غرفة الأخبار- نورث برس
تحولت مدينة سري كانيه/ رأس العين منذ اجتياحها من قبل القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها، في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إلى منطقة تسودها الفوضى الأمنية وازدياد ملحوظ في الانتهاكات بحق السكان وفقاً لعشرات التقارير الحقوقية.
منذ أربع سنوات وسري كانيه ترزح تحت وطأة ممارسات وانتهاكات تلك الفصائل والقوات التركية، وعلى مرأى من العالم الذي طالما التزم الصمت، حيث عشرات الآلاف من سكانها الذين تم تهجيرهم ويعيشون إلى اليوم في خيم متناثرة ضمن مخيمات لجوء أسستها الإدارة الذاتية في مدينة الحسكة وريفها، منذ أواخر عام 2019، وفقاً لعشرات التقارير الحقوقية.
” مطلبهم الوحيد هو العودة”
لا تكاد تمر مناسبة دون أن يجدد نازحو مدينة سري كانيه مطالبهم للمجتمع الدولي بالخروج من صمته المخجل وتحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية، وتأمين العودة الآمنة إلى مدينتهم وبلداتهم وقراهم التي أخرجوا منها قسراً بعد العدوان التركي.
ويتوزع نازحو المنطقتين في مخيمات سري كانية وواشوكاني بريف الحسكة إلى جانب تواجدهم في مخيمات أخرى ومراكز إيواء، أو يسكنون مدن وبلدات شمال شرقي سوريا.
وقبيل أيام جدد آلاف المتظاهرين من نازحي سري كانيه وريفها في مخيمي (سري كانيه – وواشوكاني) بريف الحسكة، مطالبته للمجتمع الدولي بإخراج القوات التركية والفصائل الموالية لها من مدينة سري كانيه، وإعادة سكانها الأصليين لها.
وتحدث بعض المتظاهرين لنورث برس من خلال مقابلات مصورة أُجريت معهم، أن مطلبهم الأساسي هو “عودتهم إلى مدينتهم وقراهم فقط، ورفضهم للاحتلال التركي بأي شكل من الأشكال”.
ودفعت العملية التركية لنزوح نحو 300 ألف شخص من ديارهم، بينهم تهجير ما يقارب 175 ألف شخص من المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي بإنشاء “منطقة أمنة” فيها وفقاً لتقارير حقوقية.
وكانت مصادر خاصة تحدثت في وقت سابق لـنورث برس، أن مدينة سري كانيه وهي ذات غالبية كردية، لم يتبقَّ من الكرد فيها سوى نحو 50 شخصاً معظمهم مسنون.
بينما لم يعد للإيزيديين، والذين كان يبلغ عددهم وبحسب “البيت الإيزيدي”، نحو 3000 شخص، في عام 2012، موزّعين على حي”زردشت”، وقرى “الدريعي، وطليلية/ تليلية، والأسدية، وجافا، ودردارة، وتل صخر، وجان تمر، وشكرية، و قرية السعيد، ولزكة، وشيخ حمود، وقرى أخرى، بالإضافة إلى تواجدهم في المدينة، لم يعد لهم وجود بعد الاجتياح التركي للمنطقة.
أما المسيحيين فيبلغ عددهم الحالي 14 شخصاً فقط في المدينة، بحسب ذات المصادر.
“تحدث فيها كافة الانتهاكات”
على وقع ازدياد انتهاكات حقوق الإنسان في سري كانيه تتعالى نداءات المنظمات المعنية بالشأن لعقد مؤتمرات دولية لتسليط الضوء على تلك الانتهاكات.
وأكد الحقوقي محي الدين عيسو، وهو المدير التنفيذي لـ “رابطة دار لضحايا التهجير القسري”، خلال مداخلة منتصف آب / أغسطس الفائت، في منتدى عقدته نورث برس أن مناطق سري كانيه “تحدث فيها كافة الانتهاكات والجرائم”.
وشدد الحقوقي على أن “تركيا تمنع دخول الصحافة إليها وتمنع عمل منظمات المجتمع المدني هناك، وأن الأمر أدى لاختفاء سري كانيه من واجهة الإعلام لجهة الانتهاكات التي تُرتكب فيها”.
