التغيير الديمغرافي.. استراتيجية تركيا لتقويض التعايش المشترك والتنوع الثقافي شمالي سوريا
أفين يوسف ـ نورث برس
يتخوف حقوقيون في شمال شرقي سوريا، من سياسة التغيير الديمغرافي الذي تتبعه تركيا في الشمال السوري، ويشددون على ضرورة معالجته قبل أن يؤدي لـ”عواقب وخيمة”، تقوض التعايش المشترك والسلم الأهلي في تلك المناطق.
ومنذ سيطرة تركيا وفصائل المعارضة السورية المسلحة الموالية لها، على مناطق متعددة في الشمال السوري، آخرها كان منطقتي سري كانيه/ رأس العين، وتل أبيض، تعمل وفق سياسة التغيير الديمغرافي لتلك المناطق.
وتقوم تركيا بعد تهجير السكان الأصليين، بتوطين نازحين من مناطق سورية مختلفة، في تلك المناطق (عفرين وسري كانيه وتل أبيض)، كانوا قد نزحوا خلال سنوات الحرب، من مناطقهم.
ويرى المدير التنفيذي لرابطة تآزر عز الدين صالح، بأنه “إذا لم تتم معالجة التغيير الديمغرافي الذي حدث في مناطق شمالي سوريا وتحديداً في عفرين وسري كانيه وتل أبيض، فسيؤدي ذلك لعواقب وخيمة، تقوض التعايش المشترك والسلم الأهلي الذي كانت تتسم به تلك المناطق”.
“صراعات داخلية”
ويشدد “صالح” في حديث لنورث برس، على أن التهجير القسري للسكان الأصليين من مناطقهم وتوطين سكان من النازحين من مناطق أخرى في سوريا ومن اللاجئين السوريين في تركيا في منازل السكان، “قد يؤدي إلى صراعات داخلية بين الشعب السوري ومكوناته المختلفة”.
ويشير إلى أن “بناء التجمعات السكنية والمستوطنات في المناطق المحتلة، يساهم في إحداث تغيير ديمغرافي في هذه المناطق”.
ويرى بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أن التعايش المشترك “أصبح جزءاً من الماضي حالياً”، ويشير إلى أن “الأشخاص الذين سُلبت منازلهم وأراضيهم وسكنت فيها عوائل الفصائل المسلحة السورية لن يتركوا حقوقهم، ولن يفكروا بمسمى التعايش المشترك لأن أملاكهم سُلبت عنوة”.
ويضيف، أن “تلك الممارسات والانتهاكات التي حصلت بحق المهجرين قسراً أضرت كثيراً بالعيش المشترك والتنوع الثقافي والديني والاثني”، ويشير إلى عملية توطين أشخاص من ديانة أخرى في منازل الإيزيدين في عفرين.
ووثقت “رابطة تآزر” بناء أكثر من (30) مستوطنة في عفرين، غالبيتها بُنيت على أراضٍ تم الاستيلاء عليها من “كرد سوريين” بعد العملية التركية عام 2018.
اقرأ أيضاً:
- “كل صورة بألف موته”.. نازحون من سري كانيه يقاسون مرارة التغيير الديمغرافي
- أربع سنوات.. الانتهاكات مستمرة والعودة الآمنة مطلب نازحي سري كانيه
- حقوقيين: ترحيل تركيا للسوريين انتهاك لحقوق الإنسان ومخالفة للقانون الدولي
“سري كانيه فقدت ألوانها”
ويشير “صالح” إلى مناطق سري كانيه وتل أبيض التي “كانت تتميز بتنوعها الثقافي والعرقي والديني والاثني”، حيث كان يعيش فيها قوميات وطوائف مختلفة، وكانت “تتسم بالتعايش المشترك والسلم الأهلي”.
ويقول: “فقدت تلك المناطق ألوانها بعد الاجتياح التركي في أكتوبر 2019، بعد ما سمي بعملية (نبع السلام)، العملية التي قوّضت السلام في تلك المنطقة”.
وكان يعيش في سري كانيه وريفها أكثر من 162 ألف نسمة، من الديانات (المسلمة، المسيحية، الإيزيدية)، ومن القوميات (الكرد والعرب والسريان والشيشان والآشوريين والشركس والأرمن والتركمان)، وهُجّر منها أكثر من 140 ألف شخص قسراً، أي أكثر من 85% من السكان الأصليين.
