صحفيون من حلب: سياسية كم الأفواه التي تمارسها الحكومة آتت أُكلها

حلب- نورث برس

لا يجرؤ مصطفى حسين (33 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفي يعمل في إذاعة محلية بمدينة حلب، أن يعد تقريراً أو خبراً أو حتى ينشر منشوراً على صفحته في “الفيس بوك” عن الأوضاع المعيشية السيئة في بلاده أو انتقاد سوء إدارته والفشل الحكومي و”الفاسدين”.

فالصحفي الذي فضل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، يخشى أن يعاد سيناريو توقيفه من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية بعد أن كتب منشوراً تحدث فيه عن الضرائب التي تفرضها الحكومة وعن سوء إدارتها للملف الاقتصادي ببداية العام 2018.

ورغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على حادثة اعتقاله، لم ينسَ “حسين” الذي يعمل في المجال الإعلامي منذ عام 2013، الأشهر الأربعة التي قضاها متنقلاً ما بين فرع الأمن الجنائي في حلب والسجن المركزي ومحكمة الإرهاب في دمشق.

كانت التهمة الموجهة للصحفي حينها نشر أخبار مضللة والتعاون مع جهات خارجية ،واستندت التهمة وفقاً لما يرويه “حسين” لنورث برس إلى تقرير “كيدي” من قبل صحفي يعمل كمخبر للأمن وإلى منشورات سابقة له هاجم فيها أداء بعض الشخصيات الحكومية وانتقد الفساد في البلاد.

ويقول صحفيون عاملون في مدينة حلب إنهم يخشون انتقاد الحكومة وفشلها في إدارة الأزمات التي تشهدها البلاد أو حتى “فضح” الفساد في مؤسساتها ليس عن طريق تقارير إعلامية فحسب، بل حتى التطرق لها عبر حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.

قانون اعتقال الأصوات

وسجّلت سوريا خلال السنوات العشر الماضية تراجعاً هائلاً في حرية الصحافة، وصُنفت باعتبارها أحد أسوأ اﻷماكن للعمل الصحفي، إذ نالت البلاد المرتبة ما قبل اﻷخيرة من أصل 194 دولة يقيّمها سنوياً مؤشر حرية الصحافة العالمي وفق معايير دقيقة.

بالإضافة لذلك، ليس في البلاد صحيفة معارضة أو مستقلّة منذ ستين عاماً، حتى أنّ صحافة ما تعرف بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” كانت تطبع في دار “البعث” حتى وقت قريب.

ويكاد لا يوجد صحفي سوري لم يتعرض لاستدعاء من فرع أمني أو جهة لا علاقة لها باﻹعلام، ويصح اﻷمر على كل السلطات التي تدير البلاد من أقصاها إلى أقصاها.

وفي آذار/ مارس من العام الماضي، نشرت نورث برس تحقيقاً بعنوان، “الصحفيون في ظل حكومة دمشق: عينٌ على الكيبورد وأخرى على الباب”، تطرق فيه إلى عمل الصحفيين في مناطق الحكومة والتُهم التي يتم توجيهها للإعلامين وتضييق الخناق على عملهم.

يقول “حسين” والذي يعمل في مجال الإعلام منذ عدة أعوام، “كنت مخطئاً حين اعتقدت أن الصحفي في مناطق الحكومة يتمتع بحصانة تمنع عنه الاعتقال التعسفي، كما أخطأت عندما أمنت بأن الاعلام له دور مساعد في الكشف عن الأخطاء والفاسدين”.

ويضيف بنبرة لا تخلو من السخرية، “اليوم عندما أكتب منشوراً أو أعد تقريراً أدعمه  بكلام معسول لا يغضب الأمن ولا يمس مقدساته”.

وفي آذار/ مارس من عام 2018، أعلنت وزارة العدل في الحكومة السورية عن تفاصيل قانون يعاقب على الجريمة المعلوماتية.

وأحدثت في سبيل ذلك محاكم خاصة، وعيّنت قضاة للنظر بتلك الجرائم، بعد توقيف مرتكبيها لدى فرع الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية.

ويرى معارضون للحكومة السورية أن قانونمكافحة الجريمة المعلوماتيةليس إلا وسيلة لاعتقال الأصوات المنتقدة والمعارضة لها على وسائل التواصل الاجتماعي.

