الغلاء وشحّ الغاز يُهدّد بزوال عُرفٍ في مضافات السويداء
السويداء- نورث برس
يقول سكان في مدينة السويداء، جنوبي سوريا، إن غلاء الأسعار وشحّ الغاز وضيق الوضع المعيشي، بات يُهدّد بزوال عادة تقديم القهوة العربية في مضافات جبل العرب.
وتشهد مضافات المحافظة أُفول هذه العادة وغياباً شبه تامّ إلا فيما ندر وفي المناسبات الهامّة.
ويقول ناجي أبو محمود (52 عاماً)، وهو من سكان الريف الغربي للسويداء، “بتُّ عاجزاً عن تقديم القهوة لأنني أحتاج لما يقارب الـ 150 ألف ليرة سورية شهرياً ثمن القهوة والهيل ودخلي لا يسمح بذلك”.
ويتحسّر الرجل الخمسيني، على السنوات السّابقة، وهو مزارع ومربي ماشية في قريته، واعتاد منذ أن كان صغيراً على تقديم والده القهوة بشكل يومي لكل الضيوف وحتى للمارّة والباعة المتجوّلين.
ويُضيف، “لم تنقطع هذه العادة طوال خمسة عقود، لكن الآن تكلفتها تفوق طاقة جيوبنا”.
ووصل سعر الكيلوغرام الواحد من القهوة المطحونة إلى 45 ألف ليرة، والكيلوغرام من الهيل 250 ألف ليرة، بعدما كان أقل من النصف خلال العام الفائت، كما أن الأنواع الأفضل والمميزة، أصبحت أسعارها أضعاف ذلك.
ويُعدُّ تقديم القهوة العربية أو المُسمّاة محليّاً “القهوة المُرّة”، من العادات العربية القديمة وأهم ما يُقدّم للضيف في مضافات السويداء، ويعتبرها البعض رمزاً من رموز الكَرَم والجود وهي دلالة على الترحيب بالضيف وإكرامه في المجلس أو البيت الذي قصده ولها أصول في طبخها وضيافتها وطرق تقديمها.
ويقول إبراهيم جودية، وهو مؤرِّخ في السويداء، إنّ “سُكان الجبل الذين قطنوه منذ منتصف القرن الثامن عشر، اكتسبوا هذه العادة من العشائر البدوية كونهم عشيرة من تلك العشائر وأضافوا لأدبيّات القهوة المُرّة الكثير”.
لكن تفاقُم الأزمات في البلاد، يدفع البعض للاستغناء عن تقديمها رغم أنهم ظلّوا متشبّثين بها لعقود من الزمن.
ويقول سامر الخالد (64 عاماً)، وهو اسم مستعار لكاتب في مدينة السويداء، فضّل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، إن “الوضع الاقتصادي السيء سرق القهوة من مضافاتنا ودفن أجمل عاداتنا وتقاليدنا وحدّ من صلة الرحم”.
ويتساءل، “في ظلّ شحّ المحروقات وتدنّي قيمة الرواتب الحكومية وغلاء الأسعار كيف لنا تحمُّل تكاليف ضيافة القهوة؟”.
وتحتاج القهوة المُرّة لتحميصها وطحنها وطبخها وإضافة الهيل لها ووضعها في دِلال قهوة خاصّة، وكل ما سبق “مُكلف ويحتاج لكهرباء وللغاز المنزلي”، بحسب “الخالد”.
ويُشير الكاتب، إلى أن القهوة تحتاج لطبخ وتسخين يومي وهذا يتطلّب اسطوانة أو اسطوانتين من الغاز شهرياً “وهذا ضربٌ من المستحيل لعدم توفُّر المادة المقنّنة وغلائها كثيراً في السوق السوداء”.