إدلب – نورث برس
تصدر موضوع المصالحة التي دعت إليها أنقرة في آب/ أغسطس الماضي، بين الحكومة السورية والمعارضة والمساعي الروسية للتقارب بين أنقرة ودمشق، المشهد السياسي في مناطق المعارضة، لتتوج قبل أيام باجتماع ثلاثي بين الأطراف الثلاثة قبل نهاية 2022.
فيما لم تفضِ ما شهدته الساحة العسكرية في منطقة خفض التصعيد الذي اتسم بأنه كان متذبذباً نوعاً ما خلال العام إلى أي تغير في خارطة التوزع العسكرية، في حين بلغت الأزمات المعيشية أشدها نهاية العام.
الحدث الأبرز في المشهد السياسي
وتوجت مساعي أنقرة بشأن التطبيع مع دمشق باجتماع ثلاثي جمع وزير خارجيتها مع نظيريه الروسي والسوري ورؤساء المخابرات للأطراف الثلاثة في موسكو في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ ديسمبر الجاري.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تصريح للصحفيين قبل مغادرته موسكو إنه “اتفق مع نظيره السوري على استمرار الاجتماعات الثلاثية”.
وتأتي هذه التطورات التي يمكن أن تعمل على قلب الأدوار في المشهد السياسي بسوريا على المدى القريب، مع تعطل العملية السياسية التي لم تشهد أي تطور منذ إعلان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن منتصف تموز/ يوليو الماضي أنه “لم يعد ممكناً عقد الجولة التاسعة” من اجتماعات اللجنة الدستورية.
وأُلغيت الدورة التاسعة بسبب رفض وفد الحكومة المشاركة، ما لم تُلبّي الأمم المتحدة مطالب موسكو بنقل الاجتماعات من جنيف السويسرية إلى إحدى المدن التي اقترحها الروس خارج أوروبا.
ونهاية تموز/ يوليو، أعلن وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، وذلك خلال تصريح متلفز أن “بلاده ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للحكومة السورية فيما يتعلق بإخراج الإرهابيين”، ليعقب هذا الإعلان تصريح جديد له حول محادثات معها.
وفي الحادي عشر من آب / أغسطس كشف أوغلو أنه “أجرى محادثة قصيرة” مع وزير خارجية الحكومة السورية فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالعاصمة الصربية بلغراد.
وجوبهت تلك التصريحات بردود فعل غاضبة في مدن وبلدات خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا في ريف حلب وإدلب، حيث خرج العشرات من سكان مدينتي عفرين والباب، بمظاهرات رفعوا خلالها لافتات تندد بتصريحات الوزير التركي حول دعم تركيا للحكومة السورية”.
كما احتج العشرات من سكان في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، رفضاً لتصريحات وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو.
إلى ذلك تحدثت تقارير صحفية أعدتها نورث برس، عن أن تركيا رغم الإعلان عن مساعيها فيما يخص المصالحة ودعم الحكومة السورية، إلا أنها لن تتخلى بشكل نهائي عن الائتلاف السوري ومؤسساته الموجودة على أراضيها.
و كان من اللافت أيضاً في المشهد السياسي بمناطق المعارضة ظهور زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، باللباس المدني في مناطق سيطرته في إدلب شمال غربي سوريا، وفي مناسبات مختلفة.
ويرى محللون وسياسيون، أن تسويق “الجولاني”، لنفسه على أنه شخص معتدل، يسعى من خلاله لإظهار نفسه على أنه شخصية مدنية تستطيع حكم المنطقة، ويكون له دور في الحكومة السورية.
التطورات العسكرية
في العاشر من تشرين الأول / أكتوبر الماضي، شغلت التوترات العسكرية التي شهدتها مناطق المعارضة بين فصائل في الجيش الوطني من جهة وبينها وبين هيئة تحرير الشام من جهة، وسائل الإعلام على مدى أكثر من أسبوع، لتنتهي بتدخل الضامن وعودة كل طرف لمناطق سيطرته.
وجاءت الاشتباكات بين الطرفين في أعقاب تدخل تحرير الشام في المنطقة مساندة لفصيل الحمزة المتهم بمقتل ناشط إعلامي في مدينة الباب وزوجته في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الفائت، بحسب مصدر خاص لنورث برس.
ولكن مصادر عسكرية تحدثت لنورث برس حينها أنه على الرغم من إعلانها الانسحاب بشكلٍ كامل من منطقة عفرين، إلا أن الهيئة أبقت بعض الأمنيين التابعين لها ضمن مدينة عفرين تحت غطاء من حركة ثائرون للتحرير والشرطة العسكرية في المدينة.
وتلا تلك الاشتباكات اجتماعات في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بين الجانب التركي وقيادات في الجيش الوطني، أفضت إلى عدة بنود تقدمها تشكيل مجلس عسكري تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.
