ما بعد داعش (5): فظائع ارتكبها “داعش” بحق عائلاتهم وأصدقائهم.. شهادات سكان في منبج والشدادي
منبج/ الشدادي – نورث برس
تحاول أم محمد وهي سيدة من مدينة الشدادي جنوب الحسكة شمال شرقي سوريا، من خلال إشغال نفسها بالعمل نسيان الحوادث الأليمة التي عاشتها على يد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرت مجرى حياتها بالكامل ولكن ذاكرتها تأبى ذلك.
وتعمل أم محمد، التي اكتفت بالتعريف عن نفسها بهذه الكنية، منذ ساعات الصباح وحتى المساء في زراعة وجني المحاصيل الزراعية التي باتت ترهق جسدها بحكم سنوات عمرها التي بلغت (52 عاماً)، وذلك لإعالة نفسها وأحفادها الذين لم يبق لهم معيل غيرها بعدما سلب “داعش” منها زوجها وولدها.
وفي المساء وبعد العودة من العمل، تبدأ، السيدة الخمسينية، بإعداد الطعام وتنظيف المنزل وغيرها من الأمور المنزلية التي تجد صعوبة في إنجازها أيضاً.
وما أن ينام أحفادها الأربعة، تبدأ أم محمد باستذكار اللحظات القاسية التي عاشتها أثناء تلقيها خبر مقتل زوجها وولدها على يد عناصر التنظيم، “في كل مساء أبكي حتى تجف دموعي، أحاول ألا يرى أحفادي حزني وبكائي ولكني أتحسر على حالهم، ما ذنبهم أن يكبروا بلا أب؟”.
وقبل أعوام من الآن، قتل عناصر التنظيم، خلال فترة سيطرتهم على الشدادي، زوج أم محمد الذي كان يعيل أسرته المكونة من زوجته وولده المتزوج وزوجته وأحفاده الأربعة.
تقول أم محمد بينما كانت تحاول منع نفسها من البكاء، لوجود أحفادها بالقرب منها، إنها كانت تعيش حياة طبيعية، إذ كان زوجها يعمل في الخارج لتأمين مصروف عائلته بينما كانت هي وبمساعدة زوجة ابنها تقومان بالأعمال المنزلية.
“ولكن بعد مقتل زوجي تغير كل شيء، أصبح الأمر صعباً، حاول ابني سد الفراغ الذي تركه زوجي، فأصبح هو معيل العائلة”.
“فظائع داعش”
وفي شباط/ فبراير 2013، خرجت مدينة الشدادي 60 كم جنوب الحسكة عن سيطرة الحكومة السورية، بعد معارك خاضتها قواتها مع فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، دُمرت خلالها البنية التحتية للمدينة ونُهبت الدوائر الحكومية.
وبعد عام من سيطرة المعارضة المسلحة عليها، شنّ “داعش” هجوماً عنيفاً عليها ودارت بينهما معارك طاحنة دامت لأيام سيطر بعدها التنظيم على المدينة.
وفي 2016، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على الشدادي.
اقرأ أيضاً
- ما بعد داعش (1): شهادات لنساء خرجن من عباءة داعش وتعرضن لمحاولات قتل في مخيم الهول
- ما بعد داعش (2): عراقيون في مخيم الهول يناشدون حكومة بلادهم لاستعادتهم
- ما بعد داعش (3): “قوائم لمن يرغب في الفرار”.. نساء من داعش فشلن في الوصول لتركيا
- ما بعد داعش (4):جهود تأهيل أطفال لعائلات داعش في مركز بالحسكة
- ما بعد داعش (5): فظائع ارتكبها “داعش” بحق عائلاتهم وأصدقائهم.. شهادات سكان في منبج والشدادي
وقضت أم محمد أياماً بالغة الصعوبة لفقدان زوجها، “بكيت وحزنت كثيراً على زوجي لكن لم نستطع فعل شيء ولم نعرف حتى الآن سبب مقتله”.
وبعد مرور عام ونصف فقط على مقتل زوجها، فجعت أم محمد بولدها الذي قتله عناصر من “داعش” أيضاً، فبقيت هي المعيلة الوحيدة لعائلتها بعد تخلي زوجة ابنها عن أولادها وتركها للمنزل.
وتجد الجدة نفسها في حيرة من أمرها حينما يسأل الأحفاد عن والدهم، “لا أدري ماذا أجاوبهم، ما زالوا صغاراً لنسرد لهم فظائع داعش”.
تشير السيدة الخمسينية التي كانت تغطي نصف وجهها بوشاح ويظهر عليها أعراض الزكام إلى أن وضعها المعيشي تفاقم سوءاً بعد مقتل زوجها وابنها، “لم يبق لنا معيل وليس هناك أحد يساعدنا”.
