التعليم في إدلب.. قطاع متهالك يفتح الباب أمام المؤسسات التعليمية الخاصة

إدلب – نورث برس

كان من المفترض أن يلتحق هذا العام، عمر الطويل، (19 عاماً)، بالجامعة؛ لكن رسوبه في الثالث الثانوي خلال السنة الدراسية الفائتة، حال دون ذلك.

في مدرسته بمدينة كفرتخاريم، غربي إدلب، يعيد “الطويل” مع طلاب يصغرونه في السن، دراسة منهاج الصف الثالث الثانوي العلمي، لكنه يعجز عن فهم جميع الدروس، لأن “معظم المعلمين لا يملكون طريقة الشرح المناسبة لإيصال المعلومة”.

وطيلة السنوات السابقة، كان “الطويل”، حسبما يروي لنورث برس، من الطلاب المتفوقين، إلا أنه وفي العامين الأخيرين تراجع مستواه بشكل كبير، ويُعيد السبب إلى أن “المعلمون في المدرسة ليسوا أكفّاء لتعليم طلاب الصف الثالث الثانوي وخاصة الفرع العلمي، معظمهم من الخريجين الجُدد”.

معظم المعلمين الذين كانوا يعلمونه طيلة السنوات الفائتة في المدارس العامة، باتوا اليوم يعملون في المدارس الخاصة التي تتجاوز رسومها الشهرية الأربعين دولاراً، وهو ما يفوق استطاعة عائلة “الطويل”.

وفي كفرتخاريم، كما جميع المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ السورية، الجناح المدني لهيئة تحرير الشام(جبهة النصرة سابقاً)، يتوجّه معلمون بينهم أصحاب الخبرة والكفاءات؛ للعمل في المدارس الخاصة، حيث الأجر يكون أعلى.

لا ينكر معلمون؛ تواصلت معهم نورث برس، تأثير هذه الظاهرة سلباً على مستوى الطلاب في المدارس العامة، ولكنهم قالوا إنهم مجبرون على ذلك، في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وتتحدّث إحصائيات وزارة التربية والتعليم، التابعة لحكومة الإنقاذ؛ أن نحو424490 طالب وتلميذ؛ يرتادون حوالي 1250 مدرسة عامة وخاصة، في إدلب، وفقاً ما نقله مصدر خاص في الوزارة لنورث برس.

ويتجاوز عدد الطلاب المتسرّبين من المدارس 36 ألف؛ بحسب ذات المصدر، في حين هناك 244 مدرسة مدمرة خارجة عن الخدمة في إدلب.

مدرسون يعزفون عن التعليم العام

ويداوم لؤي الجوباسي، مدرِّس لغة عربية، في إحدى المدارس الخاصة بمدينة الدانا، شمالي إدلب؛ هذا العام بعدما ترك التعليم في المدارس العامة.

يقول المعلم، وهو نازح من ريف حماة، منذ سبع سنوات، إن راتبه كان لا يتجاوز 500 ليرة تركية في قطاع التعليم العام، ما دفعه التعليم والبحث عن مصدر دخل أفضل لأطفاله الأربعة.

وعمل “الجوباسي”، في البداية كمحاسب في سوبرماركت، قبل أن يعود للتدريس ولكن هذه المرة في التعليم الخاص.

وتقوم المدارس الخاصة بسحب المعلمين والمعلمات ذوي الخبرة، كي تبني اسمها استناداً للكادر التدريسي فيها، ما ترك المدارس العامة حقلاً للتجارب أمام المعلمين حديثي التخرُّج أو ذوي الخبرة القليلة.

ويؤكّد طلاب وسكان في إدلب، لنورث برس؛ أن القطاع التعليمي العام، يعاني إهمالاً واضحاً وسط محاولات خصّخصة التعليم في المنطقة، وهو ما يُقلق سكان بأن يصبح التعليم حكراً على ميسوري الحال مستقبلاً.

وتقوم المدارس الخاصة، بتوظيف المعلمين أصحاب الكفاءات “برواتب ممتازة”، مقارنة بالرواتب التي يتقاضاها المعلم في المدارس العامة والتي لا تزيد عن 30 دولاراً.

ويبلغ متوسط دخول المعلمين بين 250 و300 دولار؛ في المدارس الخاصة والمخصّخصة؛ بينما المدارس الحكومية التي لا زالت مدعومة من وزارة التعليم؛ لا تتجاوز رواتبها الـ70 دولاراً.

ويتهم معلمون في إدلب، حكومة الإنقاذ، بأنها تسعى لتهميش العملية التعليمية في المنطقة، من خلال سعيها لتحقيق غايات ومكاسب على حساب القطاع التعليمي العام، وإهمالها لمطالب المعلمين في تأمين أبسط مقوّمات التعليم في المنطقة.

وتسعى “الإنقاذ”، لتوسيع نطاق التعليم الخاص على حساب المدارس العامة؛ من خلال تراخيص لمئات المدارس الخاصة، وتأجير مدارس عامة، وتحويلها إلى مجمّعات تعليمية خاصة مدفوعة الثمن.

منهاج حكومي بصبغة معارضة

ولا تزال حكومة الإنقاذ السورية؛ تُدرِّس في مدارسها منهاج الحكومة السورية القديم، وذلك بعد أن قامت بإلغاء كتاب القومية الوطنية، وتنقيح ما تبقّى من المنهاج وتعديله مجدّداً؛ من خلال إزالة كافة الدروس التي كانت تمجّد “النظام السوري”.

والعام الفائت، لم يستلم طلاب بعض المدارس كتبهم إلا بعد مرور نحو شهرين على بدء الدوام المدرسي.

فيما لم توزّع وزارة التربية خلال العام الجاري، الكتب في بعض المدارس، في حين وزّعت نسخ قديمة في مدارس أخرى.

وبحسب مسؤولين في مديرية التربية والتعليم في إدلب، فإن الأعداد المطبوعة من الكتب لا تغطّي أعداد الطلاب، الأمر الذي يدفع ذوو طلاب لشرائها من المكتبات على حسابهم الخاص.

ويتراوح سعر نسخة الكتب لجميع المراحل، ما بين 150 و250 ليرة تركية.

ووفقاً لمصدرفي وزارة التربية والتعليم، التابعة لحكومة الإنقاذ، فإن دعم المدارس العامة، يكون عن طريق مُنَحٍ تقدّمها حكومة الإنقاذ للمتطوّعين، بينما تتلقّى مدارس أخرى دعمها من منظمات محلية ودولية؛ عبر مكتب التنسيق مع المنظّمات في وزارة التربية والتعليم.

ويغيب عن المدارس العامة في إدلب، خلال فصل الشتاء؛ التدفئة؛ حيث لا تقدّم حكومة الإنقاذ مخصّصات لتلك المدارس من المحروقات، ما يمنع البعض من إرسال أطفالهم إلى المدرس أيام البرد الشديد.

إعداد: يوسف الشيخ- تحرير: سوزدار محمد