غرفة الأخبار ـ نورث برس
تُولي المملكة الأردنية في سياستها الخارجية؛ اهتماماً خاصاً لطبيعة تفاعلها مع الدولة الجارة سوريا، لما لهذه التفاعلات من انعكاسات مباشرة على الأمن الوطني لكِلا البلدين؛ ونظراً للأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد، وما آل إليه حال السوريين من تشريد ونزوح ولجوء، وتداخل قِوى خارجية في الملف السوري، كان لابدّ للأردن من حثّ الخُطى للدفع باتجاه حلٍّ سياسي؛ يُنهي الوضع القائم في سوريا.
وفي آخر تصريح له، قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الأحد الماضي، إن المملكة تواصل الدفع باتجاه حلّ سياسي للأزمة السورية.
وقال في اجتماع؛ ضمّ عدداً من الشخصيات السياسية، إن “الأردن يريد حلّاً يحفظ وحدة سوريا؛ أرضاً وشعباً، ويضمن العودة الطوعية والآمنة للاجئين”.
ونهاية الشهر الماضي، قال أيمن الصفدي، وزير خارجية الأردن، خلال حديث لصحيفة “ذا ناشيونال”، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، إن بلاده تحشد دعماً إقليمياً ودولياً لعملية سياسية تقودها دول عربية، لإيجاد حلّ ينهي الصراع في سوريا.
وذكر “الصفدي”، أن مبادرتهم ستستند إلى قراري الأمم المتحدة 2254 و2642، اللذان يضعان خارطة طريق لتسوية تفاوضية، فضلاً عن تصاريح مراقبة وتسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
ووصف هذه الخطوة بأنها تسريع لمشاريع “التعافي المُبكِّر”.
واعتبر “الصفدي”، أنه على الدول المشاركة في حلّ القضية السورية؛ اتّباع “نهج تدريجي” لإنهاء الصراع السوري.
وفي الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر، الماضي؛ بحث الوزير “الصفدي”، مع نظيره السوري فيصل المقداد؛ عدداً من القضايا، وفي مقدمتها عودة اللاجئين، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ77 في نيويورك.
وقالت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، في بيانٍ صحفي، إنه جرى خلال اللقاء “بحث الجهود المبذولة للتوصُّل لحلٍّ سياسي للأزمة السورية؛ يضمن وحدة سوريا وتماسكها، ويحفظ سيادتها، ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها، ويخلّصها من الإرهاب، ويُهيئ الظروف اللازمة للعودة الطوعية للاجئين”.
ويستضيف الأردن، على أراضيه منذ بداية الأزمة في جارته الشمالية عام 2011، نحو 1.3 مليون سوري؛ نحو 650 ألف منهم مسجّلين لدى الأمم المتحدة، في حين دخل الباقون قبل انطلاق الثورة في بلادهم بحكم النَسب والمصاهرة والمتاجرة.
وفي أكثر من مناسبة، طالب الأردن؛ بضرورة تقديم دعم للاجئين السوريين المتواجدين على أراضيه.
والأحد الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، تقديم مساعدات جديدة للاجئين السوريين في الأردن، بقيمة 22 مليون دولار أميركي.
وقالت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في بيانٍ صحفي، إن التمويل الجديد سيُمكِّن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة؛ من تقديم قسائم غذائية، ومعونات نقدية شهرية لنحو 465 ألف لاجئ، ما يحول دون حدوث فجوة في المساعدات على المدى القصير.
حياد ثم دعم
وحرص الأردن، منذ بداية الأحداث في سوريا، على الالتزام بموقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع جارته الشمالية.
رغم أن الأردن؛ كانت داعماً مهمّاً ومحورياً للمعارضة المسلحة ضدّ الأسد في سوريا، منذ عام 2012، وانقلبت في عامي 2017 و2018، وأصبحت في مقدمة داعمي حملة الحكومة السورية المدعومة من روسيا؛ ضدّ الجنوب السوري في صيف عام 2018.
وكان سبب الانقلاب الأردني على المعارضة السورية، هو رغبتها في إعادة الاستقرار على طول حدودها الشمالية وتهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين وتخليص جنوب سوريا؛ من خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فضلاً عن الوجود الكبير لإيران وحزب الله في المنطقة.
