المخيمات العشوائية في الرقة.. استيلاء على أملاك خاصة وشكاوى وحلول دون مجيب
زانا العلي – الرقة
يتردد علي بمطالبة مجلس الرقة المدني بترحيل النازحين المقيمين في أرضه، بسبب الأعراف والعادات في الرقة، لكنه في الوقت ذاته يحتاج لتلك القطعة من الأرض ليستفيد منها سواء في الزراعة أو البناء.
وبعد أربع سنوات من الانتظار يطالب علي الحسن، من مزرعة تشرين 30 كم، شمالي الرقة، بترحيل نازحين من أرضه، كانوا فروا إليها من مناطق عدة على وقع المعارك بين أطراف مختلفة من النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011.
يملك الرجل 700 دونم تقع على الطرف الغربي من الطريق الواصل بين الرقة وعين عيسى عند مزرعة الحكومية، توجد فيها عشرات الخيم لنازحين غالبيتهم من حمص وحماة ودير الزور وتل أبيض.
يقول “الحسن” وهو شاب في الثلاثينات من عمره: “منذ عام 2019 توجد عشرات الخيم لنازحين في أرضنا لا نستطيع العمار فيها أو زراعتها، وخاصة أن الأرض تقع على الطريق الرئيسي”.
وتنتشر المخيمات على جانبي الطرق الرئيسية وبين الأراضي الزراعية بشكل عشوائي. يعيش ساكنوها ظروفاً إنسانية صعبة، وسط تراجع الدعم الذي كان يصل إلى المنطقة منذ إغلاق طريق المساعدات العابرة للحدود قبل ما يقارب أربع سنوات.
وتوقف الدعم المقدم من الأمم المتحدة عن شمال شرقي سوريا في العام 2020، بعد فيتو روسي أغلق بسببه معبر اليعربية، الوقع بين مدينة اليعربية في القامشلي، ومدينة ربيعة العراقية في إقليم كردستان العراق.
يقول “الحسن” لنورث برس: “نعرف معاناة النازحين لأننا عشنا مرارة النزوح ولكن صبرنا عليهم أربع سنوات، يجب على الإدارة أن تبحث عن حلول لهذه الخيم وترحيلها من أراضينا، لأننا بحاجة إليها”.
شكاوى
ينتشر على أطراف سكة القطار المدمرة التي لا يتجاوز عرضها 100 متر، في الجهة الغربية من مدينة الرقة، مخيم عشوائي بطول أكثر من 5 كيلومتر، يقع وسط الأراضي الزراعية، تمر بجانبه قناة للري. غالبية النازحين المقيمين فيه من دير الزور وحماة وحمص.
قدم أصحاب الأملاك الخاصة في الرقة شكاوى مرفقة ببيانات القيد العقاري للأراضي، إلى الإدارة الذاتية لترحيل النازحين منها، ولكن لا استجابة لمطالبهم.
واطلعت نورث برس على شكاوي أصحاب الأملاك وثبوتيات ملكيتهم للعقارات التي تتواجد فيها الخيم العشوائية.
يقول مصطفى عبدي، وهو وجيه عشيرة غانم الضاهر، وصاحب أرض بجانب سكة القطار، “لا نستطيع أن نزرع أراضينا بالبساتين والخضروات بسبب التعديات المتكررة على الأراضي”.
وقدم “عبدي” شكوى إلى مجلس الرقة المدني نيابة عنه وعن أقرانه، لترحيل المخيمات العشوائية من ضمن الأراضي الزراعية، ولكن دون جدوى.
ويطالب عبدي كسابقه الإدارة الذاتية بالبحث عن حلول لمعضلة المخيمات العشوائية في أرياف المدينة.
ويبلغ عدد المخيمات العشوائية في الرقة 53 مخيماً، فيها أكثر من 150 ألف شخص، منهم 76.775 سيدة و60.398 طفل، بحسب إحصائية حصلت عليها نورث برس من مجلس الرقة المدني.
البحث عن مأوى
في مخيم الحكومية تعيش مريم الخليل، المنحدرة من تل أبيض الجنوبي، في خيمة مصنوعة من القماش والقصب، بداخلها مدفأة حطب وسجادتين بكل طرف يتوسطها أرض خاوية.
تسكن المرأة مع ستة من أولادها، أكبرهم في السادسة عشر من عمره، بينما زوجها عاجز عن العمل بسبب إجراءه عملية في عموده الفقري. تعمل المرأة رفقة أطفالها في المياومة بالأراضي الزراعية.
منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وجراء عملية عسكرية تركية على تل أبيض وسري كانيه، نزحت “الخليل” من ديارها في قرية علي باجلية بريف تل ابيض الجنوبي، تقول النازحة إن “مخيم تل السمن المخصص لنازحي تل أبيض لا يستقبلنا بسبب عدم استيعابه للنازحين”.
وفي تصريحات سابقة، لنورث برس، قالت إدارة مخيم تل السمن لنازحي تل أبيض، الذي يقطن فيه، 6855 شخصاً موزعين على 1387 خيمة، إنه لا قدرة للمخيم على استيعاب مزيد من النازحين.
