ما بعد داعش (3): “قوائم لمن يرغب في الفرار”.. نساء من داعش فشلن في الوصول لتركيا

الحسكة – نورث برس

تخطط خلايا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لإخراج زوجات عناصر التنظيم من مخيم الهول بريف الحسكة، شمال شرقي سوريا، والوصول عبر جرابلس ثم تركيا إلى بلدانهن، وذلك وسط رفض الحكومات استعادة رعاياها من المخيمات والسجون التي تديرها الإدارة الذاتية.

ورغم أن القوات الأمنية في مخيم الهول أفشلت عدة محاولات فرار لكن عدة نساء تمكنّ من الهروب، والوصول إلى تركيا عبر مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة الموالية لها في سوريا، وفقاً لشهادات نساء حاولن الفرار من المخيم.

وتعد مدينة جرابلس شمالي سوريا وجهة هؤلاء النساء اللواتي يدفعن غالباً آلاف الدولارات في سبيل الوصول لتركيا والعبور لبلاد أخرى، بحسب المصادر ذاتها.

 ويأوي مخيم الهول الذي أنشئ في التسعينيات من القرن الماضي، 56.365 شخصاً غالبيتهم من اللاجئين العراقيين.

ويقدر عدد العائلات بنحو 15.300 بينها 2.423 عائلة لعناصر وقتلى ومعتقلي تنظيم داعش المنحدرين من نحو 60 دولة شتى الجنسيات العالمية والذين قدموا إلى سوريا لتلبية دعوة “الجهاد” التي أطلقها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عام 2014.

ورغم المطالبات المتكررة للإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا وسعي الولايات المتحدة لاستعادة البلدان رعاياها من المخيم، إضافة للذين يقبعون في سجون الإدارة وإعادة تأهيلهم وملاحقتهم قضائياً، إلا أن غالبية الدول من بينها المشاركة في التحالف الدولي ترفض ذلك.

وتطالب الإدارة الذاتية إنشاء محكمة دولية لمحاكمة عناصر “داعش”، لكنها لم تحظ بدعم من الدول التي ترفض محاكمة رعاياها في محاكمها.

والعام الماضي، سلّمت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومقرها في القامشلي، 324 طفلاً وامرأة من عائلات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأجانب إلى ممثلي دولهم، لكنها ترفض استلام غالبيتهم لا سيما الرجال والبالغين.

مخيم الهول شمال شرقي سوريا

سماسرة ومخططات

وروت أسماء محمد الوادي (40 عاماً)، وهي زوجة عنصر في التنظيم وتنحدر من تونس، لنورث برس، تفاصيل حول فرارها من المخيم رفقة امرأة أخرى من الجنسية الروسية، ومحاولتهما الوصول إلى تركيا لولا أن تم القبض عليهما وأخذهما إلى سجن خاص بنساء “داعش” في الحسكة.

تقول المرأة التي لم تمانع الظهور بدون تغطية وجهها بالنقاب وارتداء “اللباس الشرعي” المعتاد، إن بعض “الأخوات” في المخيم أخبروها أن من يرغبن بالهروب عليهن تسجيل أسمائهن في البداية، حيث يقوم أشخاص متواجدون في تركيا بترتيب وتخطيط عمليات الفرار وخاصة للمهاجرات.

والأخوات إشارة لنساء التنظيم من جنسيات أجنبية في المخيم اللواتي ما زلن يعتبرن أنفسهن مسؤولات عن تطبيق فكره ولا يمتنعن عن استخدام العنف لتنفيذ قراراتهن.

تقول “الوادي”، وهي أم لثلاثة أطفال، إن شخصاً يدعى “أبو أحمد” متواجد في تركيا رتب لها الطريق من خلال تواصل المرأة الروسية التي رافقتها في الهروب.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، خرجت “الوادي” رفقة أطفالها والمرأة الروسية من المخيم بعد الاختباء في شاحنة صغيرة مخصصة لجلب الخبز إلى المخيم، “وكانت مزودة بصندوق مخفي”.

وبعد الخروج من الحدود الإدارية للمخيم، استبدلت السيدتان الشاحنة بسيارة أخرى حتى وصلتا إلى منزل رفضت الإفصاح عن موقعه أو صاحبه.

وبقيت المرأتان في ذاك المنزل لمدة خمسة أيام، لتنتقلا بعدها إلى مدينة الرقة حيث تم استبدال السيارة التي كانت تقلهما لأكثر من مرة.

وخلال محاولتهما الوصول لمدينة جرابلس بريف حلب الشرقي الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة الموالية لأنقرة بهدف الوصول إلى تركيا، ألقت قوى الأمن الداخلي(الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية القبض عليهما في ريف مدينة منبج.