تهديدات

وقبل أيام، نشر كنان وقاف وهو صحفي في جريدة الوحدة المحلية (مقرها اللاذقية) مقطع فيديو مصوراً يتحدث فيه وصيته للاعتناء بعائلته في حال حدث له أي مكروه بعد تلقيه تهديدات من قبل الأجهزة الأمنية.

وكان “وقاف” كتب على صفحته في “الفيس بوك” قبل نشره للفيديو، انتقادات طالت الرئيس السوري بشار الأسد لاستقباله الممثل وائل رمضان وزوجته سلاف فواخرجي في وقت تشهد فيه البلاد أزمات عديدة.

وسجّل تقرير الانتهاكات بحق اﻹعلام في سوريا الذي يصدره “المركز السوري للحريات الصحفية” ومقره برلين، محاولة اغتيال واحدة وخمس حالات اعتقال واحتجاز بحق إعلاميين سوريين، فقط في شهر كانون الثاني/يناير العام الماضي، على امتداد الجغرافيا السورية.

 وأواخر العام الماضي، تلقى يامن عمران( 38 عاماً) وهو  اسم مستعار لصحفي يعمل في وكالة محلية في حلب “تهديداً مبطناً” بعد نشره عدة منشورات على صفحته في “الفيس بوك” انتقد فيها مشروع المواقف المأجورة والشركة التي حصلت على استثمار مواقف السيارات.

يقول “عمران” إنه تلقى اتصالاً هاتفياً وتم تحذيره بعدم نشر شيء عن الشركة تحت نبرة التهديد.

يضيف الصحفي الذي فضل هو الآخر عدم نشر اسمه خشية تعرضه للأذى أو الاعتقال،  كلنا متهمون حتى نثبت العكس بنظر الأجهزة الأمنية الحكومية، فكل صحفي وحتى ولم تكن له أي انتقادات للحكومة ليس ببعيد عن أعين الأمن”.

ويزيد على ذلك، “الصحفيمراقب في تحركاته وتقاريره الإعلامية وما ينشر على مواقع التواصل وهو معرض للاستجواب في أي لحظة”.

خطوط حمر

ويعمل الصحفيون تبعاً لقانون العاملين اﻷساسي الموحّد في الدولة الذي طبّق منذ العام 2000 تقريباً، وينالون فوق ذلك تعويضات (تسمى بدل استكتاب) عن المواد المنجزة فوق حجم العمل المطلوب

ويواجه الصحفيون العاملون في مناطق الحكومة صعوبة في اختيار المواد الممكنة للعمل في المؤسسات اﻹعلامية وخاصة أن هناك عشرات “الخطوط الحمر” التي يجب الابتعاد عنها وعدم التطرق إليها من بينها الفساد.

لكن زياد العسلي(42 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفي يعمل في جريدة محلية في حلب يقول إنه حتى مشاكل نقص الخبز وفقدان الغاز وشح المحروقات من بنزين ومازوت ورداءة الخدمات وغيرها “بإمكان الأمن الحكومي أن يجعلها تهمة تصل لمُعاداة الدولة”.

ويشير إلى أن معظم الإعلاميين في حلب “لا يتجاوزن الخطوط المرسومة ويلتزمون بالسقف المحدد لهم عندما يبدون آراءهم عن الواقع القاتم الذي يعيشه السكان”.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة السورية عن اعتقال160 شخصاً، بتهمة ارتكاب “جرائم إلكترونية”.

وتنص المادة 22 من قانون “مكافحة الجريمة المعلوماتية” على أنه يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من مليونين إلى 4 ملايين ليرة، كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات، بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها “النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية أو إثارة الرأي العام”.

ورغم إيمانه بأن الإعلاميين هم الشريحة الأكثر دراية بمشاكل المجتمع ومعاناته ومتطلباته ويدركون حجم “الإهمال والفساد الحكومي

واللصوص الكبار ومن يقف خلفهم “ولكن لا نستطيع الكلام والحديث بحرية وانتقادهم لأنه ستكتم أفواهنا ونساق إلى الفروع الأمنية”، بحسب قول “العسلي”.

إعداد: رامي صباغ – تحرير: سوزدار محمد