وتقلق أم محمد على مصير أحفادها ومعيشتهم وخاصة أن أكبرهم البالغ من العمر خمسة أعوام سيدخل المدرسة العام القادم، “لا أستطيع شراء أقلام أو دفاتر أو لباس مدرسي، بالكاد أؤمن لهم طعامهم”.
وتساءلت بعد صمت دام بضع ثوان: “من سيلبي احتياجاتهم ويتكفل بهم بعد موتي؟”
“جماعات إرهابية تكفيرية”
ووفقاً لشهادات سكان من المدن التي سيطر عليها “داعش”، فإن عناصر التنظيم كانوا يعمدون وأحياناً يجبرون سكان على مشاهدة حوادث قطعهم لرؤوس وأطراف من يصفونهم بـ”المرتدين والكفار” وذلك بغرض بث الرعب والخوف في النفوس.
كما كان يفرض التنظيم قوانين متشددة تقيد الحريات الشخصية الأساسية، فحدد زياً خاصاً بالنساء ومنع التدخين والنرجيلة، كما منع استخدام الهواتف النقالة وحجب جميع النشاطات الفكرية والثقافية.
وما يزال إبراهيم مصطفى(41 عاماً) وهو من سكان مدينة منبج شمالي سوريا، يحاول أن ينسى مشهد صديقه وهو معلق على شكل صليب في إحدى ساحات مدينته بعدما أعدمه “داعش”، لكنه لا يستطيع، “فالحدث كان أكبر من أن ينسى”.
يقول الرجل الأربعيني إن دورية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تسمى الحسبة أوقفته وصديقه أثناء تواجدهما في السوق، حيث قامت بتفتيشهما ليجدوا علبة سجائر بحوزة صديقه.
ويضيف: “أخذوا صديقي معهم وبعد ثلاثة أيام وجدته معلقاً في الساحة وعلى صدره ورقة مكتوب عليها مرتد وكافر”.
وفي كانون الثاني/ يناير 2014، سيطر “داعش” على مدينة منبج وريفها بعد معارك ضد فصائل المعارضة المسلحة.
وفي الخامس عشر من آب/ أغسطس 2016 طرد مجلس منبج العسكري بدعم من قوات سوريا الديمقراطية وإسناد جوي من التحالف الدولي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد معارك دامت قرابة شهرين ونصف.
ويصف “مصطفى” عناصر التنظيم بأنهم، “جماعات إرهابية تكفيرية، فالإجرام والتنكيل بالجثث أيام سيطرتهم جعلت الجميع يشعر بالخوف حتى بمجرد ذكر اسمهم”.
“تنظيم أشد خطورة”
ورغم مرور أعوام على قضاء قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي على التنظيم في آخر معاقله في قرية الباغوز بريف دير الزور في آذار/ مارس 2019، يتخوف فيصل أحمد (27 عاماً) وهو من سكان منبج كغيره من عودة التنظيم إلى الواجهة مجدداً.
وتسود مخاوف لدى الكثيرين من تحول مخيم الهول إلى حاضنة ومركز ظهور للتنظيم يكون أشد خطورة في ظل استمرار بقاء زوجات عناصره “المتعصبات” في مخيم الهول وقيامهن بتعليم أطفالهن “التشدد والتطرف”.
ويضم مخيم الهول، الذي يبعد نحو 40 كيلومتراً شرق الحسكة، نحو 56150 فرداً من نحو 15250عائلة، بينها 2423 من عائلات قتلى ومعتقلي “داعش” الأجانب المنحدرين من نحو 60 دولة.
ويرى “أحمد” الأوضاع الأمنية في مدينته جيدة نوعاً ما، “لكن ما زال هناك خوف من خلايا داعش”.
وفي التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن المركز الإعلامي لمجلس منبج العسكري عن تمكنه من إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص بتهمة الانتماء للتنظيم.
وفي السابع من الشهر الجاري، ألقت قوى الأمن الداخلي “الأسايش” وبمساندة التحالف الدولي، القبض على أحد القادة العسكريين لتنظيم الدولة بريف الشدادي.
وكان الشاب العشريني متواجداً في منبج خلال سيطرة “داعش” ويشير إلى أنهم غالباً ما كانوا يتجنبون الذهاب إلى السوق، “لأن الشخص لم يكن يعرف التهمة التي يلقونها عليه ويسجن أو يقتل بسببها”.
ويضيف: “كنت شاهداً على إعدام عدة أشخاص في الساحات العامة، غالبية الذين تم إعدامهم قتلوا ظلماً ولكن لم نكن نستطيع التكلم، إذ كنا سنواجه ذات المصير في حال اعترضنا”.