ويوم أمس الجمعة، قال بلاغ صحفي صدر عن المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية إن تقارير خطيرة تتحدث عن عمل بعض المجموعات العسكرية المؤيدة لتنظيم داعش “بما فيها فصيل أبو القعقاع العامل في منطقة رأس العين كشبكات لتهريب الناس إلى تركيا والاستفادة من الأموال المحصلة في تمويل عمليات التنظيم الإرهابي ضد السكان في المنطقة”.

وأضاف البلاغ أن “من شأن التراخي الدولي مع تلك الشبكات الإجرامية في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال سوريا أن يزيد من تنامي خطورة التنظيم الإرهابي ويعيق جهود مكافحة خلاياه الإرهابية”.

 “من سبقننا وصلن”

وعام 2020، أنشأت وحدات حماية المرأة في قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، سجناً خاصاً بنساء عناصر التنظيم اللواتي قمن بأعمال “إرهابية” أو ارتكبن جرائم  قتل في مخيم الهول شرق الحسكة أو حاولن الفرار من المخيم.

ويضم السجن حالياً، العشرات من نساء عناصر وقتلى ومعتقلي التنظيم رفقة أطفالهن وغالبيتهن من الجنسيات الأجنبية أو من تعرفن بالمهاجرات.

وكانت “الوادي” قد وصلت إلى سوريا عام 2013 عبر رحلة طيران من بلادها إلى تركيا لتعبر الحدود التركية إلى الأراضي السورية التي سبقها إليها زوجها عام 2012، وفقاً لما ذكرته لنورث برس.

وعن سبب توجهها إلى جرابلس دون غيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا أثناء فرارها، تقول “الوادي” إن جرابلس تضم مخيماً “وهناك تتم مساعدة الأخوات في الوصول إلى تركيا ومن ثم العودة إلى بلادهن”.

وتضيف: “الكثير من الأخوات وصلن إلى تركيا وهن يسهلن أمور من يرغبن في الرجوع لبلادهن أو البقاء في تركيا دون أن يتم سجنهن بحسب ما أخبرونا”.

وتعلل المرأة قدومها إلى سوريا بأنه “من أجل تطبيق شريعة الإسلام”.

لكنها تزعم أنها ارتكبت “خطأ” بانضمامها لداعش، وأن زوجها كان يعمل في مجال الاتصالات قبل أن ينتقل إلى العمل في قسم الخدمات، “هو لم يعمل في المجال العسكري”.

وتطالب المرأة التونسية حكومة بلادها بإعادتها إلى تونس، “أريد ان أعود إلى بلدي وأهلي، فمصيري مجهول هنا”.

“22 ألف دولار”

وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير العام الماضي، اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية، مهرباً كان يعمل على تهريب زوجات “داعش” من مخيم الهول، وذلك بريف تل حميس قرب الحدود السورية – العراقية.

وفي الشهر ذاته، ألقت قوى الأمن الداخلي في المخيم القبض على عشرات النساء برفقة أطفالهن أثناء محاولتهن الفرار من المخيم وذلك من خلال التخفي في خزانات لصهاريج نقل المياه.

 وفي تموز/ يوليو عام 2020، أظهر تسجيل مصور، حصلت عليه نورث برس من مصادر خاصة في مخيم الهول، قيام سائقين لصهاريج مياه تعود لمنظمة المجلس النرويجي للاجئين “NRC”، بتهريب عائلات لعناصر “داعش” من المخيم.

وتقول أليا أصلان (30 عاماً)، وهي روسية الجنسية رافت “الوادي” في عملية الفرار، إن كلاً منهما دفعت 22 ألف دولار أميركي لأحد المهربين مقابل إخراجهما من المخيم.

وتضيف المرأة الروسية، التي تجد صعوبة في التحدث باللغة العربية، إنها تواصلت مع ذويها بعد شرائها لهاتف وطلبت منهم مساعدتها في الخروج من المخيم، “فقامت والدتي بجمع أموال من أقارب وجيران وأرسلتها لي”.

وتشهد هي الأخرى أن نساء، من بينهن روسيات، تمكنّ من الوصول إلى بلدانهن بعد وصولهن إلى مخيم جرابلس.

 وعام 2013، جاءت “أصلان” برفقة زوجها إلى تركيا وبقيت هناك لمدة عام لينتقلا بعدها عبر الحدود إلى سوريا عام 2014.

واستقر الزوجان في البداية بمدينة الرقة لينتقلا بعدها بين مدن وقعت تحت سيطرة “داعش” إلى أن تم حصار مسلحيه في آخر معقل ببلدة الباغوز عام 2019 من جانب قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي.

وتعلل أليا مجيئها إلى سوريا بأنا سعت “لكنف الدولة الإسلامية حيث اللباس شرعي والشريعة الإسلامية تطبق”.

وتنتقد روسيا التي “تقوم باستعادة الأطفال الأيتام ممن يحمل ذووهم الجنسية الروسية، ولا تقوم بإعادتنا”.

إعداد: جيندار عبدالقادر – تحرير: سوزدار محمد

اقرأ أيضاً