انهيار الليرة يجبر ذوي دخل محدود في الحسكة اتباع نظام التقشف

الحسكة – نورث برس

بالقرب من دوار النسر في المنطقة الصناعية بمدينة الحسكة، يجلس عبد الله كعادته برفقة عدد من الشبان منتظراً أن يطلبه أحد لعمل في العتالة أو بناء أو عمليات حفر أو نقل أمتعة منزلية، ويبدو أنه كأمس سيعود خالي الوفاض حيث كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصراً.

ومع الانهيار الكبير والمستمر لقيمة الليرة السورية، يجد عبدالله الحسن (41 عاماً) من سكان حي العزيزية بالحسكة، صعوبة بالغة في تأمين احتياجات أسرته المكونة من سبعة أفراد، وخاصة أنه لا يحظى بعمل دائم.

وكان سعر صرف الدولار قد ارتفع خلال الشهر الجاري تدريجياً ليقارب حاجز 7000 ليرة سورية مقابل كل واحد دولار، قبل أن ينخفض قليلاً ليصل إلى 6700 ليرة قبل يومين، بعدما كان نحو 4 آلاف ليرة سورية قبل شهرين.

يقول “الحسن” الذي يعمل عامل مياومة إنه يجني يومياً في حال توفر عمل ما بين 15 و20 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ كان “مقبولاَ نوعاً ما ونتدبر به أمورنا المعيشية”، قبل انهيار قيمة الليرة.

ولكن حالياً المردود اليومي يفقد قيمته ولا سيما أن الليرة السورية تشهد هبوطاً ساعياً وليس يومياً أمام الدولار، حتى جعل حال “الحسن” وأقرانه “سيئة، فأسعار المواد الغذائية باتت لهيب والتجار لا يرحمون”.

وارتفع سعر كل مادة غذائية رغم وجود بعضها في مستودعات التخزين قبل الانهيار الأخير لقيمة الليرة.

“الوضع سيء”

وبات “الحسن” كغيره من ذوي الدخل المحدود يقتصدون أكثر في شراء مستلزمات عائلاتهم، وعندما لا يتوفر عمل لا يشترون حتى الضروريات.

ويلخص حاله بالقول: “كنا في السابق نشتري كيلوين من الخضار، تدريجياً بتنا نأخذ كيلو وحالياً تقلصت الكمية لنصف كيلو”.

وبجانبه يقف أحمد محمد (40 عاماً) من سكان حي العزيزية بالسكة ويشاطره في المعاناة، ويقول بلهجته المحلية “الوضع سيء حيل، إيش يصير بحالنا؟”.

يضيف الرجل الأربعيني وهو رب أسرة مكونة من خمسة أفراد، “نريد أن نأكل في الصباح من أجل أن نأتي لعملنا، نخرج جياع ونعود جياع، ماذا عسانا أن نفعل”، في إشارة منه إلى عجزه عن تأمين قوت يومه.

ويشير هو الآخر أنه قبل الانهيار الكبير في قيمة الليرة السورية، كانت أموره “ميسورة بعض الشيء” ويستطيع أن يجلب بعض الخضار لعائلته في حال حصل على عمل يومي.

أما الأن “بتنا نقلص كل المواد الضرورية إلى النصف، ولا نعرف ما نفعل بأحوالنا، نضطر لإسكات جوع أطفالنا بكسرة خبز مع كاسة من الشاي”.

وقالت الأمم المتحدة إن الاحتياجات الإنسانية في سوريا وصلت إلى أسوأ مستوياتها منذ اندلاع الصراع قبل ما يقرب من 12 عاماً، حسبما ذكر مبعوثين أميين في جلسة لمجلس الأمن الدولي خاصة بالشأن السوري، الأربعاء الماضي.

ويحتاج حوالي 14.6 مليون شخص إلى الدعم، بزيادة قدرها 1.2 مليون عن عام 2021 – ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 15.3 مليون في العام المقبل، وفق ما ذكر بيان للأمم المتحدة.

راتب لا يكفي لأسبوع

الحال لدى الموظف الحكومي المتقاعد سليمان داوود (68 عاماً) من سكان حي غويران بالحسكة، ليس بأفضل من سابقيه.

“داوود” وبعد 30 عاماً من الخدمة في إحدى مؤسسات الحكومة السورية في الحسكة، يتقاضى 93 ألف ليرة شهرياً، هذا المبلغ كان يكفيه لنحو عشرة أيام عندما كان سعر صرف الدولار 3500 ليرة، حالياً لا يكفيه سوى أيام مع اتباع نظام “التقشف”، حسبما يذكر لنورث برس

ويقول وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، إن الغالبية العظمى من العائلات السورية إما تكافح أو غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية.

و12 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، يجدون صعوبة في وضع الطعام على المائدة. وما يقرب من ثلاثة ملايين آخرين قد يواجهون انعدام الأمن الغذائي، بحسب “غريفيث”.

وفي الوقت الذي يتهم فيه سكان، أصحاب المحال التجارية والتجار باحتكار المواد ورفع سعرها، يشير صلاح شيخي(40 عاماً) وهو صاحب محل مواد غذائية بالحسكة إلى أنهم يتعرضون لخسائر لأنهم يشترون المواد بالدولار ويبيعونها بالليرة السورية.

ويضرب مثالاً على ذلك أنه أمس باع المواد الغذائية على سعر الصرف 6500 ليرة سورية ومع قيامه بتحويل أموال المواد المباعة بالليرة إلى الدولار كان سعر الصرف 6650 ليرة، فكانت خسائره 225 ألف ليرة سورية لقاء مبلغ 1500 دولار.

ويشكو من تراجع حركة البيع لديه، إذ لا يرغب السكان بشراء المواد بكميات كبيرة على أمل انخفاض أسعارها وعند حدوث انخفاض طفيف في الأسعار، يتوقعون أن تنخفض أكثر فيقللون الشراء.

وأمام عدم استقرار سعر صرف الدولار، يجد البائع أن الحل يكمن في التعامل بالدولار في الشراء والبيع لعدم حاجتهم لتحويل المبالغ الكبيرة التي يحصلون عليها بالليرة السورية لقاء بيع البضائع إلى الدولار لتسديد ديون التجار، لكن ذلك سيفاقم وضع السكان سوءاً لأنهم يتقاضون رواتبهم بالليرة.

هذا الحال ينطبق أيضاً على سائق تاكسي رائد السلوم (47 عاماً) من سكان حي غويران بالحسكة، إذا يجني ما بين 20 إلى 25 ألف ليرة يومياً وأيضاً لا يكفيه لتأمين احتياجات عائلته المكونة من تسعة أفراد.

يقول السائق بينما كان يركن سيارته في أحد الشوارع، “مع ارتفاع سعر صرف الدولار تتأزم أوضاعنا أكثر، الوضع من سيء لأسوأ”.

إعداد: جيندار عبدالقادر- تحرير: سوزدار محمد