنية
وتتذرع الحكومة السورية بأنها ما زالت تقدم تلك المواد بأقل من سعر التكلفة، أو الأسعار العالمية، لكنها تتجاهل دوماً أنها لا تقدم في المقابل أجوراً ورواتب، بالمعنى الحقيقي للكلمة.
في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الراتب الشهري للموظف الحكومي 90 ألف ليرة (25 دولاراً)، صارت سوريا تتذيل قائمة الدول الأكثر انخفاضاً في مستوى الدخل، والأعلى في مستويات الفقر.
وكشف تقرير للأمم المتحدة، مطلع العام، عن أن العائلة السورية بحاجة إلى مبلغ 234 دولاراً لشراء المواد الأساسية من خبز وسكر وأرز وعدس وزيت، وهو ما يعادل 824 ألف ليرة سورية أي عشرة أضعاف متوسط الرواتب في البلاد.
وشهدت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة في الأسواق السورية ضمن مناطق سيطرة الحكومة منذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ارتفاعاً قياسياً بوتيرة متسارعة تصل إلى 10.5% أسبوعياً لأكثر السلع.
بينما تتعاظم مأساة الأُسر السورية في مناطق سيطرة الحكومة، نتيجة لهذا الغلاء المتسارع، وهو ما يهدد الآن الآلاف من العائلات بالجوع أو سوء التغذية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نشرتها لأسعار المواد الأساسية التي شهدت معظمها ارتفاعاً ملحوظاً وصل في بعض المواد إلى 20%.
أما في الأسواق، فتبين أن الأسعار الفعلية للمواد في محال بيع المفرق (التجزئة) تفوق النشرة الحكومية بنسبة ارتفاع من 5 إلى 25%، في حين تختلف هذه الأسعار من منطقة إلى أخرى، بل من محل إلى آخر.
ففي حين كان سعر كيلو السكر في النشرة 2500 ليرة سورية، فإنه في السوق بلغ ثلاثة آلاف ليرة، وبينما كان سعر ليتر زيت دوار الشمس في النشرة 8500 ليرة، فإنه وصل في السوق إلى 11 ألفاً.
ويشير تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، صدر هذا العام، إلى أن 12.4 مليوناً من السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 4.5 ملايين عن العام الماضي، وأن أسعار المواد الغذائية الأساسية في سوريا أعلى بمعدل 29 مرة من متوسطات ما قبل الأزمة.