“فاطمة أم محمد”.. امرأة من الطبقة تفكر خارج الصندوق وتؤسّس مشروعاً فريداً

الطبقة – نورث برس

تنهمك فاطمة العلي في تأمين البيئة المثالية لديدانها، تكشف عنها أكياس الخيش، وتقيس درجة حرارة الغرفة ورطوبتها، وأيضاً حرارة الأحواض ونسبة الحموضة فيها، ترش عليها المياه مرتين إلى ثلاث أسبوعياً إن كانت نسبة الحموضة أقل من المطلوب، وتغسل ثم تطحن قشور البيض وتنثرها في الأحواض.

فاطمة “أم محمد” (46 عاماً)، هي أم لأربعة أطفال في الطبقة، تحملت مسؤولية إعالتهم بعد وفاة زوجها إلى جانب مهام رعايتهم، هذا بالإضافة لإعالة والدتها التي تعيش معهم تحت سقف المنزل نفسه.

فكرة وبحث

وقبل ستة أشهر، خلال تصفحها على شبكة الإنترنت، وقعت عينا فاطمة على ما سيصبح لاحقاً مشروعها الشخصي. قرأت عن مشروع تربية الديدان في أحواض بهدف إنتاج السماد العضوي منها، أو ما يسمى “الريد ويجلر والتايغو.”

تعمل “أم محمد” اليوم في مزرعتها في حي المسحر الشرقي بمدينة الطبقة، والمكونة من غرفة طولانية الشكل تتخللها نوافذ غير جاهزة، غطتها بالنايلون لعزلها عن برودة وحرارة الخارج، وأنشأت داخلها وعلى طول جدرانها أحواضاً إسمنتية بارتفاع متر واحد تقريباً.

تقول لنورث برس: “بعد أن اقتنعت بالمشروع وفوائده وجدواه الاقتصادية والصحية، تواصلت مع السيد حسان خليفة، وهو من دمشق، كان قد سبقني إلى تنفيذ المشروع واستورد ديدانه من جنوب إفريقيا منذ العام 2007.”

وتعتمد فاطمة في مشروعها على أدوات متواضعة، تتناسب مع حالتها المادية السيئة. أعادت تدوير العديد من الأدوات المنزلية، فمرش المياه هو عبارة عن “غالون” بلاستيكي زودته بمرش دوش الحمّام، والأكياس التي تستخدمها لتغطية الأحواض مستعملة بالية.

تقول: “ما زلت بحاجة للمزيد من أكياس الخيش الإضافية، و شوادر لفرز السماد عليها، والأهم مكيف للتبريد في فصل الصيف.”

إقلاع بالمشروع

تحولت الفكرة إلى حقيقة، عقب وصول سيارة “فان” من دمشق محمّلة بصناديق خضراء مليئة بالتربة  (البيئة) وفيها نحو سبعة آلاف دودة، “كان مشروعي هو الأول من نوعه في شمال وشرق سوريا” تؤكد فاطمة بفخر.

كانت “أم محمد” قد هيّأت الأحواض مسبقاً، فأفرغت الصناديق في الأحواض الجديدة، وبدأت بمراقبة الديدان وتأمين البيئة المناسبة لها.

تقول: “أرشدني السيد حسان إلى كيفية العناية بالديدان، وطريقة مراقبتها وتأمين ما يلزمها”.

وتصف تفاصيل عملها اليومي: “أقيس درجة حرارة ورطوبة الغرفة، وأيضاً رطوبة وحرارة تربة البيئة وحموضتها، أرش المياه على التربة كل يومين أو ثلاثة في فصل الشتاء، أما في فصل الصيف فأقوم برشها يومياً.”

فضلاً عن ذلك، تنثر قشور البيض على التربة بعد غسلها وتنظيفها وطحنها بشكل ناعم “من أجل أن تتوازن الحموضة في البيئة”، على حد قولها.

تأقلم فإثمار

لم تمر فترة طويلة على وصول الديدان حتى أظهرت تأقلماً مع بيئتها الجديدة، ثم بدأت بالتكاثر، و”اليوم تضاعف عدد الديدان من سبعة آلاف إلى أربعة عشر ألفاً”، كما تقدّر فاطمة.

وتتفاءل صاحبة المشروع بتضاعف الرقم أكثر خلال الأشهر القادمة، “فكل دودة ترمي شرنقة في الأسبوع الواحد، وهذه الشرنقة تتألف من دودة واحدة على الأقل، وربما  خمس إلى عشر دودات أسبوعياً إذا حصلت على تغذية جيدة.”

وتضيف: أنتجت الديدان كمية كبيرة من السماد خلال ستة أشهر منذ بدء المشروع، “كل دودة تنتج 25 غراماً من السماد العضوي يومياً، وكمية السماد ستزيد حتماً مع ازدياد أعداد الديدان.”

ويتميز السماد العضوي الناتج عن مخلفات الديدان بفوائده الاقتصادية والصحية، كما تقول فاطمة مستندة إلى ما قرأته من أبحاث وتجارب علمية وعملية في بلدان أخرى.

“فوائده تعود على الفلاح أولاً كونه منتج طبيعي ومغذي للمحاصيل الزراعية، ويزيد إنتاج المحصول إلى ثلاثة أضعاف السماد الكيماوي” .

كما يعتبر استخدام ديدان “الريد ويجلر والتايغرا” لإنتاج السماد المعروف باسم “فيرلي كومبوست” هو أكثر فائدةً من الناحية الصحية للإنسان، لجهة نوعية المنتجات والمحاصيل التي يعتمد إنتاجها على هذا النوع من السماد الطبيعي.

وتعتمد تغذية الديدان على الروث الحيواني ومخلفات بقايا الطعام التالفة كالخضار والفواكه وورق الشجر، “باستثناء بقايا الثوم والبصل والفليفلة، فهي تضر بالديدان.”

تجاوز عقبات

لا تخفي فاطمة، الآن، سعادتها بمسار مشروعها وفرادته، لكنها تتذكر بمرارة السخرية التي قوبلت فيها فكرتها عند طرحها لها للمرة الأولى، لكن ذلك تلاشى عقب حصولها على دعم إحدى المنظمات الدولية ضمن برنامج يهدف إلى تحسين سبل العيش في المنطقة باسم “إعادة الأمل.”

واستحقت “العلي” الدعم انطلاقاً من كون مشروعها “جديداً ورائداً في المنطقة”، كما أبلغتها المنظمة.

لكن ورغم كل الجهد، ما زالت فاطمة عاجزة عن الانطلاق بمشروعها من مرحلة التجربة إلى مرحلة الربح بسبب نقص التمويل.

“أتطلع إلى توسيع مشروعي بتملّك أو استئجار أرض زراعية وزراعتها بالخضار اعتماداً على السماد العضوي الناتج من مخلفات الديدان.”

 ترغب “أم محمد” في أن تثبت للمزارعين أن السماد العضوي أفضل من السماد الكيماوي لجهة نمو وإنتاج محاصيلهم الزراعية “يجب أن يتعرفوا على ذلك.”

وبانتظار تحقّق مرادها، تستمر “أم محمد” في العناية بديدانها، والترويج لمشروعها “الأول من نوعه في المنطقة”،  كما تحب أن تصفه.

إعداد: حسين العلي – تحرير: سامي شحرور