في حين استبعدت مصادر معارضة، توافق فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا حيال مشروع تركي لتشكيل قيادة موحدة للفصائل في آخر جيوب المعارضة، شمال غربي سوريا
فيما اقتصر تنفيذ القرارات التركية حتى اللحظة بإعادة هيكلة الفيالق الثلاثة ضمن الجيش الوطني.
بينما التطورات التي شهدتها منطقة خفض التصعيد بين المعارضة والحكومة السورية اقتصرت على القصف المتبادل تخللتها غارات روسية لمعاقل المعارضة هناك.
وتصاعدت وتيرة تلك العمليات مطلع تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، حيث أسفر قصف للقوات الحكومية والروسية استهدف مخيمات النازحين عن مقتل سبعة أشخاص بينهم طفلين وامرأة وحرج 75 آخرين أيضاً كان معظمهم نساء وأطفال، وفقاً لمصادر عسكرية لنورث برس حينها.
إلى ذلك يرصد مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم بسوريا، عمليات القصف التي تطال مواقع لقوات الحكومة السورية، كما أنها تعلن بين الحين والآخر عن “عمليات استفزازية” وتقول أن هيئة تحرير الشام تعدها لاتهام الحكومة السورية بتنفيذها.
أقرأ المزيد:
- مركز المصالحة الروسي يسجل 10 عمليات قصف لـ “النصرة” بإدلب
- حميميم: النصرة تحضر لضرب مخيمات لاجئين في إدلب
- حميميم تسجل 3 حالات قصف نفذتها “النصرة” في إدلب
- مركز المصالحة الروسي: النصرة تخطط لتنفيذ هجمات ضد قاعدة حميميم
وضع اقتصادي متردي
لا تختلف الصورة في المشهد الاقتصادي كثيراً في مناطق المعارضة عنه في عموم الجغرافية السورية وفقاً للتقسيمات العسكرية اليوم، حيث يأتي الارتفاع المتسارع للدولار الأميركي في مقدمة أسباب الأزمات المعيشية هناك.
وتتحكم فصائل معارضة تتقدمها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والجيش الوطني الموالي لتركيا بمفاصل الحياة في شمال غربي سوريا، عبر المجالس المحلية التي طالتها اتهامات بالتشبيح لصالح “فصائل الوطني”.
وتتقدم أزمة الكهرباء والمحروقات قائمة الأزمات في مناطق فصائل المعارضة ، حيث شهدت مناطق المعارضة احتجاجات شعبية واسعة ضد رفع شركة الكهرباء للأسعار.
ومطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، شهدت مدن وبلدات شمال وشرق حلب، احتجاجات شعبية واسعة ضد تركيا ومواليها في ريف حلب، بسبب رفع سعر الكهرباء في تلك المناطق، وفساد المجالس المحلية.
أقرأ المزيد :
- احتجاج سكان في أعزاز شمال حلب على رفع سعر الكهرباء
- تجدد الاحتجاجات ضد شركة الكهرباء والمجلس المحلي شمالي حلب
- تواصل الاحتجاجات ضد الشركة التركية المحتكرة للكهرباء في مناطق شمال وشرق حلب
أيضاً بدأت أزمة المحروقات بمناطق إدلب في الظهور بعد إعلان “حكومة الإنقاذ” الجناح المدني للهيئة، أسماء الشركات الستة التي جرى قبول شروط ترخيصها لاستيراد المشتقات النفطية.
ونهاية تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت شركة “وتد” إيقاف عملها في إدلب، أعقبها الإعلان عن أسماء ست شركات جرى قبول طلبات ترخيصها، وهي كل من شركة العربية، و شركة السلام، وشركة الرحمة، وشركة طيبة، وشركة الاتحاد، وشركة العالمية.
وقالت مصادر مطلعة لنورث، إن الشركات الست المذكورة جميعها تابعة للهيئة، وإن ما قامت به الأخيرة من إيقاف عملها هو تغيير اسم فقط.
كما شهد قطاع التعليم “المتهالك”، إضراب للعاملين فيه كردة فعل على تدهور الواقع التعليمي في المنطقة وتدني أجورهم.
و مطلع العام الجاري شهدت مدينة إدلب العديد من الوقفات الاحتجاجية شارك فيها العشرات من المعلمين والمعلمات وشريحة واسعة من الطلبة والتلاميذ، للمطالبة بتحسين أجورهم وتحسين واقع التعليم فيها.
وتخللت الاحتجاجات إعلان أكثر من 100 مدرسة في إدلب، الإضراب الشامل عن الدوام المدرسي والتعليم إلى أن يتم تحقيق مطالب المعلمين، دون أن تبدي سلطات أمر الواقع هناك أي حلول لتبقى المشكلة قائمة إلى اليوم.