على غرار إيران.. تركيا تلجأ للتغلغل الثقافي في شمال غربي سوريا

القامشلي ـ نورث برس

بعد فشلها في تحصيل مكاسب، عن طريق استخدام القوة العسكرية، وجدت أنها ستخلق لها عداوة أكبر مع أصدقائها الذين هم منافسوها بنفس الوقت، شمال غربي سوريا، استلهمت تركيا سياسة، عملت بها إيران ولا تزال، لتحقق مكاسب في سوريا فلجأت للتغلغل الثقافي عناك.

وفي منتصف عام 2021 بدأت إيران مرحلة جديدة لتعزيز وجودها في مختلف القطاعات الحيوية في حلب.

وبدأت ملامح المرحلة المفترضة بالظهور مع افتتاح القنصلية الإيرانية والمكتب الاقتصادي الملحق بها، وتنفيذ عدة مشاريع حيوية في محيط المقامات الدينية، تمهد لبقاء طويل داخل المدينة وفي ريفها.

وأشار تقرير معهد واشنطن الأميركي، تحت عنوان “تأثير تربوي”، إلى أن التغلغل الإيراني في الجامعات السورية لم يقتصر على نشر اللغة الفارسية بل تعدى إلى أبعد من ذلك، فبدأت بتنظيم زيارات للأكاديميين والمسؤولين في وزارة التعليم العالي السورية.

وفي إطار ترتيب المصالح الإقليمية، توصّل الأتراك والإيرانيون إلى تفاهمات حول الوضع في سوريا، يجري بموجبها تجنّب المواجهة العسكرية، وتعطيل فتيل الصدام، في إطار ترتيبات أوسع تشمل تقاسم النفوذ في سوريا.

ومنتصف الشهر الماضي، اتفق وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، خلال زيارته لإيران، مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على تعزيز التعاون الإقليمي بين البلدين.

تقارب محتم

وهذا التقارب الإيراني التركي “ليس وليد الصدفة”، كما أنه ليس نتيجة لمرحلة آنية ظرفية تجمع البلدين، بل يبدو أنه تأسيس استراتيجي يحاكي تطورات المنطقة المقبلة.

وفرمل التدخل الروسي الطموح التركي بالتوسع في العمق السوري، الأمر الذي أحدث أكثر من صدام بين الطرفين، واستدعى أكثر من لقاء عاجل بين الرئيس رجب الطيب إردوغان والرئيس بوتين.

ورغم اللقاءات المتكررة بينهما، فإنَّ اللاتوافق كان سيد الموقف، وخصوصاً أنَّ الإصرار الروسي على إعادة شمال غربي سوريا للسيادة السورية “لا نقاش فيه”، بحسب مراقبين.

وبناءاً عليه، وفي إطار التنافس التركي الروسي على مناطق نفوذ في سوريا، وعدم التوصل لصيغة تنهي التصعيد الحاصل بين الطرفين والمتمثل بالقصف المتبادل عن طريق أذرع موسكو وأنقرة في سوريا، تحولت تركيا لسياسة زيادة التغلغل ثقافياً علَّها بذلك تحصل مكاسب عجزت عنها في العسكرة.


اقرأ أيضاً:


ونهاية الأسبوع الماضي، افتتح مسؤولون أتراك، أول مركز لأكاديمية الأناضولي التركية، في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، في ظل استمرار أنقرة في سياستها بتتريك المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال غربي سوريا.

وتزامن افتتاح المركز مع اليوم العالمي للغة العربية، وخصصت منظمة وهيئة الأمم المتحدة يوم الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر، يوماً عالميا للغة العربية تحتفي به عدد من البلدان الناطقة بها.

وتسعى تركيا لفرض ثقافة تُسهِّل عليها عملية تثبيت أقدامها في سوريا، وبالتالي فرض سياسة الأمر الواقع على المناطق التي تسيطر عليها في شمال غربي البلاد، بالتعاون مع الفصائل المسلحة الموالية لها.

وفرضت تركيا ومنذ سيطرتها على عفرين ونواحيها في كانون الثاني/يناير عام 2018، على إقحام اللغة التركية في المناهج التعليمة في جميع المراحل في إطار سياسة التتريك والتغيير الديمغرافي التي تتبعها تركيا.

خطط توسعية

وافتتحت تركيا، تسع جامعات في شمال غربي سوريا، منها: (جامعة حلب، جامعة إدلب، جامعة ماري في مدينة سراقب، جامعة الشمال الخاصة، في مدينة سرمدا، الجامعة الدولية للعلوم والنهضة، جامعة الشام العالمية، في أعزاز، وغيرها).

ورأى ناشطون ومراقبون أن تركيا تمهد، من خلال التعليم وعبر وسائل أخرى، لخطط توسعية مشابهة لسيناريو لواء إسكندرون الذي سلخته تركيا عن الأراضي السورية عام 1936.

ووفقاً لهؤلاء فإن تركيا تعزز سياستها في التتريك، لتصبغ القطاعات المدنية والثقافية بطابع تركي، لضم تلك المناطق إليها، وهو ما يناقض التصريحات التركية الرسمية التي لا تنفك تتحدث عن وحدة وسلامة الأراضي السورية.

وبعد افتتاح المركز بيومين، زار وزير الداخلية التركية، سليمان صويلو، المدينة الصناعية في بلدة الراعي بريف حلب، هي الزيارة الثالثة لمنطقة ريف حلب والخامسة لمناطق شمال غرب سوريا عموماً، إذ كانت أول زيارة له في أيار/ مايو 2020، عندما زار معبر الراعي في ريف حلب الشمالي لتهنئة الجنود الأتراك بعيد الفطر.

ونشر صويلو صوراً عبر حسابه في “تويتر”، وتظهر اجتماعه مع عدد من التجار والصناعيين في المدينة الصناعية في الراعي.

ولم يرافق الوزير التركي أي مسؤول من “الحكومة المؤقتة”، إن كان رئيس الحكومة عبد الرحمن مصطفى، أو وزير الاقتصاد عبد الحكيم المصري، فيما التقى مسؤولين من المجالس المحلية.

وجاءت التحركات التركية قبل أيام من انطلاق محادثات أستانا 17. وانطلقت، اليوم الثلاثاء، محادثات “أستانا 17” حول سوريا في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بمشاركة ممثلي الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران. ومن المقرر أن تستمر يومين.

ومن المرتقب أن يتناول المشاركون، الأوضاع الأخيرة في سوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية، وإعادة بدء اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وتبادل المعتقلين، وإطلاق سراح الرهائن، والبحث عن المفقودين.

إعداد وتحرير: معاذ الحمد