“كل صورة بألف موته”.. نازحون من سري كانيه يقاسون مرارة التغيير الديمغرافي

سامر ياسين – نورث برس

يقصد محمود، سوق بلدة تل تمر، بشكل شبه يومي، للاجتماع مع أبناء بلدته التي نزحوا منها، ولتبادل الأخبار والتطورات التي يسمعها كل منهم من معارفه أو أقربائه المتواجدون في المدينة في الوقت الحالي.

محمود عبد العزيز (45 عاماً) نزح من قريته (أم الدبس) بريف مدينة سري كانيه/رأس العين، مع عائلته المكونة من 5 أشخاص، إلى بلدة تل تمر، شمالي الحسكة، وذلك مع بداية هجوم تركيا والفصائل الموالية لها على المدينة وريفها، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

يقول “عبد العزيز” لنورث برس، إنه بعد خروجهم من بلداتهم وقراهم، بدأت القوات التركية بتحويل منازلهم وقراهم إلى ثكنات ومقرّات عسكرية، وجلب عناصر الفصائل الموالية لها وعوائلهم وأناس غرباء، “وأسكنتهم في منازلنا”.

وبداية نزوحه من منزله، وصلت لـ”عبدالعزيز”، معلومات تفيد بدخول كتيبة تابعة للمسلحين الموالين لتركيا، “ومن ثم قاموا بتحويل منزلي إلى سجن، ولكن آخر الأخبار التي وصلتني أن عائلة أحد عناصر الفصائل تجلس في منزلي، وأخبرني أحد الأشخاص الذي يذهب أحياناً للقرية بأن العائلة من دير الزور”.

ويضيف “عبد العزيز”: “مع دخول الفصائل لقريتنا قاموا بتخريب أغلب المنازل فيها، وحتى منزلي الذي بنيته على مدى أعوام، قاموا بتخريبه وسرقة كل ما بداخله، ووصلتنا صور من منزل أخي وأعمامي في ذات القرية، ورأينا كيف أنهم سرقوا كل شيء فيها، والذي لم يستطيعوا سرقته قاموا بضربه بآلية ثقيلة وتخريبه تماماً”.

ويصف الرجل حاله عندما يرى الصور التي تصله من بعض من بقوا في القرية، بأنه “يموت ألف موته”، كما يتألم بشكل كبير عندما يسمع أو يرى، أن أحد الغرباء يسكنون في منزله، الذي لا يبعد عنه كثيراً.

العلم التركي في كل مكان

ويصف عادل حمود (50 عاماً) وهو أيضاً نازح من مدينة سري كانيه، ويقيم في بلدة تل تمر، الأخبار التي ترد من مدينتهم بـ”السيئة جداً”، وتزعجهم إلى حدٍ كبير.

يقول “حمود” لنورث برس: “الوضع في سري كانيه سيء جداً، كل الأخبار التي تردنا من هناك سيئة وموجعة، نرى في التلفاز وفي كل الصور بأن العلم التركي انتشر في كل أرجاء المدينة، وأن الأتراك والفصائل سكنوا بيوتنا واستحلوها، وسرقوا كل ما فيها”.

ويضيف: “كل من يقطن في المدينة وريفها، غرباء، من مدن وأرياف حلب وإدلب والمناطق السورية الأخرى”. ويشير إلى أنه بـ”البداية سرقوا كل ما في المنازل، ومن ثم احتلوها وسكنوا بها”.

ويتحسر الرجل على الأيام الماضية: “سابقاً كنا في جميع الأحياء نعرف بعضنا البعض والأغلب في الحي الذي كنت أقطن به أقربائي وأصدقائي”.

ويشير “حمود” إلى أن القوات التركية والفصائل التي معها “قاموا بتغيير أسماء الأحياء وأشكالها، بالإضافة إلى المدارس التي باتت تسمى بأسماء أشخاص أتراك”.

واجتاحت القوات التركية وفصائل مسلحة ترتبط بها، مدن سري كانيه/رأس العين بريف الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة، في أواخر عام 2019، وسيطرت على المدن وأريافها بشكل شبه كامل، ونزح مئات الآلاف من سكان المدينتين حينها إلى مدن وبلدات قريبة من مدنهم وقراهم.

واستولت فصائل الجيش الوطني السوري، على أكثر من 5,500 منزل سكني و1,200 محل تجاري في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ الهجوم على المنطقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وذلك حسب رابطة “تآزر – Hevdestî” للضحايا في شمال وشرق سوريا.

وقال الباحث في القانون الدولي والحقوقي جوان عيسو، إن الواقع الحقوقي في منطقة سري كانيه سيء جداً، وتحولت تلك المنطقة إلى بؤرة للفوضى منذ سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها عليها.

وجاءت تصريحات عيسو في تصريح خاص لنورث برس على هامش مشاركته في المنتدى الحقوقي حول حالة حقوق الإنسان والانتهاكات في سري كانيه، والذي عقدته وكالة نورث برس الإعلامية وعرضت بدورها تقريراً مفصلاً لتلك الانتهاكات وحمل عنوان “مقابر بلا شواهد.. روايات ناجين من سجون نبع السلام”.

وأضاف “عيسو” حينها، أن “الواقع الحقوقي سيء من جميع النواحي، ولا سيما الاعتقالات التعسفية والقتل والتهجير الممنهج وبناء المستوطنات وترسيخ حالة الاستيطان في المنطقة، هذه المناطق تحولت إلى بؤر لا استقرار بها، وتهدد سوريا والمنطقة بالكامل، وخاصة بعد استقدام عوائل تنظيمات إرهابية بما فيها تنظيمي داعش والقاعدة وتهجير السكان الأصليين”.

تحرير: تيسير محمد