هل روسيا قادرة على إضعاف أو إخراج إيران من سوريا؟

القامشلي ـ نورث برس

زادت روسيا، مؤخراً، من سعيها لإخراج إيران من سوريا أو على الأقل إضعافها، عبر زيادة تغلغلها في المناطق التي تتواجد فيها الفصائل المدعومة من إيران، وما كان من إخراج الفرقة الرابعة التابعة للقوات الحكومية من درعا جنوبي سوريا بناء على اتفاق التسويات، خير مثال على ذلك.

وما يساعد روسيا للوصول إلى مبتغاها، تكثيف إسرائيل لضرباتها في سوريا مستهدفة في معظمها مناطق النفوذ الإيراني.

وتبدي روسيا “سراً”، ارتياحها لهذه الضربات، ولكنها، في الوقت نفسه، تظهر في العلن رفضها المباشر، محملة إسرائيل مسؤولية هذه الاستهدافات، وتتذرع عن عدم الرد بالقول “إنه غير بناء”.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي, اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت, والرئيس الروسي فلاديمير بوتين, في لقاء لهما في سوتشي, على مواصلة السياسة التي تمنح الجيش الإسرائيلي الحق بالعمل بحرية في سوريا.

وقال وزير الإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، حينها, إن “روسيا لن تعيق الحملة الجوية للجيش الإسرائيلي على سوريا”.

في حين أشارت مصادر عسكرية إسرائيلية إلى أن موسكو طلبت تحذيراً إضافياً سابقاً، قبل أي غارات جوية تشنها على الأراضي السورية.

ونادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ ضرباتها تلك في سوريا، لكنها تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفه بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري هناك.

والأسبوع الماضي، كشف الجيش الإسرائيلي، عن نشوء تفاهم “ضمني مصلحي” بين تل أبيب ودمشق وموسكو على تقليص نفوذ طهران في سوريا.

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوفاخي، إن لتجديد التنسيق مع روسيا في الساحة السورية، دور في تحسن الأمن القومي الإسرائيلي.

“وجوب دعم الأسد”

وأسفر التنسيق الجديد للحكومة الإسرائيلية مع روسيا عن استمرار حرية التحرك في الساحة السورية، وبالتالي زيادة نوعية في الضربات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني، وتم تسجيل ثمانية هجمات خلال الشهر الأخير.

وأضاف أن “هناك جناحاً لا بأس به في هيئة الأركان الإسرائيلية يدعو إلى وجوب دعم نظام بشار الأسد لبسط سيطرته على كامل سوريا، بهدف التخلص من الإيرانيين وتقليص نفوذهم في حدود إسرائيل الشمالية”.

والأسبوع الماضي، قال الجيش الإسرائيلي في تقريره السنوي، لتقييم الأوضاع الأمنية لعام 2022، إن “تحديات الأمن القومي الإسرائيلي على الجبهة الشمالية- سوريا ولبنان، شهدت تحسناً ملحوظاً خلال 2021، بعد سنوات من التوتر”، وهي الفترة التي زاد فيها التقارب الإسرائيلي الروسي.

وباتت أنشطة إيران العسكرية في سوريا “تثير استياء نظام الأسد لأنها تقوض سعيه لفرض سيطرته على كامل سوريا”، بحسب رون بن يشاي وهو خبير أمني وعسكري إسرائيلي.

ومنذ 2012 بدأت إيران و”حزب الله” التدخل في ما يجري في سوريا، من خلال المشورة العسكرية، ونقل الوسائل القتالية، والمساعدة الاقتصادية وقوات المقاتلين.

ومع أن الأسد مدين لإيران بالكثير بسبب المساعدة التي تلقاها في لحظاته الصعبة، ولكنه في الفترة الأخيرة، كما يبدو، لم يعد راضياً عن حضورها المكثف في دولته.

خلاف تؤكده التطورات

وتحدثت تقارير صحفية عن توترات وخلاف بين الحكومة السورية وقائد فيلق القدس في سوريا، مصطفى جواد غفاري، نتيجة نشاطات الأخير في الأراضي السورية وعدم رضا الحكومة عنها، أدت لعزل “غفاري”.

