قامت القوات التركية في الـ/16/ من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري بقصف مخيم عين عيسى، ما أدى إلى مقتل الطفل حاتم حازم، وهو نازح يبلغ من العمر /13/ عاماً فقط، حيث كان يلعب بالقرب من الخيمة التي يعيش فيها مع عائلته حين تم استهدافه. وتوفي الطفل حاتم بعد ساعات متأثراً بجراحه في أحد مشافي الرقة بعد بتر إحدى رجليه.
واعترفت السلطات التركية بعملية القتل هذه، وزعمت في تغريدة نُشِرت على الحساب الرسمي لوزارة الدفاع التركية في اليوم نفسه أن قواتها “قامت بتحييد إرهابيين” خارج المنطقة التي غزتها تركيا واحتلتها خلال عملية نبع السلام. وهذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها تركيا مدنيين نازحين في الدول التي تتدخل فيها تحت مسمّى “الأمن القومي”.
فوفقاً لـ”هيومن رايتس ووتش”، قام حرس الحدود الأتراك مراراً وتكراراً بإطلاق النار وقتل السوريين الذين كانوا يحاولون العبور إلى الأراضي التركية. وفي كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، أدى قصف تركي على منطقة الشهباء بريف حلب السمالي، والتي يقطنها نازحون من عفرين، إلى مقتل ثمانية أطفال وإصابة آخرين. أما في العراق، فقد استهدفت الطائرات التركية مخيم مخمور عدة مرات، حيث يأوي المخيم لاجئين أكراد فرّوا من سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها تركيا في إحراقها وتدميرها للقرى الكردية بتركيا في تسعينيات من القرن الماضي.
ويتواصل القصف التركي على منطقة عين عيسى منذ الانتهاك التركي الأول لاتفاق /17/ أكتوبر لوقف إطلاق النار، والذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة العام الماضي لوضع حدٍّ لعملية نبع السلام.
في حزيران/يونيو الفائت، استهدفت غارة تركية بطائرة دون طيار منزلاً مدنياً في قرية حلنج بكوباني، ما أسفر عن مقتل الناشطة النسوية والرئيسة المشاركة السابقة لبلدية كوباني زهرة بركل. حيث تشير تقارير صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية، إلى تورط تركيا في أكثر من /100/ انتهاك لوقف إطلاق النار في تل تمر، وهي تاريخياً منطقة مسيحية-آشورية تقع خارج منطقة عمليات نبع السلام.
مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، مؤسسة أميركية مستقلة تُعنى بالسياسات الخارجية وتهدف إلى تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي، تأسست عام 1921 وتضم أكثر من /5000/ عضو جلّهم من طبقة الأعمال والاقتصاد والسياسة. مقره الرئيسي في نيويورك، ولديه مكتب أيضاً في واشنطن العاصمة. يعتبر مجلس العلاقات الخارجية أحد أهم المعاهد والأكثر تأثيراً في السياسة الخارجية الأميركية.
يُظهِر ردّ الفعل الأميركي على مقتل الطفل حاتم سبب اعتقاد تركيا بإمكانية إفلاتها من العقاب، حيث أصدر الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا، جيمس جيفري، بعد يوم واحد من الحادثة، إدانة ضعيفة ولم يذكر فيها الفاعل المسؤول عن القصف.
وجاء في البيان أن “الولايات المتحدة تدين مقتل طفلٍ سوري أمس بالقرب من عين عيسى بسوريا بسبب قصف مدفعي. ونعرب عن تعاطفنا مع أسرة الطفل ونحثُّ جميع الأطراف على حماية المدنيين. يوضّح هذا الحادث المأساوي الخطر المستمر على المدنيين من جراء التصعيد في هذه المنطقة من قبل أيّ طرف.”
وبدلاً من المطالبة بتطبيق الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة والذي يحظر على وجه التحديد بعض الأعمال التركية في شمال وشرقي سوريا، دعا جيفري جميع الأطراف إلى دعم العملية السياسية بموجب قرار مجلس الأمن /2254/، والذي لا يعترف بوجود الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وبقوات سوريا الديمقراطية.
لا يحق لتركيا قصف مخيمات اللاجئين البعيدة عن الخطوط الأمامية، حتى أنها ليست في موضع يسمح لها القيام بذلك إذا بذلت الولايات المتحدة والأطراف المعنيّة الأخرى المزيد من الجهود لضمان بقائها ضمن شروط اتفاقية “المنطقة الآمنة” الفاشلة التي تم التفاوض عليها في صيف عام 2019.
فإذا كانت الولايات المتحدة جادةً بشأن تمسّك تركيا بالتزاماتها الدبلوماسية هذه المرة، يجب عليها على الأقل أن تتحدث بوضوح وبشكل لا لبس فيه عند انتهاك هذه الالتزامات.
يمكن أن يبدأ ذلك من خلال نزاهة عامة تجاه من ينتهك وقف إطلاق النار ومن يدفع الثمن، فحين تهاجم تركيا المدنيين في شمال وشرقي سوريا، يجب على الولايات المتحدة ذكر ذلك صراحةً، بدلاً من توجيه نداءات غامضة إلى “جميع الأطراف” والتذرّع بجهود دبلوماسية لا أهمية لها.
وينبغي أن تؤدي الانتهاكات إلى اتخاذ تدابير مادية للمساءلة، فربما تكون هناك إرادة سياسية أكثر من أي وقت مضى لمنع توريد الأسلحة إلى تركيا. حيث تُعتَبر مناطق شمال وشرقي سوريا مجرد واحدة من المناطق التي اختار نظام أردوغان فيها تصعيداً غير شرعي.
والذي يتم تنفيذه من خلال الأسلحة والمساعدات الأميركية. فقد تؤدي النتائج الملموسة إلى الضغط على تركيا لدعم نهاية الصفقة، ويضمن عدم توجه الموارد الأميركية نحو هجمات مدمّرة للمدنيين ومزعزعة للاستقرار.
يجب على صانعي السياسة الأميركيين ألا ينتظروا مقتل المزيد من الأبرياء لمحاسبة تركيا، فقد يمنع اتخاذ أي إجراء الآن تركيا من التخلّي عن وقف إطلاق النار تماماً ومحاولة ضم واحتلال المزيد من الأراضي، وهي خطوة سيكون لها عواقب إنسانية وأمنية أكثر تدميراً.