من دمشق إلى دهوك…رحلة لم تنتهِ للاجئتين مصابتين بالسرطان
ابرهيم الإبراهيمي
عندما غادرت سيارة الإسعاف مستوصف مخيم "بردرش" للاجئين في إقليم كردستان العراق، /35/ كيلومتراً شمال مدينة الموصل، نحو مشفى "آزادي" في مدينة دهوك، كان في داخلها عدد من المرضى بالإضافة إلى مريضتي سرطان تنحدران من المناطق الحدودية شمال شرقي سوريا.
تجلس المريضتان بجوار بعضهما في كرسي مزدوج داخل سيارة الإسعاف، تتهامسان حول جولات العلاج السابقة في دمشق، وكيف أجبرتهن ظروف الحرب على اللجوء، يسألهما آخرون عن حالهما متحاشين ذكر اسم مرضهما "السرطان" ومواربين بتعابير كردية من قبيل "Êşa pîs/ المرض السيء".
وتنحدر اللاجئة منيرة محمد عيسى (40 عاماً), من مدينة سري كانيه الحدودية التي تعرضت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لعملية عسكرية للجيش التركي والفصائل التابعة له، حيث ترعرعت هناك، وتزوجت من أحد أقربائها في العام 2006، فأنجبت أربعة أطفال، ولدان وابنتان.
وكان أكثر من /300/ ألف من سكان منطقتي رأس العين وتل أبيض، قد نزحوا بعد هجوم الجيش التركي على مناطق شمال سوريا في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وتوجه ما يقارب/17/ ألف شخص من المناطق الحدودية التي شهدت هجمات من الجانب التركي إلى إقليم كردستان العراق، وعبروا الحدود بواسطة مهربين، وسكن أغلبهم في مخيم "برده رش" للاجئين، ومن بينهم المريضتان سميرة ومنيرة مع أطفالهما.
وقالت المفوضية السامية لشؤن اللاجئين إنّ "التقارير أفادت أنّ مجموعات السفر قد دفعت في المتوسط /3,140/ دولاراً أمريكياً لكل مجموعةٍ حتى عبرت الحدود إلى إقليم كردستان العراق".
نسيت أن أحمل دوائي
واكتشفت منيرة مرضها منذ عامين، عندما أخبرها الأطباء في دمشق بوجود (أكياس مائية سرطانية فوق الدماغ).
وكانت منيرة قبل نزوحها تتناول مسكنات وأدوية أخرى بعد أن تبين وجود أربعة أكياس مائية على شبكية الدماغ، ويبلغ قطر كل كيس/ 5/ مل، بحسب ما أخبرتنا.
وبحسب آخر تشخيص طبي لحالة منيرة في منتصف تموز/ يونيو 2019، وما يتبين في الوصفات وصور الأشعة التي جلبتها معها من دمشق، ازداد عدد الأكياس إلى خمسة.
تقول، وهي تتمسك بأطراف الكرسي تحسباً لحركة مفاجئة لسيارة الإسعاف في الطريق، "أثناء القصف نسيت أن أحمل دوائي".
وتأثرت شبكية العين اليمنى لمنيرة بالمرض، فضعف نظرها إلى حد عدم القدرة على رؤية الأشياء عدا الضوء, كما تأثّر نمو طرفها اليمين وتقلص بمقدار خمسة سنتمترات.
وأضافت منيرة، التي باتت تدخن رغم مرضها، "أشعر بوجع هائل في القسم الأيمن من رأسي، ويتمدد الوجع نحو القسم الأيسر أيضاً".
وكان الأطباء قد أوصوها بعدم إجراء أي عملية لاستئصال أكياس الماء بسبب نسبة الخطورة البالغة على حياتها، لكنهم نصحوها بإجراء عملية "فصل شبكية العينين"، وذلك كي لا تتأثر العين اليسرى أيضاً.
"لكن ظروفي وإمكاناتي لا تسمح لي بإجراء تلك العملية أيضاً".
وتواجه المريضة ككثير من اللاجئين الإهمال من المنظمات الإنسانية والطبية، "لقد شرحت حالتي لعشرات المنظمات الإنسانية والطبية في المخيم، لكن أياً منها لم توفر لي حبّة دواء حتى".
وتحتل سوريا المركز الخامس بين الدول الأسيوية في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وفق تقرير صدر في أيلول /سبتمبر 2018 عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان.
