غرفة الأخبار ـ نورث برس
تربط لبنان وسوريا؛ علاقات ثنائية من ضمنها مسألة اللاجئين السوريين، فيبدو أن لبنان؛ الغارق بأزماته، وسط تدهور حادّ بقيمة الليرة وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع، بدأ ينحو أكثر فأكثر إلى حلّ تلك المسألة.
وتتسّع قنوات الاتصال بين الجانبين السوري واللبناني؛ حول “إعادة اللاجئين السوريين” إلى بلدهم، فيما تُبدي دمشق؛ استعدادها لحلّ هذا الملف رغم معارضة الأمم المتحدة التي ترى أن العائدين قد يتعرّضون للخطر في بلدهم الذي لا يزال غير آمن.
والجمعة، بحث الرئيس اللبناني ميشال عون، مع السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم؛ العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا؛ وخصوصاً ما يتعلق بأوضاع اللاجئين في ضوء الخطة التي يضعها لبنان؛ من أجل إعادتهم تدريجياً إلى بلادهم.
وعقب اللقاء الذي جمعهما في قصر بعبدا، قال عبدالكريم، إنهم تطرّقوا إلى عددٍ من المواضيع التي تهمّ البلدين، انطلاقاً من العلاقات الأخوية بينهما، خصوصاً مسألة عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا.
واعتبر الدبلوماسي السوري، أن الوقت الحالي “يشهد أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ معالجة جدية لها”، لا سيما وأن سوريا؛ قدّمت “التسهيلات اللازمة لذلك واتخذت الإجراءات التي تساعد على تحقيق هذه العودة، بالتعاون مع الدولة اللبنانية”.
وأضاف أن “المهم الآن أن تقتنع الدول الكبرى والمنظّمات الدولية بضرورة تسهيل هذه العودة، وتساعد كِلا البلدين على اتمامها وتتوقف عن الإيحاء بأن سوريا؛ لا تريد عودة أبنائها إليها”.
وشدّد على أن هذا الكلام “غير صحيح، وتدحضه الوقائع والإجراءات المتخذة”.
واعتبر سفير سوريا، بلبنان؛ أن ما يساعد على تسريع العودة؛ المساعدات المالية والمبالغ التي تُدفع للاجئين في لبنان، “لو دُفعت إلى العائدين في سوريا؛ فإن النتائج ستكون أفضل”.
وفي الثاني عشر من هذا الشهر، حذّر بطريرك الموارنة في لبنان، بشارة الراعي؛ اللاجئين السوريين من “حرب ثانية” إذا بَقوا في لبنان، في إشارة إلى الأزمة المعيشية والاقتصادية ربما؛ فضلاً عن تنامي موجة عداءٍ ضدّهم من قِبل بعض اللبنانيين.
كما شدّد على ضرورة رحيلهم، قائلاً: “لا يمكنكم البقاء على حساب لبنان”.
ولكن عضو الهيئة السياسية، في الائتلاف السوري المعارض، سليم إدريس، أعرب عن استهجانه لتهديد الراعي، للاجئين السوريين.
وقال “إدريس“، في بيان، إن المناطق التي يريد البطريرك إعادة اللاجئين إليها؛ “لا يمكن أن تكون آمنة بوجود نظام الأسد”.
وبحث وزير الإدارة المحلية، والبيئة في الحكومة السورية، حسين مخلوف، مع وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، خلال لقاء لهما في دمشق في آب/ أغسطس، الماضي، ملف إعادة اللاجئين إلى ديارهم والإجراءات المتخذة من الجانب السوري؛ لتوفير عودة آمنة وسريعة لهم وفق جداول زمنية محددة من الجانبين.
وجاءت التصريحات في وقتٍ تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية في لبنان، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وسعي الآلاف للهجرة إلى الخارج بحثاً عن عمل.
كما تتناغم مع موقف رسمي موحّد من هذا الملف لجهة ضرورة إعادة اللاجئين، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، وعدم القدرة على تلبية الخدمات العامة من قِبل المؤسسات الرسمية والبلديات، والضغط على القِوى الأمنية، وبروز ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
والأسبوع الأول، من آب/ أغسطس، حمّل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عبدالله بوحبيب؛ أوروبا وعوامل اقتصادية؛ مسؤولية عدم عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم “رغم التسهيلات التي قدمتها دمشق”.
وقال في حوار مع صحيفة الأنباء الكويتية، أن دول أوروبا؛ تشعر بالقلق من أن عودة اللاجئين إلى سوريا؛ ستشجّع ذهابهم إلى أوروبا، لذا فهي مستعدة لمساعدتهم على أن يَبقوا في لبنان؛ لا أن يهاجروا إلى أوروبا.
وبحسب الوزير اللبناني، فإن منح اللاجئين المساعدات وهم على أراضيهم أفضل من بقائهم في لبنان.
