موسكو وطهران في سوريا.. حلفاء الأمس أعداء اليوم (1)
القامشلي- نورث برس
تقاطعت مصالح موسكو وطهران ودمشق في الرغبة بالقضاء على “الحرب السورية” ولكن ما إن بدأت المعارك بالانحسار حتى بدأ الخلاف يضرب عميقاً بين ملالي طهران وقياصرة روسيا.
فمع بداية اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا سارعت إيران إلى الدخول على خط “الأزمة السورية”، واصطفت إلى جانب حكومة دمشق ضد معارضيها، بينما أعلنت روسيا رسمياً تدخلها العسكري في 2015.
وتقول مراكز دراسات إن “إيران استجلبت فصائل طائفية لقتال مناوئي الأسد إلا أنها لم تفلح في القضاء على الاحتجاجات فتدخلت روسيا بجيوشها لإنقاذ الأسد من السقوط في دمشق”.
ومنذ مطلع عام 2012، بدأت فصائل محلية وأجنبية تابعة لإيران، بدعم قوات الحكومة، واحتفظت هذه الفصائل بحضور قوي داخل الأراضي السورية، وتعمقت ضمن أجهزة أمنية وعسكرية تابعة للحكومة السورية بمختلف المستويات والأشكال.
وبحسب هذه الدراسات، تولت الفصائل الموالية لإيران مع بعض القطعات العسكرية الحكومية مهمة “سحق الثورة الشعبية” على الأرض بينما استخدمت الطائرات الروسية المتطورة “سياسة الأرض المحروقة في طول البلاد وعرضها، فأسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين من بيوتهم”.
خلاف بين الملالي والقياصرة
بدأت ملامح الخلاف بين طهران وموسكو بالظهور، بتشكل ولاءات جديدة داخل قوات الحكومة السورية، فصارت الفرقة الرابعة حليفة إيران وذراعها العسكري الرسمي داخل القوات الحكومية، في الوقت الذي شكلت فيه روسيا قطعات تابعة لها كالفيلق الخامس وتشكيلات أخرى بقيادة سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”.
كما نسجت موسكو تحالفاتها داخل أجهزة الأمن السورية فصار “الأمن العسكري” تابعاً رسمياً لروسيا بعد أن كان حليفاً لإيران في السابق.
وأخيراً رعت روسيا تسويات درعا الأخيرة وأخرجت القوات الموالية لإيران من الجنوب السوري بمباركة دولية ورضا الأسد الذي يريد التخلص من النفوذ الإيراني في سوريا، وتأمين الحدود مع إسرائيل، بحسب تقارير صحفية.
اقرأ أيضاً:
- إيران تستكمل تغلغلها في سوريا.. وهذه المرة عبر جامعة حلب
- البدء بتعليم اللغة الروسية “لأبناء الشهداء” في دمشق في يوم اللغة العربية
- مباحثات سورية روسية في موسكو لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين
- وزير التجارة السوري يقول إن لإيران الأولوية الاقتصادية في سوريا
- يديعوت أحرونوت: إسرائيل استهدفت أسلحة إيرانية في ميناء اللاذقية
صراع عسكري
ضاقت روسيا ذرعاً بالتواجد الإيراني في سوريا فأوعزت إلى إسرائيل بتولي مهمة إخراجها من سوريا عبر ضربات دقيقة ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا وآخرها كان في ميناء اللاذقية ومطار دمشق الدولي.
وكررت إسرائيل قصفها مواقع ضمن الأراضي السورية، وسط “عجز الدفاعات الجوية السورية عن الاعتراض أو الرد أو إيقاف الصواريخ والقذائف” التي استهدفت نقاطاً وقواعد عسكرية لـ”حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني”.
ويرى مراقبون أن “الأسد يبارك هذه التحركات الروسية والضربات الإسرائيلية ضد حليفه الإيراني لأنه يريد التخلص من هذا النفوذ بعد أن انتهت مصلحته من وجوده”.
وأمس اعتبر المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، أن قضية الضربات الإسرائيلية في سوريا تستهدف الوجود الإيراني في سوريا و”من المستحيل إغلاقها”.
وقال “لافرنينتيف” في مقابلة مع “روسيا اليوم”، إن “الإسرائيليين يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي. هم يقولون إنهم يستهدفون أهدافاً إيرانية”.