ويشير إلى أن عدد الكرد فيها الآن (45) شخصاً فقط من أصل 75 ألف نسمة، وبالنسبة للأشخاص من (الديانات غير المسلمة) الإيزيديين والمسيحيين، لم يبق إلا عشرة أشخاص من كلتا الديانتين.
وتم إسكان وتوطين أكثر من ألفي عائلة نازحة من مناطق سورية أخرى ومن اللاجئين السوريين في تركيا، في منازل السكان الأصليين، ما جعل المنطقة “تتسم بلون واحد بعد احتلالها”، بحسب “صالح”.
ومن جانبه يشير المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، إلى أن “تركيا تتبع العديد من التكتيكات في المناطق الشمالية في سوريا، وهي جزء من استراتيجيات كبيرة تهدف إلى محو الوجود الكردي القوي في تلك المناطق”.
ويقول لنورث برس: “تحاول تركيا إضعاف الوجود الكردي القوي، وجعله يقتصر على جزء بسيط، مثل موضوع تمثيل المجلس الوطني الكردي في المعارضة، أو في اللجنة الدستورية، لتكون تلك النسبة غير قادرة على فعل شيء، وغير مؤثرة في أي قرار يخص المنطقة”.
ويشير إلى موضوع استهداف البنى التحتية والمنشآت الخدمية في المناطق ذات الغالبية الكردية مؤخراً، ويشدد على أنها “تكتيكات تصب في خانة استراتيجية التطهير العرقي للشعب الكردي”.
فيما يشدد الحقوقي زكي حجي، من مدينة سري كانيه، أن “التهجير القسري والجماعي في تلك المنطقة أدلى إلى تغيير في التركيبة السكانية في المنطقة”.
ويشير إلى أن (4) أشخاص فقط من الايزيديين بقوا في المنطقة، علماً أنه كان هناك (11 قرية) للايزيديين في محيط سري كانيه.
ويضيف المحامي “حجي” لنورث برس، بأن “النزوح والتهجير القسري للسكان وتوطين عراقيين وعوائل الفصائل العسكرية السورية القادمين من مناطق أخرى في منازلهم وممتلكاتهم هو فعل مخالف لكل القوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني”.
تركيا دولة “احتلال”
ويشدد المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، على أنه من الهام جداً الإشارة إلى أن التواجد التركي في المناطق والمدن السورية هو “احتلال”، وأن منظمات دولية مستقلة مثل “منظمة العفو الدولية” ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” أقرّت بذلك، وأنه “وصف قانوني” لحالة تواجد قوات دولة أجنبية على أراضي الدولة السورية.
ويوضح، بأنه “ليس بالضرورة أن يأخذ الاحتلال شكلاً مباشراً، فهو يقوم بدعم مباشر لقوات عسكرية معينة ويشرف عليها كما يحدث في المناطق المحتلة”.
ويشدد “الأحمد” على أهمية التركيز على أن هناك خطّة “لها أهداف وبُعد استراتيجي”، ويجب استخدام المصطلحات الفعلية مثل (التطهير العرقي والتشريد القسري والاحتلال والانتهاكات الممنهجة) فيما يخص “المناطق المحتلة” وبحسب المنظمات الدولية.
إبادة ثقافية في المناطق المحتلة
يشير الحقوقي “حجي” أن “تركيا تمارس الإبادة الثقافية في مناطق سيطرتها، وأنه لم يعد هناك تواجد للغة الكردية أو السريانية أو غيرها، وحلت مكانها اللغة التركية”.
ويقول: “كان هناك العشرات من المدارس وآلاف الطلاب الذين يدرسون بلغتهم الأم، والآن لا توجد أي مدرسة في المدينة أو القرى المحيطة بها بسبب التهجير القسري وكل ما يتبعه من تغيير ثقافي وتغيير في العادات والتقاليد المجتمعية”.
ويضيف: “يتم رفع العلم التركي وتعليم الثقافة واللغة التركية في المدارس، كما يتم تداول العملة التركية هناك، وأن المدينة أصبحت تابعة إدارياً لولاية أورفا التركية، حيث يزور الوالي التركي المدينة بين فترة وأخرى كنائب ومشرف عن المنطقة”.