وعام 2021، شهدت العلاقات بين البلدين تطبيعاً ملحوظاً، إذ جرى عقد العديد من اللقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين.
وأسفرت تلك اللقاءات عن قيام الرئيس السوري بشار الأسد، بإجراء اتصال هاتفي مع ملك الأردن في تشرين الأول/ أكتوبر، من العام ذاته، كان الأول من نوعه منذ اندلاع الأحداث السورية عام 2011.
وتتالت اللقاءات والتفاهمات بين الطرفين بعد الاتصال، على كافة الصعد ورغم التقارب رصدت السلطات الأردنية تصاعداً كبيراً في عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن خلال العقد الماضي، تركّزت معظمها في عام 2022.
تهريب المخدِّرات
وتغيرت طبيعة أنشطة التهريب بشكل جذري على طول الحدود الأردنية السورية التي تمتد لمسافة 375كم، سواء من خلال المعابر الحدودية التابعة لمحافظة إربد؛ في الشمال وهي مركز حدود الرمثا، ويقابله مركز حدود درعا على الجانب السوري، أو من مركز حدود جابر الذي يقابله مركز حدود نصيب على الجانب السوري.
وكان التهريب في التسعينات قاصراً على تهريب المواشي والدخان والأسلحة، ثم أصبح اليوم يركّز على تهريب المخدرات بأنواعها (الحشيش، حبوب الكبتاغون، الكريستال وغيرها).
وعليه كان لا بدّ للأردن؛ من تأمين حدوده وملاحقة عمليات التهريب وإحباطها، وأشار الملك عبدالله الثاني إلى دور قوات الجيش الأردني في التصدي لتهريب المخدرات والذي يأتي أغلبها عبر الحدود السورية، عن طريق أشخاص تتهمهم الأردن بأنهم فصائل موالية لإيران، وحزب الله، تنشط على حدودها مع سوريا.
وأشار “الصفدي”، نهاية الشهر الماضي، إلى أنه التقى حسين أمير عبد اللهيان؛ وزير الخارجية الإيرانية، وناقش معه دور الفصائل الإيرانية في ذلك، وأن هذه القضية ما تزال “تحدٍّ كبير” بالنسبة لهم.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى الاستقرار في الجنوب، وخطر تهريب المخدّرات يشكل تهديداً كبيراً”.
خطر إيران
وفي نيسان/ أبريل، الماضي، حذّر العاهل الأردني، من أن تملأ إيران ووكلاؤها الفراغ الذي خلّفه انسحاب قوات روسية، من جنوبي سوريا بسبب انشغالها في الحرب على أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى مشاكل على طول الحدود الأردنية.
وبحسب مسؤولين أردنيين، فقد تمّ ضبط 16 مليون حبة كبتاغون على الأراضي الأردنية قادمة من سوريا، عام 2021، و في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، بلغ هذا الرقم 20 مليون حبة، أما اليوم فقد وصل هذا العدد إلى 33 مليون، كما أصاب التضخّم أنواعاً أخرى من المخدِّرات القادمة من سوريا؛ والتي ضُبِطت في الأردن؛ من كيلوغرام واحد من الهيروين عام 2021 إلى 36 كيلوغراماً في عام 2022؛ على سبيل المثال لا الحصر.
وفي الوقت ذاته زاد النشاط التجاري بين الدولتين الجارتين، وأعلن عرفان الخصاونة المدير العام للمنطقة الحرة السورية الأردنية، في آب/ أغسطس الماضي، عن أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال النصف الأول من العام الحالي 85 ألف طن من البضائع بقيمة 150 مليون دولاراً أميركياً.
وفي الثاني من كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت دمشق وعمان عن إعادة افتتاح المنطقة الحرة السورية – الأردنية المشتركة بعد ست سنوات من التعطيل.
وعادت علاقات الأردن وسوريا إلى أحسن أحوالها، نظرًا إلى التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما يؤكد أن الأمور تسير على ما يرام على المستوى السياسي. ولكن تبقى مشكلة الأردن الأساسية مع دمشق ملف اللاجئين وملف التهريب وضعف التنسيق الأمني على الحدود، والتواجد الإيراني في الجنوب السوري.