ويواجه مرضى السرطان في شمال سوريا قلّة العلاج والمراكز المتخصصة, فيتوجه المرضى صوب دمشق ويتوجه الأغلبية في السنين الأخيرة صوب إقليم كردستان العراق, وذلك لسهولة العبور من معبر سيمالكا الحدودي ما بين شمال سوريا والإقليم, حيث استثنت الإدارة الذاتية الحالات الإنسانية الطارئة كمرضى السرطان للعبور حتى في فترات إغلاق العبور بين الجانبين.
لجوء ومرض وشتاء عاصف
وكانت المريضة الثانية سميرة علي خليل ( 42عاماً)، وهي أم لخمسة أطفال، تسكن قبل لجوئها في قرية "ديرنا آغي" التابعة لمدينة جل آغا/ الجوادية بأقصى شمال شرقي سوريا.
وكانت سميرة قد اكتشفت مرضها في بداية كانون الأول/ سبتمبر 2015 بعد إجراء فحوصات طبية في دمشق، قرر الأطباء بعدها استئصال ثديها بسبب ظهور أورام خبيثة.
وتعالجت طوال أربعة أعوام في مشافي دمشق بجلسات الأشعة والأدوية الكيماوية، وكانت آخر معاينة طبية لها في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
لكن ظروف اللجوء الحالية زادت من معاناتها، فلا دواء متوفر في المخيمات، ولا علاج خاص (جرعات كيماوية أو جلسات أشعة) إلا في مشافي المدن.
تقول سميرة، التي تذهب أول كل شهر بسيارة الإسعاف من المخيم الى مشفى "آزادي" في دهوك: "أنا أتحمل تكاليف علاجي في المشفى، إذا ما استمر الحال هكذا، فلن أستطيع تحمل مصاريف العلاج بعد، لا سيما أننا نعيش الآن دون عمل ولا معيل".
وتضيف المريضة، داخل سيارة الإسعاف التي تترنح مع عبور الطريق: "تكلفني صور الأشعة والتحاليل الطبية كل شهر / 55/ ألف دينار عراقي (ما يعادل 45 دولار تقريبا) هذا عدا الدواء".
وعندما تعرّض مخيم "برده رش"، لعواصف مطرية شديدة في شهر شباط/فبراير من العام 2020، ولصعوبة الوضع في المخيم أثناء العواصف، تدهورت حالة سميرة الصحية، بحسب آخر الفحوصات الطبية التي أجرتها.
تقول وهي تتأسف على ما تعانيه من ظروف صعبة في المخيم: "أظن أن خشيتي على أطفالي من العواصف المطرية سرّع من وتيرة المرض في جسدي".
كورونا ودعوة لتكثيف الجهود
وفي ظل انتشار جائحة كورونا وسط معظم دول ومجتمعات العالم، يعتبر أصحاب الحالات المرضية المزمنة ومن ضمنهم مرضى السرطان، هم الأكثر عرضة لمضاعفات المرض إذا أصيبوا بالفيروس، وذلك بسبب ضعف الجهاز المناعي لديهم، وفقاً لتقارير طبية.
ويعدّ مرض السرطان أحد أكبر التحديات التي تواجه منظومات الرعاية الصحية في العالم، وذلك لانتشاره الواسع وتكاليف علاجه المرتفعة جداً، وخاصة بالنسبة للمرضى الذين ينحدرون من الدول التي تعاني من الصراع والأزمات.
ودعت منظمة الصحة العالمية في الرابع من شباط/ فبراير 2020 اليوم العالمي لمكافحة السرطان، لتكثيف خدمات مكافحة السرطان، وذكرت المنظمة في دعوتها بأنً "مرض السرطان يحصد عالميًا أرواح /9,6/ مليون شخص في كل سنة".
وناشدت المنظمة الحكومات "أن تضع سياسات وتهيئ بيئات صحية تتيح الحصول على الخدمات الصحية الجيدة للجميع دون معاناة مالية".
لا تزال سيارة الإسعاف تسير بمرضاها نحو مدينة دهوك، وفزع كورونا يملأ العالم، في حين لا تزال المريضتان "منيرة وسميرة" لا تعلمان إلى أين تأخذهما رحلة اللجوء والمرض بعد ما حل ببلدهما.