يقطع عشرات الكيلومترات.. شح المياه في الحسكة يزيد من متاعب حياة نازح من سري كانيه

الحسكة – دلسوز يوسف/هوشنك حسن – نورث برس

بثياب متسخة وجسدٍ منهك، يصل محمود شيخو (48 عاماً) إلى منزله بمدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، في رحلة يومية بعد قضاء ساعات شاقة من العمل في محل لصيانة كهرباء السيارات بريف سري كانيه شمال الحسكة.

ومنذ أن قطعت القوات التركية المياه عن الحسكة، قبل أكثر من أسبوعين اضطر “شيخو” أن يجلب معه غالوناً لمياه الشرب لتأمين حاجة أسرته.

“المياه غير متوفرة منذ /20/ يوماً. يمكننا تحمّل جميع الصعوبات إلا العطش، نحن أمام كارثة إنسانية”.

وينحدر محمود شيخو من مدينة سري كانيه التي نزح منها إلى الحسكة مع بدء هجمات الجيش التركي والفصائل المسلّحة التابعة له على مدينته في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.

ويعمل “شيخو” في محلٍّ لصيانة كهرباء السيارات في قرية الكسرة الواقعة بالقرب من بلدة أبو راسين التابعة لمدينة سري كانيه، ما يدفعه يومياً لقطع نحو /170/ كم ذهاباً وإياباً بهدف تأمين لقمة العيش لأسرته.

ويشتغل الرجل بهذه المهنة منذ /22/ عاماً، لذا يضطر يومياً لقطع مسافات طويلة إلى قرية الكسرة لأن معظم زبائنه من تلك المنطقة، ويصعب عليه إنشاء قاعدة زبائن جدد فيما لو فتح محلاً بالحسكة، ما يجبره على التنقل بين المدينتين يومياً.

ونظراً لصلاحية المياه الجوفية في منطقة أبو راسين للشرب، قام “شيخو” بشراء غالون مياه بسعة /50/ ليتراً ووضعه في صندوق سيارته، ويصطحبه معه يومياً لتأمين حاجة أسرته من المياه.

“أعود إلى المنزل في وقت متأخر من العمل لأنني أبحث عن بئر ماء صالح للشرب، لا يمكنني الوقوف لساعات بانتظار صهريج يملأ لي المياه أو قد يمتنع، لذا أملأ الغالون من أبو راسين بمياه صالحة للشرب وإعداد الطعام”.

وتسبّب قطع تركيا للمياه عن محطة علّوك بريف مدينة سري كانيه، والتي تغذي مدينة الحسكة وأريافها، بحرمان نحو مليون شخص من المياه.

ويضيف “شيخو” أنه لو تفرَّغ لتأمين المياه في الحسكة، سيضطر إلى ترك عمله ومصدر كسبه الذي لا يملك غيره، حسب قوله.

ويعتمد سكان مدينة الحسكة بشكل كامل على الصهاريج لتأمين حاجتهم من المياه الصالحة للشرب، خصوصاً أن المياه الجوفية في المدينة مالحة وغير صالحة للشرب.

ويشتكي السكان من تعامل أصحاب الصهاريج وعدم استجابتهم لهم إضافةً إلى بيع المياه بأسعار تصل إلى سبعة آلاف ليرة سورية للخزان الواحد من المياه (ذي سعة خمسة براميل).

ويملك جيران “شيخو” في الحي بئر مياه فيملؤون خزاناً له لاستخدامات الغسيل والتنظيف، لكنها غير صالحة للشرب.

ويخشى الرجلكما أقرانه في الحي من تفشّي فيروس كورونا الذي بات يهدد حياة سكان المدينة، بعد أن سجَّلت المدينة /91/ إصابة بينهم /11/ حالة وفاة حتى الآن، وفق تصريحٍ لمديرية الصحة بمدينة الحسكة لـ”نورث برس”.

وقال شيخو: “بات مرض كورونا منتشراً في المدينة، والأطباء ينصحون بأن الوقاية الأفضل هي التعقيم والتنظيف، لكن كيف سنحمي أنفسنا وعائلاتنا دون مياه؟”

وأشار إلى أنهم في حالة استنفار في ظل عدم توفّر المياه ولا يستخدمون المياه إلا للضرورة القصوى.

ويضيف، وهو يقوم بنقل المياه من الغالون داخل صندوق السيارة إلى خزانٍ مخصصٍ لمياه الشرب في منزله، “في اليوم الذي لا أذهب فيه إلى العمل، نقتصد في صرف المياه، كما أنبِّه أسرتي إلى استخدامها بعناية فائقة، بتنا نتحسّر على المياه”.

وتدفع صعوبة الحصول على المياه سكانَ الحسكة إلى الحفاظ على المياه من الهدر قدر استطاعتهم، حيث يستشهد “شيخو” بحادثة جرت معه قبل مدة، “كنت مع صديق لي في أحد المطاعم بمدينة القامشلي، وحين أردت غسل يديّ فتحت الصنبور ببطء، فاستغرب صديقي من تصرفي فأجبته بأننا تعوّدنا على الاقتصاد في صرف المياه”.

وعمَدَ معظم سكان مدينة الحسكة، خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى حفر الآبار للحصول على المياه ليتمكّنوا من القيام بأعمال التنظيف والغسيل، حيث تشهد شوارع المدينة أثناء توصيل التيار الكهربائي حشوداً من السكان أمام الآبار وهم يحملون عبواتٍ فارغة للحصول على المياه.

ويشير “شيخو” إلى أن بعض جيرانه تشاجروا قبل مدة على البئر الموجودة في الحي نتيجة الضغط الحاصل، “انقطاع المياه لفترة طويلة يعتبر كارثة كبيرة، ولم يعد باستطاعة السكان تحمّل المزيد”.

وعرَّضَ قطع المياه السكانَ، ولا سيّما الأطفال والمرضى، لوضع صحي حرج في ظل انتشار وباء كورونا، بحسب بيانات أصدرتها هيومن رايتس ووتش ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظمات دولية أخرى في أوقات سابقة.

ومع إفراغه لغالون المياه، بدأ “شيخو” يلهو مع أطفاله الذين لا يراهم إلا في ساعات المساء المتأخرة، قبل أن يتوجَّه للاستحمام بمياه البئر ويأخذ قسطاً من الراحة لعلها تنسيه بعض هموم الحياة اليومية.