القامشلي ـ نورث برس
طرحت عودة العلاقات بين تركيا والإمارات، تساؤلات حول مدى انعكاسها على علاقات أنقرة بدمشق وعلاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين.
وفي الرابع والعشرين من هذا الشهر، زار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، تركيا، بعد سنوات من القطيعة، والتقى بالرئيس رجب طيب أردوغان، بعد دعوة وجهها الأخير له.
وتأتي هذه الزيارة، بعد أسبوعين تقريباً من زيارة، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات، قام بها وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى دمشق التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد.
وتركيا والإمارات على طرفي نقيض في سوريا، فبينما تدعم تركيا فصائل معارضة مسلحة في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، تدعم الإمارات التدخل العسكري الروسي في سوريا والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي للبلاد.
وفي عام 2015، عارضت الإمارات طلباً سعودياً، قُدم من قبل سبع دول هي السعودية وقطر وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في سوريا.
وفي عام 2020، قدمت الإمارات مبادرة حول العملية السياسية في سوريا وإشراك الكرد فيها.
وتستوجب المبادرة إعادة رسم الخريطة الميدانية في إدلب والسيطرة على الطريقين الدوليين “إم 4” و”إم 5″، وسحب البساط من تحت تركيا في المنطقة.
كما تنص على فتح معبر “نصيب” الحدودي بين سوريا والأردن بشكل جدي، وتنشيط ميناءي “اللاذقية” و”طرطوس”، مقابل محاولة الإمارات إرجاء العمل بقانون “قيصر” الأميركي، أو تخفيف قيوده على الأقل لفترة تجريبية.
وفعلاً، وفي آب/ أغسطس الماضي، بدأ التشغيل الكامل لمعبر جابر ـ نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، بعد عودة العلاقات بين البلدين.
وقبل أيام، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في إشعار على موقعها الإلكتروني أن الولايات المتحدة عدلت القواعد المتعلقة بالعقوبات المتعلقة بسوريا “لتوسيع التفويض الحالي المتعلق بأنشطة معينة لمنظمات غير حكومية (NGO) في سوريا”.
بداية الخلاف ومراحله
وظهر الخلاف والقطيعة بين الإمارات وتركيا، للعلن، مع تدخل الجيش المصري لإقصاء الرئيس المصري الراحل المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.
وفي أعقاب الإطاحة بمرسي عام 2013 اتهم الإعلام المقرب من جماعة الإخوان المسلمين المصرية الإمارات العربية المتحدة بدعم القوى المناهضة لحكمها.
ووقفت السعودية والإمارات والبحرين بقوة إلى جانب الجيش المصري وقدمت لمصر مساعدات مالية بمليارات الدولارات، وما لبثت الدول الخليجية الثلاث أن قامت بتصنيف الجماعة في خانة المنظمات “الإرهابية”.
من جهتها وقفت تركيا ضد خطوة الجيش المصري وانتقدت بقوة ما جرى في مصر ووصفته بالانقلاب على الشرعية والرئيس الشرعي.
وشكلت تركيا وقطر جبهة معارضة لما جرى في مصر. وزادت حدة التوتر والقطيعة بعد محاولة الانقلاب في تركيا 2016، والاتهامات التي وجهتها أنقرة لأبو ظبي في “سعيها لإثارة البلبلة وزرع الفتنة في تركيا”، بحسب تصريح لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو في شباط/ فبراير 2020.
وما عودة العلاقات التركية الإماراتية، إلا نتيجة لسياسة خطوات متدرجة انتهجتها تركيا خلال الأشهر الماضية لتطبيع العلاقات خاصة بعد القمة الخليجية في السعودية.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أصدرت الحكومتان المصرية والتركية بياناً مشتركاً في ختام مباحثات بشأن تطبيع العلاقات التي طغى عليها التوتر في السنوات الماضية.
وأشار البيان إلى أن وفدي الجانبين بحثا قضايا ثنائية فضلًا عن عدد من الموضوعات الإقليمية، مثل الوضع في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين وشرق المتوسط.
وفي أيار/ مايو الماضي، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو زيارة للسعودية وعقد لقاءً مع نظيره السعودي، غير أن استمرار السعودية في مقاطعة المنتجات التركية يُظهِر أنه من الصعب تطبيع العلاقات بين البلدين بشكل كامل على المدى القصير.
وجاء التقارب التركي مع السعودية بعد القمة الخليجية الـ41 التي انعقدت في مدينة العلا بالسعودية.
ومن مخرجات القمة، عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وقطر”.
وشدد البيان الختامي للقمة الخليجية، على مواقفه وقراراته الثابتة بشأن “الأزمة السورية” والحل السياسي على مبادئ جنيف (1) وقرار مجلس الأمن 2254.
