نور وليلاف.. طفلتان تنقلان غالونات المياه الثقيلة إلى منزلهما في الحسكة
الحسكة (نورث برس) – لم تكتمل فرحة الطفلتين ليلاف ونور خليل (/10/ أعوام-/12/ عاماً) بعد أن نجحتا بملء غالونين من خزان المياه الموجود في حيّهما بمدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، فصعوبة نقل المياه الثقيلة كان كفيلاً بمحو الابتسامة التي كانت تعلو وجهيهما لحظة امتلاء الغالونين.
ونور وليلاف هما طفلتان من مئات الأطفال الذين يعملون على مساعدة أسرهم في مدينة الحسكة في نقل المياه إلى منازلهم من الآبار أو الخزانات التي وضعتها المنظمات الإغاثية في أحياء المدينة كحالة إسعافية ليتمكن السكان من تلبية احتياجات منازلهم من المياه الصالحة للشرب وسط قطع تركيا للمياه عن المنطقة.
ويعاني نحو مليون شخص حالياً من شحٍّ شديدٍ في المياه بمدينة الحسكة وأريافها، نتيجة قطع القوات التركية منذ ثلاثة أسابيع للمياه من محطة علّوك بريف مدينة سري كانيه، بالتزامن مع تفشي جائحة كورونا.
“الغالونات ثقيلة”
وفي أيام الصيف الأشد قيظاً، بقيت الطفلتان لأكثر من ساعتين بانتظار دورهما وامتلاء المياه، في غياب الوالد الذي يضطر للذهاب إلى عمله لتأمين احتياجات عائلته والوالدة التي منعها المرض من الوقوف بانتظار امتلاء الغالونات.
وتقول “نور” التي تقطن في حي الصالحية: “أمي تعاني من مرض الدوالي ولا تستطيع حمل أوزان ثقيلة، لذا نقوم أنا وشقيقتي الصغرى بنقل المياه”.
وتنهمك الأختان الصغيرتان في ترتيب الغالونين في عربة للأطفال حديثي الولادة، ثم تتولّى كبراهما “نور” تحريك العربة دفعاً وجرّاً لإيصالها إلى المنزل، وتضيف بخجل: “بالفعل هذه الغالونات ثقيلة”.
في هذه اللحظات، تُسرع “ليلاف” الصُغرى لحجز دورٍ آخر أمام الصنبور لحين عودة أختها، فكمية /40/ ليتراً التي حصلتا عليها لا تكفي العائلة المؤلَّفة من ثمانية أفراد واحتياجاتهم من المياه للشرب والطبخ وغيرها من احتياجات المنزل.
تقول “ليلاف” المُبتَسمة: “مهمتي الوقوف لحجز الدور إلى حين عودة أختي بعد إفراغ غالونات المياه في خزان المنزل”.
وحتى مع تأجيل العام الدراسي لمطلع شهر أيلول/سبتمبر القادم وفق تعميم صادر عن هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية بسبب تفشي فايروس كورونا، لا يعلم أحد إلى متى ستستمر معاناة الطفلتين.
وباتت كيفية تأمين المياه الحديث الأبرز لسكان مدينة الحسكة وأريافها، في ظل صعوبة تأمين صهريج يصل لباب المنزل وسط الأزمة الحادة للمياه في المدينة.
“مجبرون”
على بعد شارع واحد من مكان الخزان، كانت الأم وحيدة خليل (36 عاماً) في انتظار طفلتيها أمام باب المنزل.
وتشير “خليل” إلى أن الحياة باتت صعبة في ظل انقطاع المياه من الخطوط الرئيسية، فأطفالها باتوا يشكون من التعب وأوجاع في الظهر جراء نقلهم اليومي للمياه من الخزان الموجود في الحي.
“طفلتاي ليستا بعمر حمل هذه الأثقال، لكن ماذا نفعل؟ نحن مجبرون”.
وتتحدث الأم عن صعوبة تأمين المياه: “ننتظر الصهاريج بفارغ الصبر لملء الخزان الموجود في الحي، وحين تأتي نهرع لتعبئة الغالونات، إذا تأخرنا ساعة أو ساعتين فلن نحصل على المياه، لأن أصحاب المنازل القريبة من الخزان يقومون بتركيب الخراطيم لإفراغه مباشرة في خزانات منازلهم، كما أن أصحاب السيارات يأتون من أحياء أخرى لملء غالوناتهم”.
ولدى الأم خمسة أطفال، لتصبح الأسرة مع الوالدين والجدة ثمانية أشخاص يعيلهم زوجها الذي يعمل في محل لبيع الأدوات المنزلية المستعملة، ونتيجة “ضيق الحال”، لا تملك الأسرة إمكانات ملء خزان المنزل (سعته خمسة براميل) كل يومين أو ثلاثة، فيضطرون للاعتماد على الخزان الموجود في الحي لاستخدامه لكافة الاستعمالات المنزلية.
تقول الوالدة: “أنا مريضة ولا يمكنني نقل المياه، كما أنه لا يمكننا شراء المياه حيث تباع خمسة براميل للخزان الوحد بخمسة آلاف ليرة سورية، فنحن ثمانية أشخاص ويعيلنا شخص واحد فقط”.
وتضيف: “قمنا بشراء عربة أطفال صغيرة بثلاثة آلاف ليرة من محل لبيع المواد المستعملة من أجل استخدامها في نقل غالونات المياه”.
“نتسول المياه”
أما وطفة محمد (80 عاماً)، وهي جدة الطفلتين، فتتأسف لما آل إليه الحال جراء قطع تركيا للمياه وغلاء أسعار شرائها من الصهاريج، “وصلت إلى هذا العمر ولم أرَ بحياتي أن المياه تباع، رأينا العجائب في هذا الزمن”.
وبعد الانتهاء من إفراغ مياه الغالونات في خزانٍ صغيرٍ ضمن بهو منزلهم، استعدَّت نور للعودة مجدداً لملء المياه من خزان الحي، في حين تقول والدتها إنها تقتصد في استهلاك المياه لأن تأمينها بات من أصعب الأمور التي تعمل لأجلها العائلة.
وتتأسف الأم على ما آلت إليه أحوال السكان وسط صعوبة الحصول على ما يروي عطشهم “وا حسرتي على أرضنا الخيّرة (..) بتنا اليوم نشحد المياه”.