“رمضان” شاب من إدلب يخوض تجربة فريدة بعد فقدانه لبصره

إدلب – نورث برس

لم تقف إعاقة رمضان جويد، عائقاً أمام إظهار إمكانياته المميزة، بل تغلب عليها بكثير من الإصرار والتحدي، إذ أتقن مهنة لا تتناسب مع فقدانه البصر، وهي حرفة صناعة الأواني المنزلية المنسوجة من القش، ليقدم نفسه نموذجاً لأقرانه من ذوي الاحتياجات الخاصة.

“رمضان” شاب ثلاثيني من مدينة أريحا بريف إدلب الجنوبي، فقد بصره إثر إصابته في غارة جوية استهدفت منزله في المدينة، ويعيل الآن أسرته المؤلفة من زوجته وثلاثة أطفال.

صراع وتغلب

لم يكن يعلم الشاب أنه سيتخلى عن مهنته الأساسية ” كبناء” وتنقلب حياته “رأسا على عقب” بعد إصابته التي غيرت منحى حياته وفرضت عليه مواجهة الإعاقة من جهة، ومصاعب الحياة وتأمين لقمة العيش من جهة أخرى.

لكن فترة التأقلم مع الإعاقة كانت من أصعب الفترات التي مر بها في حياته، حيث لم تخلو هذه الفترة من الاضطرابات النفسية والعزلة التامة التي جعلته يفكر مراراً بالانتحار، بسبب الحالة النفسية والجسدية الصعبة التي وصل إليها.

يقول رمضان إنه تعلم مهنة صناعة القش عبر أحد أصدقائه من المكفوفين والذي تعلمها سابقاً في مدرسة المكفوفين بمدينة حلب.

في غرفته الضيقة يعلق رمضان عشرات التحف المنزلية على جدرانها، والتي كان قد صنعها بنفسه، يتنقل بينها واحدة تلو الأخرى وكأنه يبصر أماكنها، إذ يقضي ساعات طويلة بالعمل الذي يرى فيه راحته “النفسية والجسدية.”

يعمل الحرفي على ربط خيوط القش ونسجها بدقة عالية مشكلاً منها تحفاً وأدوات منزلية، كالأواني والأباريق ومزهريات الورود، والتي لا تخلو من أي منزل في محافظة إدلب على حد وصفه.

“صناعة القش تدخل في ثلاثة مراحل، تقتصر الخطوة الأولى على وضع خيوط القش في الماء لمدة معينة ومن ثم أعمل على ربطها بحسب الشكل أو القطعة، لتبدأ المرحلة الأخيرة في نسج الخيوط وتصنيع الأواني.”

نقل للتجربة

لم يكتفي الشاب بالعمل لنفسه فقط بل عمل على تدريب العديد من أقرانه المكفوفين ليحققوا دخلاً يكفيهم وعائلاتهم.

وتمكن “رمضان” حتى الآن من تدريب ثمانية شبان من المكفوفين على إتقان المهنة التي استمروا نحو ستة أشهر لإتقانها، بمساعدة منظمة تنشط في مجال المدني، والتي أمنت لهم كافة المستلزمات.

وعن هذه التجربة يقول: “لا يشعر بالمصاب إلا المصاب، نحن لسنا معاقين بل إن المجتمع الذي أعاقنا من خلال نظرة الاستعطاف التي كانت تؤلمنا أكثر من ألم إعاقتنا.”

لكنه بالرغم من ذلك يعبر عن سعادته كونه استطاع أن يقدم شيئاً في سبيل دعم زملائه المكفوفين الذين باتوا يعتمدون على أنفسهم في تأمين لقمة عيشهم.

وائل بوزقلي (30عاماً) أحد المتدربين والمستفيدين من المبادرة يقول لنورث برس إنه: “بعد الدورة التدريبية أصبحت حياته أكثر متعة من خلال ملئ أوقات فراغه الكبيرة بالعمل.”

بالإضافة لذلك تعلم “بوزقلي” مهنة ساعدته على أن يكون “عضواً فاعلاً في المجتمع”، ويقول: “سعيد لتعلمي هذه المهنة كونها تعتمد على الإبداع الذاتي والإحساس العالي، ولا يمكن أن يتخيل أحد أن مكفوفاً صنع هذه التحف.”

“قلوب مبصرة”

أقام رمضان وأصدقائه معرضاً يضم حصيلة عملهم طيلة فترة التدريب، وشملت المعروضات أطباقاً وسلالاً وقطع قش.

يقول رمضان الجويد: “أبدا زوار المعرض إعجابهم بالإحساس العالي والفن الراقي الذي يمتلكه المتدربون في صناعة هذه القطع.”

الطبيب زهير مصطفى(32عاماً)، كان ممن حضروا المعرض يقول: “صحيح أنهم فقدوا البصر ولكن قلوبهم مبصرة.”

ويشجع الطبيب هذه الفعاليات التي من شأنها أن تحسن واقع هذه الفئة المهمشة ودمجها بالمجتمع من خلال دعمهم على أن “يكونوا عناصر فاعلين فيه”.

لكن بالرغم من كل ذلك لا يزال “رمضان” يواجه بعض الصعوبات في عمله، أهمها تأمين المستلزمات الأساسية للعمل كالقش والمواد اللاصقة، بالإضافة لعدم وجود شركات تجارية تساعد من هم مثله على تسويق منتجاتهم إذ يقتصر بيع المنتجات على السوق الحرة.

وعلى وقع الحرب ومخلفاتها يصر رمضان مع أقرانه على متابعة أعمالهم، متحدين الواقع المرير، ويقول: “الإعاقة ليست إعاقة الجسد، إنما هي إعاقة العقل والروح.”

إعداد: سمير عوض – تحرير حمزة همكي