وحمل عيسو تركيا وفصائل المعارضة المسؤولية عن تلك الانتهاكات بالدرجة الأولى، ثم الدول التي رعت اتفاق “المنطقة الآمنة” وسمحت لتركيا بالتوغل في سري كانيه وتل أبيض.
وتتورط معظم الفصائل الموالية لتركيا، بعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، حيث سجل قسم الرصد والتوثيق خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، اعتقال 496 شخصاً, 79 في سري كانيه و13 في تل أبيض, وفقاً لقسم الرصد والتوثيق في نورث برس.
من جانبه قال الباحث في القانون الدولي، جوان عيسو، إن “الواقع الحقوقي سيء من جميع النواحي”، وأن المنطقة تحولت إلى بؤر لا استقرار بها، وتهدد سوريا والمنطقة بالكامل، “خاصة بعد استقدام عوائل تنظيمات إرهابية بما فيها تنظيمي داعش والقاعدة وتهجير السكان الأصليين”.
ودعا عيسو وهو كذلك عضو لجنة العلاقات في لجنة مهجري سري كانيه، إلى توسيع دور منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية لإظهار الحقائق للرأي العام و”توضيح حجم الانتهاكات والجرائم التي هي بالفعل جرائم إبادة جماعية وترتكب بشكل منظم وهي جرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي والانساني”.
توزع الفصائل
حرصت القوات التركية بعد اجتياحها للمدينتين على توزيع السيطرة بين فصائل الجيش الوطني الموالي لها، حيث جعلت مدينة سري كانيه وريفها بشكل رئيسي تحت سيطرة الفيلق الثاني، فيما جعلت مدينة تل أبيض وريفها تحت سيطرة الفيلق الثالث.
فيما الفيلق الأول المكون من فصائل موزعة قواتها في سري كانيه وتل أبيض وسلوك، و لها مقرات في تلك المناطق بشكل عام، لكن نفوذها هو الأقل مقارنة بنفوذ الفيلق الثاني والثالث.
وجرى هذا التوزيع من قبل أنقرة تفادياً للاقتتال بين تلك الفصائل على المعابر ” معبر سري كانيه، وتل أبيض” في المنطقة.
ومنتصف آب/ أغسطس الفائت فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات على فصيلين من فصائل المعارضة المسلحة وثلاثة قياديين ضمن تلك الفصائل لارتكابهم جرائم جسيمة لحقوق الإنسان شمالي سوريا، بالإضافة إلى تاجر سيارات يعمل متصرفاً بأموال قادة أحد الفصائل.
“تغير ديمغرافي “
ومنذ أن بدأت السلطات التركية حملتها ضد اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي، تجهد في ترحيل مئات السوريين إلى سري كانيه / رأس العين وتل أبيض بهدف توطينهم هناك لإحداث التغير الديمغرافي الذي طالما تسعى إليه.
وكانت أعلى حصيلة تم ترحيلها إلى تلك المناطق خلال أيلول/ سبتمبر الفائت، حيث تم ترحيل نحو 1455 من معبري تل أبيض وسري كانيه، وفقاً لرصد شبكة مراسلي نورث برس.
أقرأ أيضاً:
- السلطات التركية ترحل قسرياً 460 لاجئاً سورياً
- بينهم عراقيون.. السلطات التركية ترحل 480 لاجئاً إلى سوريا
- ترحيل قسري.. السلطات التركية ترحل 48 سورياً إلى ريف الحسكة
- السلطات التركية ترحل قسرياً 500 سورياً خلال 24 ساعة
ويثير ترحيل تركيا مؤخراً وخلال تلك العمليات لغير السوريين وأغلبهم عراقيون وأفغان، نوعاً من الجدل حول هوية هؤلاء الحقيقة.
واستولت فصائل الجيش الوطني على أكثر من 5,500 منزل سكني و1,200 محل تجاري في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ الهجوم على المنطقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وذلك حسب رابطة “تآزر” للضحايا في شمال وشرق سوريا.