“عائلات داعش” من مخيم الهول إلى التخوف من عدم الاندماج والخروج عن السرب

الرقة – نورث برس

تسكن عائشة محمد (37 عاماً) مع أطفالها الأربعة وابنتها الكبرى وطفلين لها، في منزل من غرفتين في حي الأكراد في الجهة الشمالية لمدينة الرقة، شمالي سوريا، منذ قرابة 14 شهراً محاولة الاندماج في الحياة الاجتماعية هنا بعد خروجها من مخيم الهول بوساطة شيوخ عشائر.

وتحاول “محمد” المتحدرة من المدينة نسج علاقات اجتماعية مجدداً مع جيرانها ومحيطها، بعد خروجها من المخيم الذي ساقها إليه زواجها من أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والذي لقي حتفه في آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي.

ووافقت “محمد” أخيراً على مقابلة بعد محاولات عديدة من التواصل أجراها فريق نورث برس، إلا أن ابنتها التي كانت متزوجة أيضاً من أحد مقاتلي “داعش” والذي قتل في المعارك، رفضت إجراء مقابلة معها.

ورفضت عائلات أخرى خرجت من المخيم وتسكن في منطقة العكيرشي في الريف الجنوبي للرقة، إجراء مقابلات صحفية.

تجاوز مخاوف

وقالت “محمد” إنها واجهت بعد خروجها من مخيم “الهول” عوائق عندما قررت الاندماج في المجتمع، حيث “كان الجوار يخشى الاختلاط بنا، لأننا عوائل عناصر التنظيم، لكن ذلك تغير بعد أن عرفوا أننا طبيعيون في تعاملنا”.

واعتبرت “محمد” أن قرار إرسال أطفالها للتعلم على يد معلمة في الحي، هي أولى الخطوات للاندماج في المجتمع بدءاَ من تعليم الأطفال القراءة والكتابة والاختلاط مع أطفال الحي.

وبلغ عدد العائلات الخارجة من مخيم “الهول” أكثر من ألف عائلة، تضم نحو أربعة آلاف شخص، خرجوا بعد مبادرة لمجلس سوريا الديمقراطية والتي أطلقها لإخراج السوريين المقيمين في المخيم.

وأثناء اشتداد المعارك لطرد مسلحي التنظيم أواخر العام 2017، خرجت “محمد” رفقة زوجها من مدينة الرقة باتجاه الشرق، إلى أن وصلت إلى بلدة الباغوز آخر معاقل التنظيم شرقي البلاد.

ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الفائت وحتى الآن، خرجت 17 دفعة، بعد أن قرر المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية إفراغ مخيم الهول من العائلات السورية الراغبة بالخروج.

ويُعرف مخيم الهول، بـ”القنبلة الموقوتة” نظراً لوجود متشددين من زوجات وأبناء عناصر تنظيم “داعش”، وعشرات الآلاف من مناصريه ضمن مخيم يوصف بـ”الأخطر عالمياً”.

بلا معيل

ولم تتلق العائلة أي دعم يذكر من أي من المنظمات التي تقدم الدعم الإغاثي أو من الجهات المسؤولة، كما أن الأقارب لم يهتموا بحالهم، وفق ما تقول المرأة.

وبالإضافة لزوجها وصهرها الذين قُتلا في صفوف “داعش”، لدى المرأة ابن معتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية لأنه كان عنصراً للتنظيم أيضاً.

تقول إن ابنها الذي يبلغ الآن 19 عاماً خطط ذات مرة لهروبهم من “الإخوان” في إشارة لمسلحي التنظيم الذين كانوا يرفضون توجه أي عائلة “لأراضي الكفر”.

لكن الابن أصيب أثناء محاولته الفرار إلى تركيا، “كان يريد الهرب حتى من والده الذي ورّطه مع التنظيم”.

ولا يختلف حال البنت البالغة (٢١ عاماً)، والتي أنجبت طفلين من زوجها المنتسب في صفوف “داعش”، والذي لقى حتفه عام ٢٠١٧ خلال طرد مسلحي التنظيم من الرقة على يد قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي، فانتهى بهم الحال في مخيم الهول قبل أن يخرجوا بكفالة عشائرية.

ويقع مخيم الهول بالقرب من الحدود السورية العراقية على المشارف الجنوبية لبلدة الهول بريف الحسكة.

ويبلغ عدد سكان مخيم الهول 64.373 شخصاً، بينهم 9.544 من زوجات وأطفال مقاتلي تنظيم “داعش” الأجانب.

