بعد سنوات من طرده.. “جرائم داعش” لاتزال تراود مخيلة سكان منبج

منبج ـ نورث برس

بعد خمس سنوات من طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، يستذكر مصطفى الحميدي (30 عاماً) من سكان منبج شمالي سوريا، مشاهد رآها أثناء سيطرة التنظيم على مدينته، “من قطع رؤوس أمام الملأ وطريقة عيش وتفكير أشبه ما يكون بالجاهلي”، كما يسميها.

وفي الخامس عشر من آب/أغسطس 2016 طرد مجلس منبج العسكري تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مدينة منبج بدعم من قوات سوريا الديمقراطية وإسناد جوي من التحالف الدولي، بعد معارك دامت قرابة شهرين ونصف.

وقال “الحميدي” أثناء سيطرة “داعش”، “كنا نعيش بجاهلية وعدنا إلى العصور القديمة من حيث اللباس وطريقة التفكير والمعيشة اليومية”.

ولم يستطع “الحميدي” التعايش مع الوضع في ظل سيطرة التنظيم، ليسجن عدة مرات بتهم مختلفة كالتدخين والتأخر عن الصلاة وعدم ارتداء اللباس القصير وحلاقة الرأس أو الذقن.

وفي فترة سيطرته على المدينة فرض “داعش” قوانين متشددة تقيد الحريات الشخصية الأساسية، فحدد زياً خاصاً بالنساء، ومنع التدخين والنرجيلة، كما منع استخدام الهواتف النقالة، وحجب جميع النشاطات الفكرية والثقافية.

وكان على “الحميدي” ملازمة منزله وعدم الخروج أو أن يقبل كل القوانين المفروضة على السكان من التنظيم وينفذها لكي لا يعرض نفسه إلى السجن في كل مرة.

ولم يجد “الحميدي” سبيلاً للهروب من الأمر الواقع، وعليه تقبل قوانين التنظيم والخضوع لما يخضع له السكان.

وما بقي في ذاكرة “الحميدي” إلى اليوم، هو مشهد يلاحقه عندما دفعه فضوله في أحد المرات لدخول تجمع للسكان في سوق المدينة ورؤية ما يحدث.

“لم أعد أشعر بشيء وتوقفت الدنيا عندما رأيت أحد عناصر داعش يقطع رأس شاب في العشرينات بتهمة الكفر”. 

وقال: “الحياة لم تعد تساوي عندي شيئاً بعد ذلك المشهد وكنت أخاف الذهاب إلى السوق ففي كل مرة أذهب أعود خائفاً ومرتعباً من فظاعة المشاهد التي رأيتها”.

وأعرب “الحميدي” عن اعتقاده في أن الذي كان يعيش في منبج خلال تلك الأيام لازالت الرهبة والخوف يرافقانه خشية من عودة التنظيم.

وشبه الأمر بأنه “كابوس لا يستطيع الاستيقاظ منه”.

ولم يتصور “الحميدي” في يوم من الأيام أن يخرج التنظيم من المدينة، خاصة بعد أن فرض سيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق وسط عدم اعتراض أي دولة من الدول التي تدعو لمحاربة “الإرهاب” وتخليص الشعب، على حد وصفه.

وتركيا من طريق مدينة جرابلس كانت بوابة لعبور عناصر التنظيم إلى المدينة ليستقروا فيها أو يذهبوا إلى باقي مناطق سيطرتها، وفقاً لـ”الحميدي”.

وأضاف: “مشاهد تلك الأيام أصبحت محفورة في ذاكرة كل منبجي صغيراً كان أو كبيراً”.

أيام سوداء

ويزيد جمال الحجي (45 عاماً) وهو صاحب محل لبيع العطور والمكياجات في السوق الرئيسي في منبج، على وصف سابقه، لفظاعة المشاهد التي كان يراها في السوق أمام محله من قطع رؤوس وجلد وضرب بتهم مختلفة، كما وصف.

ويعتبر “الحجي” أن الأيام التي عاشها خلال سيطرة التنظيم المتشدد على منبج “أسوء ما مر عليه طوال حياته”.

ويقول: “كانت الأحداث التي شهدتا المدينة حينها مرعبة وتحتاج إلى مجلدات ومؤلفات لكتابتها، ففي كل يوم كنا نرى شيئاً أسوء من الذي قبله”.

واضطر “الحجي” حينها، إلى توظيف فتاة في محله بالرغم من عدم حاجته لها لأنه لم يكن يستطيع البقاء فيه، فـ”التنظيم منع التعامل مع النساء في البيع والشراء”.

وقال “الحجي”: “لم أكن أستطيع البقاء في محلي لكسب لقمة عيشي، فإن رآني أحد عناصر التنظيم أبيع امرأة كاشفة وجهها أو عيناها فمن الممكن أن أجلد أو أذهب لمدة عشرين يوماً من أجل حضور دورة شرعية”.

وخلال سيطرته، فرض التنظيم المتشدد “دورات شرعية” على السكان بشكل مزاجي أو بعد ارتكاب مخالفة لأحد قوانينه، ليتلقى دروس دينية في حفظ قوانينها ودفع السكان إلى الجهاد، بحسب سكان المنطقة.

ومدة الدورة الشرعية لدى التنظيم، التي تقام في جوامع المدينة، من 10 أيام إلى قرابة الشهر تتضمن دروساً دينية في حفظ قوانين التنظيم وحض السكان على الجهاد.

وبعد انتهاء الدورة يمنح المتلقي ورقة تثبت خضوعه للدورة، بحسب “الحجي”.

ومن أحد المحظورات لدى التنظيم بيع المنتجات التي تحتوي على صور فتيات فكان يجب مسحها تحت طائلة عقوبات مضاعفة ومختلفة من جلد وأعمالٍ شاقة في حفر خنادق وأنفاق عسكرية أو تكسير شواهد قبور باعتبار أنها محرمة، وفقاً لـ “الحجي”.

وقال إن العقوبات التي رأيتها في سوق المدينة تمثلت بـ”قطع رأس بتهمة الكفر أو جلد رجلٍ لأن زوجته تظهر وجهها أو ضرب امرأة بعود خيزران لأنها تظهر عيناها. حتى المسنات لم يسلمن من شر التنظيم”.

الملجأ الآمن

بدورها، قالت أسماء محمد، المسؤولة عن شؤون المخيمات التابعة للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في منبج، إن السكان عانوا شتى أنواع الاضطهاد إبان سيطرة تنظيم “داعش” على المنطقة.

وأضافت “محمد” أنه “بعد تحرير المدينة في العام 2016 استطاع السكان في منبج إعادة الحياة إليها من جديد وإعادة بناء المدينة وإزالة كافة مخلفات التنظيم”.

وبعد طرد التنظيم بعام، استقبلت المدينة نازحين من كافة المدن السورية مثل حلب وحمص وحماة ومنطقتي دير حافر ومسكنة، بهدف العيش فيها على اعتبارها أصبحت ملاذاً آمناً للسكن، بحسب “محمد”.

ويبلغ عدد عائلات منبج 115 ألف عائلة موزعة على ٢٥ حياً ضمن المدينة و٢٠٠ قرية ومزرعة في الريف، بحسب المسؤولة عن شؤون المخيمات التابعة للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في منبج.

إعداد: صدام الحسن – تحرير: عمر علوش