اقتصاد ومصالح أساس السياسة
جاءت دعوة أردوغان لنظيره الإماراتي لزيارة تركيا، في وقت تعاني فيه تركيا من أزمة اقتصادية وانهيارٍ في قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.
وبالنسبة للإمارات، فهي تبحث، بحسب تقارير صحفية، عن دخل غير نفطي مع انخفاض أسعار النفط، لذلك تبدو اليوم بأمس الحاجة إلى موطئ قدم قوي ومستقر للاستثمار في العالم، وإلى شركاء تجاريين أقوياء قادرين على دعم خططها بالنمو الاقتصادي.
وخسرت أسعار النفط عشرة دولارات، الجمعة، مسجلة أكبر تراجع في يوم واحد منذ نيسان/ أبريل 2020، بعدما أثار اكتشاف سلالة جديدة من فيروس كورونا قلق المستثمرين وعزز المخاوف من تضخم فائض المعروض العالمي في الربع الأول من العام المقبل.
وانخفض النفط مع أسواق الأسهم العالمية بفعل مخاوف من أن تؤدي السلالة الجديدة، إلى تقويض النمو الاقتصادي والطلب على الوقود.
وأعلن السفير التركي لدى أبو ظبي، توجاي تونشير، خلال مشاركة تركيا في معرض “إكسبو 2020 دبي” عن أن حجم التجارة بين تركيا والإمارات بلغ 8.5 مليار دولار.
وأشار إلى أن الأشهر الستة الأولى من العام الحالي شهدت نمواً في حركة التجارة يقارب الـ100%.
من جهته، قال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، إن الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وتركيا تشهد تطوراً مستمراً.
وأشار إلى أن التبادل التجاري بين البلدين قفز بنسبة 100% في النصف الأول من العام الحالي.
ويرى مراقبون أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قد تكون سبباً رئيسياً لإدارة الخلافات في القضايا الإقليمية، وعلى وجه الخصوص سوريا.
خاصة في ظل وجهات النظر المتباينة بين تركيا والإمارات، في مسألة تعويم الأسد، حيث ترحب بذلك أبو ظبي، بينما لا تزال أنقرة مترددة.
تعبيد الطريق لعودة دمشق للجامعة
وكثر الحديث، مؤخراً، لدى دول عربية عن نيتها وسعيها لإعادة سوريا للجامعة العربية.
وعلّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، عضوية سوريا في الجامعة العربية، إثر اندلاع الحرب في البلاد.
لكن المرحلة الحالية في سوريا على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية تجاوزت الظروف التي برزت عام 2011، مما دفع العديد من الدول على رأسها الإمارات والجزائر والأردن والعراق إلى تبني عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر منذ عقد.
وكانت الجزائر على رأس المتحفظين على قرار تجميد عضوية سوريا، وبعد تولي عبد المجيد تبون الرئاسة دافع عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
ودعا عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي إلى عودة سوريا لمحيطها العربي.
وقال بن زايد في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في أبوظبي في آذار/ مارس الماضي، إن التعاون الإقليمي ضروري لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها.
واعتبر محللون، هذه الخطوات، مؤشراً قوياً على عودة سوريا للجامعة العربية وخطوة ضرورية لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي أضرّت بالملف السوري.
ومن هذا المنطلق، تتخوف تركيا من فقدان كل أهدافها وتطلعاتها في سوريا وتضارب مصالحها، ولذلك توجهت للإمارات، التي انفتحت في سياستها الخارجية نحو تصفير المشكلات وتهدئة النزاعات الإقليمية.
وفي أروقة السياسة التركية، يدور حديث عن تحضيرات لعقد صفقة استراتيجية ومصيرية بين أنقرة ودمشق بإدارة من روسيا.
وفي الرابع من أيلول/ سبتمبر الماضي، تحدثت صحيفة “غازاتاسي” التركية (مقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم)، عن لقاء مرتقب في بغداد، بين رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، ومدير مكتب “الأمن الوطني”، اللواء علي مملوك.
ووصف رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية الأسبق، إسماعيل حقي بكين، اللقاء الذي سيعقد في بغداد بأنه بداية لمرحلة جديدة.
وكان مملوك وفيدان التقيا في العاصمة الروسية موسكو للمرة الأولى منذ عام 2011، في كانون الثاني/ يناير 2020، وتباحثا في أمور عدة أهمها الوجود التركي في سوريا، ولم يعلّق الجانب التركي على هذا اللقاء.
وقبل أيام، زار وفد سوري يمثّل وزارة الداخلية السورية تركيا في إطار مشاركته في الاجتماعات الدورية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، التي انعقدت في إسطنبول.
وجاءت الزيارة بعد الحديث عن قرب عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق، “مع اعتراف أنقرة على لسان كبار مسؤوليها بأن التواصل مع دمشق استخباراتيًا ما زال مستمراً”، بحسب تصريحات سابقة.