إدلب – نورث برس
لم تكتمل سعادة علا المحمود (اسم مستعار)، وهي من سكان مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، بحصولها على حريتها بعد خروجها من معتقلات الحكومة السورية، حتى وقع عليها خبر طلاقها كالصاعقة لتتلقاه بدموعها.
وتجد بعض النساء في إدلب، ممن تم اعتقالهن من قبل القوات الحكومية، أنفسهن منبوذات من عائلاتهن ومجتمعهن بعد الحصول على حريتهن.
وقد تخسر المعتقلات السابقات مصادر كسبهن أو أطفالهن، إلى جانب اتهامهن بجلب العار لعائلاتهن، وذلك بسبب التفكير السائد بأن “النظام السوري” يعرض النساء المعتقلات للاغتصاب في السجون بهدف إشاعة الذعر بين المجتمع خارجه.
تعذيب خارج الأسوار
و”علا” التي تبلغ (35 عاماً) هي أم لثلاثة أبناء، أصغرهم يبلغ أربعة أعوام، كتبت النجاة لها ﺑﻌﺪ ﻇﺮﻭﻑ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺍﻟﻘﺴﻮﺓ ﻭﺍجهتها ﺧﻼﻝ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﻝ نهاية العام الفائت، لكنها تعتقد الآن أن نظرة المجتمع بعد الخروج لا تقل قسوة عن أسوار السجن وغرف التعذيب .
وكانت المرأة قد اعتقلت في مدينة حماة أثناء ذهابها لاستخراج وثيقة جواز سفر، بينما تتعرض أخريات للأمر ذاته أثناء زيارة أقاربهن في مناطق سيطرة الحكومة أو خلال تسيير معاملات تقتضي مراجعة الدوائر الرسمية الحكومية كمعاملات الزواج والإرث والبيع والشراء.
وواجهت “علا” أثناء اعتقالها تهمة “التعامل مع الإرهابيين”، لأن أخاها قاتل ضمن صفوف “الجيش الحر”.
تقول لنورث برس: “في نهاية كل تحقيق كان الضابط يضربني ويشتمني بأبشع الألفاظ ويردد: لن تخرجي من هنا حتى أستلم أخاك بدلاً عنك.”
واضطرت والدة علا لبيع منزلها الذي لا تملك سواه لدفع مبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية لأحد المحامين كي يتمكن من إطلاق سراحها عبر رشوة بعض المسؤولين عن التحقيق والاعتقال.
وخرجت المرأة بعد ستة أشهر من الاعتقال لتتفاجأ بطلاقها وحرمانها من أولادها، فقد اصطحبهم والدهم مع زوجته الثانية وهاجر إلى أوربا.
ولم يتوقف الأمر عند الزوج الذي تقول إنها كانت تحسبه “أقرب الناس”، بل إن كل شيء قد تغير من حولها، “فنظرة الناس تملؤها الشفقة الممزوجة باللوم، وحتى صديقاتي يتحاشين مقابلتي.”
تضيف المرأة: “ﻟﻘﺪ اعتبر ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اعتقالنا ذنباً لنا وﻋﺎﺭاً، وفضّل أن يحمّلنا مسؤولية الانتهاكات التي ارتكبها النظام بحقنا .”
ضغوط وخسارة أحلام
أما ريم (22 عاماً) ، وهي طالبة جامعية متحدرة من معرة النعمان جنوب إدلب ورفضت كشف اسمها الكامل، فقد تخلى أهلها عنها بعد خروجها من السجن.
وأجبرتها العائلة على السفر إلى تركيا لتقيم مع عائلة أختها، “للتخلص من وصمة العار، وتجنب أسئلة الناس والأقارب عما إذا كانت ابنتهم قد تعرضت للاغتصاب داخل السجن.”
اقرأ ايضا: النساء في إدلب.. ضحايا انتهاكات الفصائل والعنف الأسري
تقول ريم: “كنت أرغب في إنهاء دراستي الجامعية في مدينة حلب رغم خوف أهلي المستمر علي، إلى أن تحطم حلمي.”
واقتحم عناصر أمن من القوات الحكومية السكن الجامعي بحلب في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018 للقبض على ريم وإيداعها السجن، بتهمة الخروج في مظاهرات مناوئة للحكومة في مدينة معرة النعمان، بحسب ما تروي الفتاة.
كما اتُّهمت بالمشاركة في الأعمال الإغاثية، لتقضي في السجن مدة سنة وشهر واحد، “تعرضت خلالها لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من ضرب وشبح وحرق بالسجائر وصعق بالكهرباء .”
تضيف الفتاة لنورث برس: “أكثر ما كان يؤلمني داخل السجن هو التفكير بأهلي، وخاصة أمي المريضة كيف ستحتمل خبر اعتقالي، وأبي الذي سيشعر بالذل أمام الناس.”
تجربة الاعتقال جعلت ريم تخسر أهلها ودراستها، “وخسرتُ أيضاً المصالحة مع نفسي لأعيش حبيسة ذكريات مؤلمة وضغوط نفسية.”
أقسى من السجن
وتختلف نظرة المجتمع للمرأة المعتقلة عن نظرته للرجل الناجي من الاعتقال، لدرجة أن معاناة المرأة الناجية بسبب المجتمع في الخارج قد تكون أشد قسوة من السجن ذاته.
واعتبرت غادة السرجاوي (33عاماً)، وهي مرشدة نفسية من مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، أن الاعتقال من أقسى الجرائم وأكثرها تسبباً بالضغط النفسي.
اقرأ ايضا: نشر عن انتهاكاتها و سجونها السرية.. “هيئة تحرير الشام” تعتقل صحفياً أمريكياً شمالي إدلب
“لأن القائمين على السجون السورية يتفننون في تعذيب ضحاياهم لإحداث ترويع داخل السجون وخارجها.”
وتشدد “السرجاوي” على أن الناجيات يحتجن إلى عدة خدمات نفسية واجتماعية، كالتدريب على مهنة يشعرن معها بالاستقلال المادي، إلى جانب الحاجة للمؤازرة والدعم من المجتمع المحيط، “ليستطعن البدء بحياة جديدة وتجاوز ما مررن به.”
وتحتاج الناجيات من معتقلات الحكومة السورية لخدمات طبية نفسية وجسدية أيضاً، “لأن أغلبهن خرجن من المعتقل مع إصابات بأمراض مثل السكري وضغط الدم وأمراض كلى وأمراض عصبية”، بحسب “السرجاوي”.