“تحرير الشام” خلال 2021.. انتهاكات واعتقالات وتضييق خناق في إدلب
إدلب– نورث برس
يقول سكان محليون وناشطون في إدلب، شمال غربي سوريا، إن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) استغلت الهدوء النسبي في الجبهات العسكرية هذا العام لإحكام سيطرتها على كافة القطاعات الاقتصادية والإعلامية والسياسيةعبر أعمال قمع واحتجاز.
ويشير هؤلاء إلى أن الهيئة عملت على التضييق على معارضيها من خلال عمليات تهديد واعتقال وترهيب بقوة السلاح وسعت لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي وخاصةً الأمم المتحدة.
وتسيطر “تحرير الشام” على منطقة إدلب وأجزاء من ريف حلب بعد طردها الفصائل الأخرى الموالية لتركيا.
ومنتصف العام 2018، صنفت الولايات المتحدة الأميركية الهيئة التي يقودها أبو محمد الجولاني وكل فصيل له صلة بها كمنظمة إرهابية.
وأدرجت اسم “الجولاني” على لوائحها السوداء للإرهاب وعرضت مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار أميركي مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله.
ومن أبرز الأحداث التي شهدتها إدلب خلال العام الجاري، الاحتجاجات المعيشية ونشوب اشتباكات بين هيئة تحرير الشام وجماعات جهادية أخرى في ريفي إدلب واللاذقية.
وفي تموز/ يوليو الماضي، شنت الهيئة عمليات عسكرية ضد جماعات جهادية مثل “جند الشام” التي يقودها “مسلم الشيشاني” وجماعة “أبو فاطمة التركي” بريف اللاذقية، وتمكنت وبعد معارك عنيفة من السيطرة على مواقع تلك الجماعات بعد إجبارها على تسليم أسلحتها.
وسبقت العملية العسكرية التي شنتها “تحرير الشام” على مواقع الجماعات الجهادية، عمليات اعتقال طالت العشرات من قادة تنظيم “حراس الدين” الذي يعتبر الفرع الأخير العلني لتنظيم القاعدة في إدلب.
“اعتقال تعسفي”
وقالت نور الخطيب، وهي عضو الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لنورث برس، إن الشبكة وثقت خلال العام الجاري 121 حالة اعتقال واحتجاز قام بها مسلحو الهيئة، بينهم طفل وأكثر من 17 حالة اعتقال لصحفيين وعاملين في المجال الإعلامي.
وأشارت إلى أن عمليات الاعتقال شملت ناشطين وعاملين في المنظمات الإنسانية وأنها جرت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها أو بتهم أخرى كالعمالة لصالح قوات سوريا الديمقراطية أو “النظام”.
وجرت الاعتقالات على شكل مداهمات واقتحام وكسر أبواب المنازل وخلعها أو عن طريقة الخطف على الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة أو الاستدعاء للتحقيق، بحسب “الخطيب”.
وذكرت عضو الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنهم سجلوا حالات احتجاز جرت على نقاط التفتيش التابعة للهيئة بتهمة الإفطار في شهر رمضان الماضي.
كما وثقت الشبكة عمليات استدعاء قامت بها مديرية الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ لنشطاء إعلاميين على خلفية منشورات لهم على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
إضافةً إلى تسجيل عمليات اعتقال حصلت ضمن مخيمات النازحين شمال إدلب ورافقها إطلاق نار كثيف والاعتداء بالضرب على مدنيين بينهم نساء، وفقاً لما ذكرته “الخطيب” لنورث برس.
كما سجلت عمليات اعتقال قامت بها عناصر “تحرير الشام” في بلدة كفريا شمال شرق إدلب على خلفية خروج مظاهرة مناهضة للحزب الإسلامي التركستاني أمام المحكمة التابعة للحزب في البلدة، وذلك رداً على إبلاغ الحزب عدداً من النازحين في كفريا بالخروج من منازلهم بهدف الاستيلاء عليها.
“ليسوا أفضل من النظام”
ويقول سكان في إدلب إن الهيئة وعبر أجهزتها الأمنية تضيق الخناق عليهم عبر فرض أحكامها وأفكارها ومعتقداتها الدينية ويتدخل عناصرها في أدق تفاصيل حياتهم والتي تشابه ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ومطلع العام الجاري، شهدت إدلب مظاهرات طالبت بإسقاط الهيئة وزعيمها أبو محمد الجولاني.
وتحظر الهيئة أي محاولة لإنشاء أحزاب أو تجمعات مدنية أو شعبية أو نقابية خشية ظهور آراء مخالفة أو مناوئة قد تؤثر على سلطتها الشمولية في المنطقة.
ويروي معاذ الحسن، وهو اسم مستعار لصحفي في إدلب، تفاصيل حادثة اعتقاله على يد عناصر في هيئة تحرير الشام مطلع شهر آذار/ مارس الفائت.
وكان الصحفي يقوم بتصوير استطلاعاً للرأي في شوارع مدينة إدلب، ليفاجأ بقيام عنصر من الهيئة بأخذ الكاميرا منه وضربها على الأرض بقوة، قام بعدها أربعة عناصر بتوجيه السلاح عليه واقتياده إلى السجن.
يقول الصحفي: “ما جرى لي في السجن لا يمكن أن أنساه، ما جرى لا يذكرني إلا بما كان يقوم به عناصر الأمن التابعين لنظام الأسد في بداية الثورة بحق المتظاهرين”.
ومطلع الشهر الجاري، أجبر عناصر “تحرير الشام” مراسل وكالة فرانس برس عمر حاج قدرو ومصور الوكالة الأميركية “AP” غيث السيد على مسح مقاطع الفيديو والصور التي قاموا بتصويرها أثناء دخول قافلة مساعدات أممية إلى إدلب من مناطق الحكومة في التاسع من الشهر الجاري، بحسب إعلاميين محليين.
وقامت مديرية الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ بإخراج “الحسن” من السجن وقدمت له الاعتذار لأنه تم اعتقاله عن طريق “الخطأ” ولكنها طلبت منه ألا يقوم بنشر أي شيء عن الحادثة، “وإلا سوف يتعرض للمساءلة”.
يضيف الصحفي: “حينها أيقنت أننا نعيش في غابة وأن من يحكمنا ليس أفضل من النظام السوري”.