“الحرب السورية” تدخل عامها الحادي عشر مع غياب بوادر للحل

القامشلي- نورث برس

تدخل الحرب السورية عامها الحادي عشر، حيث شهدت البلاد خلال العقد الماضي، تحولات سياسية وعسكرية واقتصادية، دون أن يلوح في الأفق أي بوادر للتسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، حتى الآن.

ورفعت جميع الدول والقوى الفاعلة والجهات المعنية، وحتى غير المعنية مباشرة بالمسألة السورية، شعار “الحل في سوريا سياسي لا عسكري”.

وبحسب مراقبين لم يشهد الملف السوري استقراراً كبيراً، بسبب استمرار التجاذبات الدولية والإقليمية حول ماهية الحل السياسي المبتغى، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

كما أن خريطة توزع مناطق السيطرة للأطراف العسكرية في سوريا, لم يطرأ عليها أي تغير حتى نهاية العام 2021، وبقيت نسب السيطرة ثابتة بشكل شبه كلي.

في حين تصدرت الأزمات المعيشية المتعاقبة والتي بلغت ذروتها بداية العام المنصرم المشهد الاقتصادي في مناطق الحكومة، ولاتزال تتفاقم، ولم يختلف الحال بكثير في مناطق المعارضة شمال غربي البلاد، أو في شمال شرقي سوريا.

توزع القوى

لم يطرأ أي تغير في مناطق النفوذ العسكري لقوى النزاع في سوريا, حيث  تسيطر الحكومة السورية على 63 بالمئة من الأراضي السورية، يسكنها ما يقارب 11 مليون نسمة من أصل 17 مليون ما زالوا في سوريا، مع وجود سبعة ملايين لاجئ خارجها، بحسب تقارير صحفية.

وتتركز سيطرتها اليوم في (دمشق، حلب، حمص، حماة، اللاذقية، طرطوس، درعا، ودير الزور)، حيث كان للتدخل العسكري الروسي عام 2015 دور كبير في استعادتها من المعارضة.

وتسعى كل من إيران وروسيا من خلال تدخلها في الحرب السورية، للاستفادة من دوره وتعزيز أجندتها الخاصة، حيث سيطرت موسكو على الوضع وحصدت مكاسب سياسية واقتصادية، بحسب مراقبين.

ونجحت روسيا في تأمين مزايا رئيسة حيث سمح “الحكومة السورية لموسكو باستخدام الموانئ والمنشآت السورية مجاناً في صفقات مدتها 49 عاما”.

فيما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية، على مناطق شمال شرقي سوريا، أي ما يعادل ربع سوريا، ويبلغ عدد السكان في هذه المساحة حوالي 2.5 مليون نسمة، ناهيك عن عدد النازحين إلى تلك المنطقة والقادمين من مناطق الحكومة أو مناطق سيطرة المعارضة.

وتدعم الولايات المتحدة الأميركية قوات ” قسد” في حربها ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. 

أما المعارضة لازالت تسيطر على الريفين الغربي والشمالي لإدلب وأكثر من نصف الريف الجنوبي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام بشكل فعلي، مع وجودٍ  لفصائل معارضة ولكن دون سيطرة فعلية.

ويضاف إليها منطقة سهل الغاب آخر مناطق سيطرة المعارضة بحماة، وأجزاء واسعة من جبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية، وريف حلب الغربي.

واقع اقتصادي متباين   

تصدرت انعكاسات الحرب في أوكرانيا التي أعلنتها روسيا منذ الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الفائت، المشهد الاقتصادي في الأسواق بسوريا عامة، مع وجود تباينات بسيطة في مناطق السيطرة.

وتترنح مناطق الحكومة تحت وطأة الأزمات المعيشية المتعاقبة تتقدمها أزمة المحروقات، يضاف إليها اليوم نقص حاد لمادة الزيت النباتي، يرافقه ارتفاع كبير في سعرها، وسط طرح الحكومة لآلية وصفها سكان بأنها “غير كافية”.

فيما مناطق المعارضة شمال غربي سوريا يعاني السكان ظروفاً معيشية مزرية في ظل هيمنة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، على كافة القطاعات وسياسة التضييق على السكان التي تتبعها وسط اتهامات لها باتباع سياسة التجويع والاحتكار.

ولم تكن مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمنأى عن تبعات  العقوبات الأميركية المتمثلة بقانون “قيصر”.

وتجلت ببعض الأزمات المعيشية في المنطقة، حيث ينتظر سكانها تطبيق قرار أميركي باستثنائها من عقوبات “قيصر”.

ونهاية شباط/ فبراير الماضي، علمت نورث برس، من مصادر أميركية، أن واشنطن تعتزم رفع العقوبات المطبقة في إطار قانون قيصر عن شمال شرقي وشمال غربي سوريا، باستثناء مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.

مستجدات سياسية

ولم تحقق 17 جولة من أستانا، التي بدأت أولاها في كانون الثاني/ يناير 2017، وكان آخرها نهاية العام الماضي، أي تقدم يذكر في العملية السياسية في سوريا.

وفي الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عقدت الجولة السادسة للجنة الدستورية، بعد تعطيل دام أكثر من 9 أشهر، ولكنها وكسابق الجولات لم تسفر عن أي تقدم، وجرى الاتفاق على عقد جولة سابعة عقب شهر ولكن حتى ذلك لم يحدث.

ويحث المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، الخطى في سبيل تحقيق توافق حول اللجنة الدستورية، إلا أنه قال مؤخراً، إن الحرب الروسية الأوكرانية ستصعب عمل الدبلوماسية الدولية في سوريا.

تواصل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مساعيها لإقامة تحالفات مع شخصيات وكيانات معارضة، تمكنها الحصول على الشرعية السياسية  للمشاركة في المفاوضات واللجنة الدستورية التي تشكلت قبل نحو ثلاث سنوات، بحسب مراقبين.

ومطلع العام الفائت، قالت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لـ”قسد”، إن هدف الإدارة الذاتية خلال العام الحالي يتمثل في إقامة مشروع مشترك مع المعارضة السورية وكافة أطراف الحل.

وفي الربع الأخير تقريباً من العام الماضي، انخفضت وتيرة الاعتراض العربي على احتواء حكومة دمشق من جديد أو ما يعرف بـ”التطبيع”، وشهدت انفراجاً على المستوى الدبلوماسي.

وأعلنت عدد من الدول العربية والأجنبية إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق وعودة بعثتها الدبلوماسية للعمل هناك كالبحرين، وانتهاء القطيعة بين عمان ودمشق.

أما المعارضة السورية وبعد مرور عقد من الحرب، فشلت على اختلاف مكوناتها بتوحيد صفوفها وتقديم بديل جدي “للنظام” القائم في سوريا وعلى وقع خسائر ميدانية متتالية، بات صوتها خافتا وقياداتها مشتتة وتتحرك وفق ما تمليه عليها أجندات داعميها.

وشهدت صراعات داخلية، حيث  كشف محضر اجتماع جرى بين الخارجية التركية ووفد من قيادة الائتلاف السوري المعارض، في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، عن وجود خلاف بين الائتلاف بقيادة سالم المسلط ورئيس الحكومة السورية المنشق رياض حجاب.

وفي المحصلة، يطل عام جديد من الحرب السورية المتواصلة، بأزمات معيشية واقتصادية خانقة واختلافات بين القوى المسيطرة على الأرض، وسط غياب أي حل يلوح في الأفق.

إعداد وتحرير: فنصة تمو