وبالإضافة لإخراج العائلات السورية، أجرت الإدارة الذاتية عمليات نقل لتخفيف الضغط عن المخيم وإبعاد عائلات عن تأثير المتشددات في قسم المهاجرات (الأجنبيات)، بحسب إدارة المخيم.

تحسن في العلاقات

وقالت زهيا العلي (45 عاماً)، وهي امرأة أخرى خارجة من مخيم الهول وأم لستة أطفال، في تصريح صوتي بعد رفضها التصوير بسبب معتقداتها، إن سكاناً في الرقة امتنعوا عن مخالطتها وأطفالها بسبب النظر إليها على أنها ما زالت مرتبطة بالتنظيم المتشدد.

و “العلي” هي زوجة عنصر في تنظيم “داعش” كان قد قتل في معارك الرقة عام 2017.

تضيف لنورث برس أن التزامها هي وأطفالها المنزل وعدم تسببهم بأي مشكلات في الحي، جعل غالبية السكان لاحقاً يتقبلونها رويداً رويداً حتى صار الاختلاط اعتيادياً.

 وطرحت منظمة “سارا” وهيئات نسائية تابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، خططاً وبرامجاً خاصة لتأهيل نساء عشن فترة سيطرة التنظيم في الرقة وريف دير الزور.

وتشمل تلك البرامج “إعادة دمجهنّ في المجتمع وتخليصهن من أفكارٍ التشدد والتطرف والعنف”، بحسب تصريح سابق لمنظمة “سارا”.

وتعمل “العلي” حالياً في خياطة الملابس النسائية، وتحاول تأمين مستلزمات أطفالها ودمجهم في المجتمع ومحاولة التخلص من أعباء فترة عاشوها مع أفكار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

عقبات وتنمر

وقالت ابتسام الحمادي (29 عاماً)، في تصريح صوتي بعد رفضها التصوير “لأسباب خاصة بها”، إن أطفالها واجهوا في المدرسة “ممارسات وألفاظاً تعبر عن رفض المجتمع لهم على أنهم أبناء مقاتل سابق في التنظيم”.

ويقضي زوج “الحمادي” فترة محاكمة، بعد أن ألقت قوات سوريا الديمقراطية القبض عليه في بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي.

واعتبرت “الحمادي” أنها واجهت “واقعاً صعباً مع أطفالها”، بعد أن رفضها وامتنع عن مخالطتها أقرب ذويها.

تقول إنهم حمّلوها ذنب زوجها “الذي كان أميراً (قيادي في داعش)، بالرغم من اعتقاله قبل سنوات.

 وأشارت “الحمادي”، إلى أن منعها إرسال أطفالها إلى المدرسة وإجبارهم على المكوث في المنزل نتيجة تعرضهم لتنمر مستمر من قبل زملائهم، ما حال دون اندماجهم بالشكل الذي ترغب به الأم لأطفالها.

غياب مساعدات

وتشتكي معظم النساء في العائلات الخارجة من مخيم “الهول” والمستقرة في الرقة وأريافها من انعدام الدخل أو عدم كفايته، وغياب المساعدات الإغاثية.

ويتابع كل شيخ أو وجيه عشيرة صلاحية من كفلهم من أبناء عشيرته ومتابعة أمورهم على المدى البعيد حتى اندماجهم ضمن المجتمع.

وقال محمد تركي السوعان، وهو شيخ لعشيرة السبخة كان قد كفل 50 عائلة خرجت من مخيم الهول تجاه الرقة، إن هذه العائلات “ليس لها مشكلات”.

وأضاف أن عائلة وحيدة من بينها رفضت مقابلته للحديث عن أوضاعها، “هي حالة استثنائية لكن لا مشاكل ما عدا التدهور المعيشي”.

وفي وقت سابق، دعا قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي التحالف الدولي لمحاربة “داعش” لمساعدة هؤلاء الأشخاص ودعم برامج التعليم ومكافحة التطرف، وكذلك دعم الاستقرار والإنعاش الاقتصادي في شمال شرقي سوريا لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف.

وطالب “السوعان” منظمات إغاثية بمساعدة هذه العائلات لأن معظمها الآن بلا معيل.

وقال إن الظروف المعيشية الصعبة وحدها قد تدفعهم للتطرف من جديد.

إعداد: عمار حيدر- تحرير زانا العلي