وأنشأت روسيا وإسرائيل خطاً عسكرياً ساخناً، لتنسيق عمليات القوات الجوية فوق سوريا، وتجنب الاشتباكات، منذ عام 2018.
وشدد المبعوث الروسي على أن: “طهران أعلنت مراراً أنها ستنسحب من سوريا عندما يغيب الخطر على الأمن الوطني السوري”، معبراً عن أمل موسكو من “حل هذه القضية عن قريب”.
صراع اقتصادي
شعرت إيران بالخطر الروسي على تواجدها في دمشق فحثت الخُطى من أجل إكمال الاستيلاء على سوريا بمفاصلها كافة، وسخرت لهذا الأمر آلافًا من العسكريين والدينيين وغيرهم، لتصبح البلاد بأكملها تحت إدارتهم ويكون لها موطئ قدم دائم في الشرق الأوسط.
فبجانب خريطة النفوذ الإيراني الأمنية والعسكرية في سوريا، أُسّست عدة مشاريع اقتصادية تتبع بشكل مباشر أو غير مباشر للنفوذ الإيراني، فضلًا عن تمدد طهران الثقافي والمذهبي ضمن مدن سورية عدة.
وفي منتصف عام 2021 بدأت إيران مرحلة جديدة لتعزيز وجودها في مختلف القطاعات الحيوية في حلب.
وبدأت ملامح المرحلة المفترضة بالظهور مع افتتاح القنصلية الإيرانية والمكتب الاقتصادي الملحق بها في أيار/ مايو الماضي، وتنفيذ عدة مشاريع حيوية في محيط المقامات الدينية، تمهد لبقاء طويل داخل المدينة وفي ريفها.
وتحولت القنصلية إلى قبلة يقصدها التجار والصناعيون وشيوخ العشائر وزعماء الفصائل الموالية لإيران لضمان مصالحهم، بحكم النفوذ الواسع للقنصل في المدينة، بحسب تقارير صحفية.
وفي الوقت ذاته تكثف روسيا من حضورها الاقتصادي في سوريا عبر اتفاقيات وتفاهمات تعقدها مع الحكومة السورية، تتجلى في تقديم الإعفاءات والتسهيلات الضريبية وتسهيل وتبسيط إجراءات التجارة بين البلدين.
وقبل أيام قال مصدر في مؤسسة الحبوب السورية، لنورث برس، إن الحكومة السورية وقعت عقداً لاستيراد مليون طن قمح من روسيا.
صراع ثقافي
في الرابع عشر من هذا الشهر، وقعت جامعة حلب و”المركز الأكاديمي للتربية والثقافة والبحوث الإيراني” مذكرة تفاهم لتطوير “التعاون المشترك” لمدة خمس سنواتٍ قابلة للتجديد، بحضور القنصل الإيراني ورئيس جامعة حلب.
ويتضمن الاتفاق مع جامعة حلب، تبادل قاعدة البيانات العلمية والإنجازات البحثية، وتنفيذ دورات تدريبية متخصصة قصيرة الأمد في جامعة حلب من قبل أساتذة إيرانيين.
وبعد أيام من اتفاق إيران مع جامعة حلب، زار وفد أكاديمي من جامعة موسكو الحكومية كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، في إطار نشر اللغة الروسية في المؤسسات التعليمية السورية.
وشارك الوفد في ورشة عمل حوارية إلى جانب عدد من مدرسي اللغة الروسية في المدارس السورية بحثت طرائق التدريس الحديثة.
ونقلت وسائل إعلام عن الأستاذة في جامعة موسكو الحكومية، إليزابيتا خمرايفا، قولها، إن “ورشة العمل الأخيرة في دمشق تركزت على تدريس اللغة الروسية للأجانب وفق الطرائق الحديثة”.
وتحت عنوان “تأثير تربوي”، قال تقرير لمعهد واشنطن: “ثمة تطور يشير إلى هدف إيران المتمثل بضمان وجود متعدد الأجيال في سوريا، وهو قرار فتح أقسام باللغة الفارسية في العديد من المؤسسات التعليمية، بما فيها جامعات دمشق وحمص واللاذقية”.
وتقول مراكز دراسات إن إيران هي الأخطر من بين قوى الصراع المتنافسة على سوريا، لأنها لا تخفي توغلها الثقافي العقائدي، فمشاريعها الثقافية ترمي إلى إحداث تغيير شامل في بنية المجتمع السوري.