سجون تحرير الشام.. “الداخل مفقود والخارج مولود”

إدلب – نورث برس

تتزايد حالات الاعتقال التعسفي لمدنيين وناشطين في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سابقاً، في إدلب وريفي حلب واللاذقية شمالي سوريا، على خلفية معارضتهم أو انتقادهم لسياساتها.

ويقول أحمد الخالدي، وهو اسمٌ مستعار لناشطٍ إعلامي في إدلب شمال غربي سوريا، إن “تهمة صغيرة مثل منشور على فيسبوك، تعّبر به عن رأيك في أمرٍ ما، أو انتقاد لمؤسسةً تابعة للهيئة أو جناحها المدني المتمثل بحكومة الإنقاذ، قد تودي بك لأشهر في السجون دون أن يتمكن أحد من معرفة مصيرك أو مكان سجنك”.

ويصف “الخالدي”، أوضاع المعتقلين في سجون الهيئة، بأن”الداخل مفقود والخارج مولود”.

وبسبب  منشور له على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، انتقد به تخاذل الهيئة والفصائل بالرد على قصف إدلب، بقي “الخالدي” لأكثر من ثلاثة أشهر في السجن.

وتسيطر الهيئة على معظم إدلب وأجزاء من أرياف حماة واللاذقية، بعد طرد باقي فصائل المعارضة السورية قبل نحو ثلاثة أعوام.

وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 2287 شخصاً لا يزالون قيد الاختفاء والاعتقال القسري في سجون هيئة تحرير الشام،  منذ شباط/ فبراير 2012، وحتى آذار/ مارس الماضي.

وخلال شهر تموز/ يوليو المنصرم فقط، احتجزت الهيئة تسعة مدنيين بشكل تعسفي، بحسب التقرير.

وقالت نور الخطيب مديرة قسم المعتقلين في الشبكة لنورث برس، إنهم وثقوا خلال النصف الأول من العام الحالي، 57 حالة اعتقال على يد تحرير الشام.

وبحسب “الخطيب”، يتولى الجهاز الأمني التابع للهيئة عمليات الاعتقال والتحقيق والتعذيب ضمن مراكز احتجاز سرية يُشرف عليها.

ولا يستطيع القضاء التدخل في هذه العمليات أو معرفة مصير المعتقلين لدى الجهاز الأمني، إلا في حال قام الجهاز الأمني بنقل المعتقل للقضاء لمحاكمته، بحسب “الخطيب”.

وأحصت الشبكة وجود مالا يقل عن ٣٦ مركز احتجاز تابع لهيئة تحرير الشام، خرج عدد منها عن سيطرتها أثناء العمليات العسكرية لقوات الحكومة على مناطق في ريفي إدلب وحلب الغربي.

ومطلع الشهر الجاري، اعتقلت الهيئة، الناشط الإعلامي أدهم دشرني، من أبناء بلدة تفتناز شرقي إدلب وزجته، لعدة أيام، بسبب كتابة منشور على صفحات التواصل الاجتماعي.

وانتقد “دشرني” في منشوره عدم تحرك الفصائل العسكرية في الشمال السوري، “لـنصرة درعا، كما استهزأ بقرار منع دخول الملوخية من ريف حلب إلى إدلب”.

وقبلها بأيام أقدمت الهيئة على تهديده المعلم المدرسي معمر حاج حمدان، وهو من أبناء مدينة بنش شرقي إدلب أيضاً، ومن ثم اعتقاله بسبب منشورات له على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، انتقد فيها الفصائل المتشددة.

وتورد العديد من التقارير الصادرة عن منظمات وهيئات دولية ومحلية، قيام هيئة تحرير الشام، باعتقال الناشطين والإعلاميين والمدنيين المناهضين لها، أو المنتقدين لسياستها ولسياسة حكومة “الإنقاذ” التابعة لها.

وفي شهر آذار/ مارس الماضي، اعتقلت الهيئة سياسيين وصحفيين بينهم عضو في الائتلاف الوطني المعارض.

كما واعتقلت الهيئة العديد من الإعلاميين، وضيقت على العمل الصحافي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

في حين نفى زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، خلال لقاءه مع الصحفي الأميركي “مارتن سميث” في شباط/فبراير الماضي، اتهام الهيئة باعتقال منتقديها وتعذيبهم في السجون، وقال إن “فصيله يعتقل فقط عملاء النظام والروس وخلايا داعش”.

ولكن الناشط “الخالدي”، قال إن سجون تحرير الشام مليئة بالمدنيين والناشطين الذين قامت الهيئة بتلفيق تهم لهم، خاصةً الأشخاص الذين ينتقدونها بشكلٍ دائم، ولا تتوافق وجهات نظرهم مع وجهات نظرها.

وبحسب الناشط، فإن الهيئة تسعى من خلال اعتقال هؤلاء لأن تكون السلطة الأقوى في المنطقة، “حيث باتت هي القاضي والحاكم والجلاد والمدعي”.

اعتقال تعسفي وتعذيب

وأشار “الخالدي”، إلى استخدام الهيئة أساليب “تعذيب قاسية” بحق الأشخاص الذين يقبعون في سجونها، مثل الكهرباء والكي بالنار وغيرها من الأساليب.

“تلك الأساليب لم نكن نسمع بها إلا من الأشخاص الناجين من سجون النظام السوري”.

وبحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد قتل ما لا يقلّ عن 28 شخصاً بينهم طفلان في مراكز الاحتجاز التابعة للهيئة منذ الإعلان عن تأسيسها مطلع عام 2012 حتى حزيران/ يونيو 2021.

وتقول سمر الأحمد وهو اسم مستعار لزوجة أحد الناشطين الإعلاميين المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام، لنورث برس، إن الهيئة اعتقلت زوجها قبل نحو خمسة أشهر دون توجيه أي تهمة له.

وتضيف المرأة: “لمدة أسبوع لا نعلم أين هو أو ما هي تهمته”.

لكن بعد الضجة الإعلامية التي حصلت حول اعتقاله، وجهت الهيئة للناشط، تهمة التخابر مع التحالف الدولي، من خلال تصوير مواقع ومقرات للهيئة، إضافةً إلى اتهامه بعدة جرائم قتل لأشخاص “لم أسمع بهم طيلة حياتي”.

ورغم مضي أكثر من أربعة أشهر على اعتقال زوج “الأحمد” إلا إنها إلى الآن لم تتمكن من معرفة مصيره.

ولم تتمكن الهيئة من إثبات أي تهمة من التهم الموجهة له، كما وتمنع عائلته من لقائه ورؤيته.

ومنذ أكثر من شهرين، اُعتقل محمود العمري (45 عاماً)، وهو من سكان مدينة إدلب، بعد مشادة كلامية جرت بينه وبين عنصر من تحرير الشام على حاجز شمالي مدينة إدلب.

 ويقول ماهر العمري، وهو ابن المعتقل، إن “عناصر الحاجز قاموا بإيقاف والده وشتمه وإهانته أمام والدته وأخته، واقتياده إلى مكان مجهول، بسبب رفضه تفتيش سيارته لوجد نساء فيها.

ويشير إلى أنهم وحتى هذا اليوم لم يتمكنوا من رؤيته رغم تقديمهم عشرات المطالب والشكاوى لإدارة الحواجز التابعة لهيئة تحرير الشام.

ويتساءل، “يا ترى ما هو الذنب الذي اقترفه والدي حتى يسجن كل هذه الفترة؟”.

إعداد وتحرير: حسن عبدالله