وفي لقاء جمعه مع وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية،، قال وزير الداخلية في الحكومة السورية محمد الرحمون، إنه قدّم جميع التسهيلات اللازمة لتأمين عودة اللاجئين إلى مناطقهم.
وأشار حينها، إلى أن الحكومة السورية؛ سمحت بدخولهم بموجب جوازات سفر سوريّة حتى وإن كانت منتهية أو أي وثيقة تُثبت أنهم مواطنون سوريون، ومعالجة أوضاعهم في المراكز الحدودية بشكل فوريّ دون تكليفهم بالمراجعة.
ومنذ بداية الحرب السورية، يُقدّر عدد اللاجئين السوريين في لبنان؛ بنحو مليون ونصف المليون، منهم 950 ألفاً مسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب إحصائيات رسمية.
بينما يتوزّع العدد الأكبر منهم في محافظة البقاع (حوالي 39 بالمئة)، تليها محافظة الشمال، بيروت، والجنوب، ويواجه بعضهم تصرُّفات عدائية أو “عنصرية” من قِبل بعض اللبنانيين.
وثمّة شبه توافق بين البلدين؛ بخصوص الخطة التي طرحها الجانب اللبناني المتضمّنة عودة 15 ألف سوري شهرياً.
وفي حزيران/ يونيو، الماضي، شدّد نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني المكلّف، على ضرورة ترحيل اللاجئين السورين “نحن أمام معضلات كبيرة جداً، لبنان في حالة أزمة”.
وأرجع الأسباب إلى أن “نسبة الجرائم التي تحصل في لبنان؛ على أيدي السوريين عالية، كذلك أعداد كبيرة من اللاجئين الذين يتحصلون على مساعدات من المنظمات الدولية يمارسون التسوُّل”.
وأشار، إلى أن هذه الأسباب أدّت لخلق حالة النفور تجاه السوريين.
وأعرب عن تخوُّفه من حصول تغيير ديموغرافي في لبنان؛ مع مرور الوقت، وأنه على لبنان؛ اتخاذ الاحتياطات بالنظر إلى الفارق الكبير بين أعداد الولادات لأطفال لبنانيين وسوريين.
واستنكر الائتلاف السوري المعارض، تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية؛ حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، معتبراً أنها تشكِّل تهديداً للمجتمع الدولي.
سياسياً
يؤيّد لبنان، عودة سوريا؛ لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، وجاء ذلك على لسان وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عبدالله بو حبيب، في تموز/ يوليو، الماضي.
وفي ذلك الشهر، دارت في لبنان، لقاءات على مستوى وزراء خارجية الدول العربية وممثلين عنهم، وأيَّد حينها “بوحبيب”؛ عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وشدّد في الوقت نفسه على أن هذا الأمر يتطلّب إجماعاً عربياً.
اقتصادياً
ويربط لبنان، بسوريا؛ مشروع خط الغاز المصري عبر سوريا؛ الذي رحّبت به الولايات المتحدة، في حزيران/ يونيو، الماضي؛ متجاهلةً العقوبات المفروضة على سوريا.
ووقّع لبنان وسوريا ومصر، اتفاقية لنقل 650 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً؛ من مصر إلى لبنان؛ عبر سوريا، وذلك في مراسم أقيمت بوزارة الطاقة اللبنانية، في بيروت.
والصفقة تمّت عبر محورين: وهما شراء الغاز من مصر، ونقله إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.
وتستفيد الحكومة السورية من خط نقل الغاز إلى لبنان عبر أراضيها، وفي حديثٍ سابق لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، كشف وزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة، عن حصة إيصال الغاز المصري إلى لبنان.
وقال “طعمة”، إن “سوريا ستحصل على كميات من الغاز مقابل مروره عبر أراضيها، بموجب الاتفاقيات الموقّعة”.
وفي سياق الفائدة الاقتصادية أيضاً، افتتحت سوريا ولبنان، في أيار/ مايو، الماضي؛ معبراً حدودياً جديداً بين البلدين، وهو الرابع في محافظة حمص، والسادس بين البلدين.
وذكرت وكالة “سانا” الرسمية، حينها؛ أنه تمّ افتتاح معبر “المطربا” الحدودي بين سوريا ولبنان، بعد الانتهاء من العمل على التحتية، وتجهيز المعبر بالمستلزمات.
ويهدف افتتاح المعبر الجديد؛ إلى تحسين واقع العلاقات التجارية والاقتصادية والسياحية، وتسهيل مرور المواطنين بين البلدين.
ورغم التطوّرات الحاصلة بين البلدين والتأكيد على العلاقات الثنائية في جميع الجوانب، يبقى ملف اللاجئين السوريين؛ الشغل الشاغل لكِلا البلدين المتفقين على ضرورة إعادتهم، وسط تخوّف اللاجئين من عودةٍ لا ضمانات ولا أمان لهم فيها.