خلال جلسة الكونغرس ذات الرقم /116/، والتي بدأت في كانون الثاني/يناير عام 2019، تم طرح المزيد من التشريعات التي تدين مختلف جوانب السياسة الخارجية والداخلية لتركيا، حيث قدَّم أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشاريع قوانين تنتقد تركيا بشدة وشاركوا في متابعتها أكثر من أي جلسة كونغرس أخرى في التاريخ الحديث، حيث انضمَّ القادة في اللجان البارزة إلى المشاورات.
وخلال الجولة الأولى من الجلسة، دفع شراء تركيا لمنظومة (S-400) الدفاعية الروسية حينها إلى طرح المزيد من الإجراءات التشريعية في عام 2019، بينها قانون تفويض الدفاع عن الأمن القومي الذي يخصص التمويل لجميع البرامج العسكرية الأمريكية، ومن ضمنها حظر بيع مقاتلات إف-16 إلى تركيا، خاصةً إذا علِمنا أن كل الطائرات المقاتلة التركية تقريباً، والتي تُستَخدَمُ لاستهداف المدنيين في مختلف أنحاء المنطقة هي مقاتلات أمريكية بالأصل. ولم يسبق للكونغرس من قبل قط أن منع بيع مثل هذه الأسلحة لتركيا.
إن قانون تفويض الدفاع عن الأمن القومي للسنة المالية 2021، والذي تم إقراره هذا العام، يتبنّى حظر بيع مقاتلات إف-16 لتركيا. وقد زعم تقرير حديث صادر عن وزارة الدفاع أن رئيس مجلس الشيوخ وكبار أعضاء لجنة العلاقات ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وهم الأعضاء الأربعة الذين يمكنهم توقيع مبيعات الأسلحة الخارجية، كانوا قد أعاقوا عملية بيع الأسلحة لتركيا.
كما أقرَّ الكونغرس مشروع قانون يطالب الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا لاستخدامها المنظومة الدفاعية (S-400). لم يتم تنفيذ العقوبات من قِبل السلطة التنفيذية، وهي خطوةٌ لاقت انتقادات شديدة من قبل قادة الكونغرس.
في أعقاب الهجمات التركية على سري كانيه وتل أبيض في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، قدَّم أعضاء الكونغرس الجمهوريون والديمقراطيون تشريعات تدين الغزو التركي وتدعو إلى معاقبته. وهذه هي المرة الأولى التي تشير فيها الولايات المتحدة صراحةً إلى العدوان التركي على سوريا وتعتبره سبباً لإدانة تركيا على هذا المستوى الرفيع.
دعا مشروع قانونٍ قدَّمه السيناتور راند بول، وهو جمهوريٌ عن ولاية كنتاكي، إلى فرض حظر كامل على مبيعات الأسلحة لتركيا.
وكذلك نصَّ مشروع قانون آخر لمجلس الشيوخ، قدَّمه إد ماركي، الديموقراطي عن ولاية ماساتشوستس، على وجوب دعم الولايات المتحدة للسجناء السياسيين في تركيا، ومن ضمنهم مسؤولو حزب الشعوب الديمقراطي وكذلك الأشخاص الذين اعتقلتهم السلطات التركية بسبب تعبيرهم عن معارضتهم لحروب أردوغان. واقترحَ تعديلٌ على قانون الدفاع عن الأمن القومي لعام 2021 دراسةً عن جرائم الحرب التي ارتكبتها الجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا -والتي حظي الكثير منها بدعم الولايات المتحدة قبل سنوات قليلة فقط. لم يتم تمرير أيٍّ من هذه المقترحات، لكن تقديمها كان خروجاً صارخاً عن الخطاب الأميركي النموذجي حول تركيا.
كانت مشاريع القوانين التي تم تمريرها في مجلسٍ واحدٍ على الأقلّ من الكونغرس قويةً بالقدر نفسه، حيث أقرَّ مجلس النواب مشروع قانون يعاقب المسؤولين الأتراك المشاركين في العملية -إلى جانب مشروع قانون يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن.
ولهذه الخطوات العديدُ من الآثار التي ستكون ذات صلة بغض النظر عمن سيفوز بالرئاسة. فأولاً، هناك معارضة سائدة وواضحة من الحزبين لسياسة أردوغان الخارجية التوسّعية والعسكرية، حيث يتفق الجمهوريون والديمقراطيون -الذين نادراً ما يتفقون على شيءٍ مشترك- مع الرأي القائل بأن تصرفات تركيا في سوريا وخارجها خطيرة ومزعزعة للاستقرار.
ثانياً، يبدو أن اتخاذ أي موقف قوي مناهض لأردوغان يحظى بشعبية سياسية، ونادراً ما يتحدث أعضاء الكونغرس عن أي قضية حين يكون بإمكانهم تجنب اتخاذ أي موقف إزاءها.
أولئك الذين ينتقدون حلفاء الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن مدى شرعية انتقاداتهم، يتعرضون غالباً للانتقاد والهجوم. إن قيام العديد من أعضاء الكونغرس بانتقاد تركيا ومعارضتها علناً يدّلُ على أنهم يعتقدون أن هذا هو الرأي السائد الذي يدعمه الناخبون.
أخيراً، إذا تم الضغط من قبل المجتمع على الكونغرس لاتخاذ موقف أقوى ضد استبداد أردوغان، فإنه من المرجَّح أن يستجيب الكونغرس.
فالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن كان من بعض التدابير التشريعية الأخيرة التي استجاب لها الكونغرس بفضل دعوة المجتمع، إذ لا يمكن لأي مؤسسة أخرى من مؤسسات الحكومة الأميركية أن تتأثّر بالمواطنين العاديين بقدر الكونغرس. هذه حقيقة مهمة يجب على المراقبين الخارجيين والأفراد المعنيين في الولايات المتحدة تذكرها.
في كانون الثاني/يناير عام 2021، ستبدأ جلسة جديدة للكونغرس، وسيتعيّن إعادة النظر بإعادة تقديم التشريع الحالي الذي لم يتم إقراره حتى الآن. ومع ذلك، فمن المرجَّح أن يبقى الملفان التركي والسوري على جدول أعمال الكونغرس. وما لم تغيّر تركيا سلوكها بشكل جذري، سيستمر الكونغرس بالتحدّث علانيةً والضغط من أجل الحصول على نتائج ربما تكون السلطة التنفيذية أكثر تردداً في تنفيذها.