وقبل أسبوعين تقريباً، قال مصدر دبلوماسي إن قرار عزل “غفاري” جاء بناء على طلب من الرئيس بشار الأسد الذي بعث برسالة إلى القيادة الإيرانية يطلب منها اتخاذ هذه الخطوة حفاظاً على العلاقات القوية بين البلدين”، بسبب “نشاط زائد وتآمر على السيادة السورية”.

ولكن وزارة الخارجية الإيرانية نفت في بيان، وجود أي خلاف بين الأسد ونظامه وممثلها العسكري في سوريا.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن “الفبركة الخبرية لوسائل الإعلام الصهيونية وبعض الدول الأخرى ليست أمراً جديداً ولها عمق ونطاق مختلف للغاية وعلى مستويات مختلفة”.

ورغم النفي، إلا أن ما حدث من انسحاب الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، المدعومة من إيران، من درعا في الجنوب السوري، يشير إلى أن الأمر ليس “فبركة خبرية”، بحسب مراقبين.

ويأتي الانسحاب تنفيذاَ لاتفاق التسوية الذي جرى بضمانة روسية مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، ونص على وقف إطلاق النار بعد حصار دام 78 يوماً فرضته فصائل موالية لإيران وقوات حكومية على المنطقة.

وقال العميد إبراهيم الجباوي، عضو في هيئة التفاوض السورية، لنورث برس، إن روسيا “أنجزت التسوية باتفاق دولي، ومن بنودها إخراج الفرقة الرابعة من درعا بسبب ولائها لإيران”، وبالتالي ونظراً لطبيعة موقع درعا جغرافياً على الحدود مع إسرائيل، فهذا الأمر يعتبر أحد تفاهمات وضمانات روسيا لأمن إسرائيل.

وأضاف “الجباوي”، وهو عميد منشق عن القوات الحكومية: “روسيا مصرة على تنفيذ بنود الاتفاق حتى النهاية”.

تحول في الوجهة

وزادت روسيا تغلغلها في درعا، وافتتح في المدينة مركز لتعليم اللغة الروسية، إضافة لوعود بتقديم مساعدات طبية وغيرها لسكان المحافظة.

وبالإضافة لزيادة تغلغل وتوسع روسيا في درعا اقتصادياً وعسكرياً وتعليمياً، تحدث تقارير صحفية عن قيام عناصر من فصائل تابعة لإيران في ريف حلب الشرقي، بترك الفصائل التي تنتمي إليها والالتحاق بتشكيلات منضوية في صفوف الفيلق الخامس المدعوم من روسيا.

وعلل العناصر ذلك، “تخوفاً من الضربات الإسرائيلية التي تستهدف تمركزات الفصائل المدعومة من إيران، إضافة للإغراءات التي تقدمها روسيا من بينها المالية”.

وقال شهود عيان في البوكمال في دير الزور، لنورث برس، إن فصائل إيرانية قامت بنقل مواقعها إلى القرب من تمركزات قواعد روسية تفادياً من استهداف إسرائيلي.

وقامت فصائل إيرانية بإفراغ مطار التيفور العسكري في ريف حمص الشرقي، ونقل معداته إلى مطار الشعيرات جنوبي المحافظة وسط البلاد، على أن تحل محلها قوات من الحكومة السورية إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية.

ويأتي ذلك بناء على تفاهمات مع الجانب الروسي تفادياً لاستهدافها بغارات جوية، في إشارة إلى الغارات الإسرائيلية المتكررة.

ويرى مراقبون أن المساعي الروسية لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، تهدف من خلالها تبليغ سوريا مرحلة الاستقرار الذي يتيح لموسكو استقطاب أموال إعادة الإعمار الدولية، والتي سيكون مصدرها الأساسي من الخليج العربي ودول الاتحاد الأوروبي، وربما الصين، ولن تتمكن روسيا من استقطابها من دون تعهدات حقيقية تتضمن تقليص نفوذ إيران.

إعداد وتحرير: معاذ الحمد