وفي التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019 اجتاحت تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها، مناطق تل أبيض، سري كانيه/رأس العين، تسببت بتهجير أكثر من 300ألف من السكان.
بالعودة إلى “الخليل” تطالب المرأة بتوفير مأوى لها وعائلتها، يشمل جميع الخدمات، “ليس لدينا مشكلة في الانتقال إلى مخيم نظامي”.
ويتردد معظم النازحين في المخيمات العشوائية في أرياف الرقة في الرحيل إلى النظامية، “خشية من قلة الدعم المقدم لهم من المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة”.
“عقبة”
قال جهاد حسن الرئيس المشارك للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل، إن المخيمات العشوائية عبء كبيرة على الإدارة الذاتية بسبب تواجدها بالمناطق الأثرية وأطراف المناطق التي خصصت كمكب للنفايات، والمعضلة الأكبر أن غالبية هذه المخيمات في أملاك خاصة.
وبناءً على عشرات الشكاوى المقدمة إلى مكتب المخيمات من قبل أصحاب الأراضي التي توجد عليها مخيمات منذ ما يقارب ست سنوات، ونظراً لتشخيص الواقع وخاصة أن هناك آلاف الأطفال محرومين من المدارس “لذا وضعنا خطة لتنظيم الحالة العشوائية لهذه المخيمات”. وفقاً لـ”حسن”.
وحدد مجلس الرقة المدني، أربع نقاط رئيسية لتأسيس مخيمات فيها، عبر دمج 53 مخيماً عشوائياً وهي في مناطق العدنانية البيزار السلحبية الغربية ومنطقة الرحيات، وبحسب المسؤول، فإن المناطق المذكورة هي أملاك عامة وقريبة من قنوات الري ومتاخمة للأراضي الزراعية من أجل توفير فرص العمل للمقيمين في المخيمات.
وفي الوقت الحالي، بحسب “حسن”، “دمجنا 3 مخيمات عشوائية من أصل 8، ضمن خطة دمجهم، بمخيم واحد في منطقة العدنانية شمال غربي الرقة، يبلغ عدد العوائل فيه أكثر من 400 عائلة، بينما المناطق الأخرى لا تزال قيد الدراسة”.
ويعرب المسؤول عن أسفه من عدم تجاوب الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية معهم، لدعم مخيم العدنانية “في وقت لا تستطيع الإدارة تحمل كافة المسؤولية تجاه دعم الحجم الهائل من المخيمات في المنطقة.
وبحسب معلومات حصل عليها مُعد التقرير، فإن السبب الرئيسي لعدم تقديم الدعم من قبل المنظمات الإنسانية لمشروع المخيمات الجديدة، الذي يتشكل من المخيمات العشوائية في الرقة، هو أن “الجهات المعنية بالدعم لا تقدم أي مساعدة للمخيمات الجديدة باستثناء التي يتم تأسيسها نتيجة موجات نزوح جديدة، يكون سببها الحرب أو الاعتداءات”.
وتدعم المنظمات مخيمات عشوائية في المنطقة، الأمر الذي يتسبب ببقائها في أملاك خاصة وبشكل عشوائي، في وقت تدعي فيه الجهات الداعمة قلة الدعم لسوريا وعدم القدرة على دعم المخيمات التي يتم تأسيسها مجدداً.
ووفقاً للمعلومات، إن لدى الجهات الداعمة معلومات عن المنطقة مستندة إلى تقارير المنظمات العاملة في الرقة، تفيد بأنه لا يوجد مأوى مناسب ولا مكان للصرف الصحي والمياه وحتى فرص العمل للنازحين المقيمين في مخيم العدنانية، الأمر الذي يعرقل آلية دعمه.
وتشير المعلومات إلى أن الدعم المقدم للمخيمات العشوائية في الرقة، هو عبارة عن مشاريع سابقة تمت الموافقة عليها، محدد فيها المكان والزمان، لتقديم الدعم. ويصعب نقل هذا الدعم إلى مكان أو مخيم آخر.
وفي الرقة أكثر من 550 موقع أثري في المدينة والريف تعرضت أغلب المواقع المتواجدة في الريف إلى تعديات من تجريف الأتربة وأعمال الحفر السرية.
ويقول ياسر العبد الله نائب مكتب الآثار في مجلس الرقة المدني إن من ضمن المواقع الأثرية المهمة في ريف الرقة وهو مدينة توتل تل البيعة شرقي الرقة، “تعرض لأعمال تخريب وموقع “هرقله” غربي المدينة، إضافة إلى عشرات المواقع الأخرى، نتيجة تواجد المخيمات العشوائية على أطرافها”.
ويضيف “العبد الله” لنورث برس: “نحاول قدر الإمكان حماية المواقع الأثرية، ورفعنا عدة شكاوي وكتب رسمية إلى الجهات المعنية ولجنة الشؤون الاجتماعية والعمل، لإزالة المخيمات العشوائية على اطراف المواقع الأثرية”.