ما مدى مصداقية عودة الأسد للحضن العربي؟

القامشلي ـ نورث برس

كثر الحديث مؤخراً، عن احتمالية استعادة سوريا مقعدها المعلق في جامعة الدول العربية، في حالة حدوث توافق عربي، ولكن السؤال هو: ما مدى مصداقية هذه العودة وما هي شروطها؟.

في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2011، علقت الجامعة نشاط سوريا، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ الحكومة السورية كامل تعهداتها في توفير الحماية للمدنيين.

ورغم قرار الجامعة بتعليق عضويتها، إلا أن دمشق لم تكن معزولة بالكامل سياسياً واقتصادياً، حيث وقفت معظم الدول العربية في شمال أفريقيا والعراق وسلطنة عمان ودول أخرى، بينها مصر، على الحياد في الصراع الداخلي، مع استمرار قنوات التواصل مع الحكومة السورية.

محاولات فك العزلة جاءت بجهود روسية مقرونة برغبة عواصم دول عربية في احتضان دمشق بحجة نزعها من “الحضن الإيراني”.

ما هي المواقف من عودة دمشق؟

وتباينت مواقف العواصم العربية من عودة سوريا إلى الجامعة بين مؤيد ورافض وصامت. حيث أنها ترتبط بالمشاورات بين الدول العربية.

فالجزائر من أكبر الدول الداعمة لعودة دمشق إلى الجامعة العربية. ومنذ آذار/ مارس 2019، لا تعارض مصر تلك العودة، وقال وزير خارجيتها سامح شكري: “ليس لدى مصر أي شروط لعودة سوريا”.

ومنذ سنوات، تؤيد بغداد عودة سوريا إلى شغل مقعدها في جامعة الدول العربية. وأيضاً بيروت، من المؤيدين لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، كما أنها كانت من الرافضين لتجميد عضويتها.

ومؤخراً انضمت الأردن، خاصة في ظل الاتصالات وعودة العلاقات مع الحكومة في دمشق.

وطبعت أبو ظبي مع دمشق ولكن دون الدعوة لعودتها للجامعة العربية، وفتحت سفارتها عام 2018، وفي عام 2020 اتصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لأول مرة بالرئيس السوري وشدد على “ضرورة وقوف بلاده إلى جانب دمشق في محنتها”.

وشددت المنامة في أكثر من مناسبة على أن قرار إعادة سوريا إلى جامعة الدول “يجب أن يُتخذ في الجامعة على أعلى مستوى”.

وعينت نواكشوط سفيراً لها في دمشق في عام 2020، دون إبداء موقف واضح من عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

وكانت سلطنة عمان من الدول العربية والخليجية السباقة إلى تسريع التطبيع مع الأسد، حيث أعادت، في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2020، سفيرها إلى دمشق.

وعلى الطرف الآخر، لا تفكر الرياض في التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد في الوقت الحالي، بحسب ما صرح به وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في الحادي عشر من هذا الشهر.

وهذا الشهر، أعرب وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع الأسد.

وفي آذار/ مارس الماضي، أعلن الوزير القطري عن أن “أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة”. وشدد آل ثاني آنذاك، على “وحدة الأراضي السورية والتوافق على رفض الحل العسكري للأزمة”.

وحتى الآن، لم تعلن دول المغرب وليبيا والسودان وجيبوتي واليمن وجزر القمر والكويت وفلسطين والصومال موقفاً واضحاً إزاء النظام السوري أو عودته إلى جامعة الدول العربية.

لكن في تونس هناك حراك كبير لإعادة العلاقات مع دمشق، ففي آب/ أغسطس 2021، حث “الاتحاد العام التونسي للشغل” (أكبر المنظمات النقابية) الرئيس قيس سعيّد، على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، لكن دون تجاوب رسمي واضح.

ما هي أسس التطبيع؟

تأمل بعض الدول التي أعادت علاقاتها مع دمشق أو تعتزم ذلك، أن يساهم هذا الأمر بـ”تحجيم جزئي” للنفوذ الإيراني في سوريا، ومنع المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية عبر حضور عربي واسع، ولا يكون ذلك إلى من البوابة الاقتصادية.

وبحثت الإمارات وسوريا تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع آفاق الشراكة المثمرة والواعدة بين البلدين.

ووقع مجلس الأعمال السوري الإماراتي وغرفة تجارة وصناعة أم القيوين الإماراتية اتفاقية لتنشيط التعاون بين الجانبين ودعم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين مجتمعي الأعمال في سوريا والإمارات.

وقالت وزارة الاقتصاد الإماراتية، إن أبوظبي تعد أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي، وتحتل المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا، إذ تستحوذ على ما يتجاوز 14% من تجارة سوريا الخارجية.

وأشارت إلى أن حجم التجارة غير النفطية بين البلدين بلغ مليار درهم (272 مليون دولار) في النصف الأول من 2021، في حين بلغ خلال العام الماضي 2020 نحو 2.6 مليار درهم.

وبحسب وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري، تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في الإمارات 1.5 مليار درهم (408 ملايين دولار) بنهاية 2019.

وشددت وزارة التجارة الخارجية السورية على حرصها على توسيع علاقات التعاون الاقتصادي مع الإمارات في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

ورحبت دمشق بطلب الجانب اللبناني للمساعدة في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، بهدف توليد الطاقة.

وأعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة، وكانت عمّان هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا.

ومن المنتظر أن تحصل الحكومة السورية على كميات من الغاز والكهرباء، مقابل مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان بمباركة أميركية.

ولكن منسق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، قال في الواحد والعشرين من هذا الشهر، إنه لا يرى أي تطبيع حقيقي مع الحكومة السورية.

وأضاف: “لن تعود سوريا إلى جامعة الدول العربية”.

نفى المسؤول الأميركي إمكانية عودة الانفتاح الدولي على سوريا في ظل استمرار الحكومة الحالية.

ويرى مراقبون أن تطبيع دول عربية مع دمشق وعودتها للجامعة العربية، مرتبط بمحاولات تلك الدول دعم الحكومة السورية اقتصادياً في سبيل التخلي عن إيران وإبعادها قدر المستطاع عن الأسد.

وأشاروا إلى أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا بالتطبيع الاقتصادي مع دمشق، وليس كما تأمله وتروج إليه الأخيرة، “من إقبال عربي عليها على اعتبارها عنصراً أساسياً في المنطقة”، بحسب ما صرح وزير الخارجية فيصل المقداد.

وتريد الدول العربية أن تتولى، دون قيود قانونية، ملف إعادة الإعمار وبناء علاقات اقتصادية تستفيد منها تلك الدول الخليجية، الغنية تحديداً، ودول أخرى مثل الأردن والعراق ولبنان بإعادة حركة التجارة المتبادلة مع سوريا، خاصة في ظل الاقتصادي المتردي وانهيار قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي، إضافة لعقوبات “قيصر” التي زادت من تخبط الحكومة السورية.