قرار حكومي وارتفاع الدولار يدفعان تجاراً بحماة لإخفاء كميات من الزيت والسكر

حماة- نورث برس

يشتكي سكان في مدينة حماة وسط سوريا، هذه الأيام، من فقدان مواد غذائية أساسية في الأسواق وارتفاع أسعارها، بعد صدور قرار وقف استيراد بعض السلع واستمرار انخفاض قيمة الليرة السورية.

وتتضمن المواد المفقودة السكر والزيوت الغذائية، ما أثار تخوف سكان من أزمة مرتقبة للمادتين على غرار نقص مواد الخبز والغاز والمازوت.

بالرغم من أن مادتي الزيت والسكر ليستا مشمولتين بقرار منع الاستيراد، لكن قرار إيقاف إدخال بعض المواد الغذائية دفع بتجار وأصحاب محال إلى إخفاء كميات منهما.

بينما يخسى سكان من أن الأمر ينذر بقرب رفع أسعارهما أو فقدانهما مستقبلاً.

وفي السادس عشر من آب/أغسطس الماضي، منعت الحكومة السورية استيراد 20 مادة جديدة لمدة ستة أشهر بينها مواد غذائية كجبنة الشيدر والجوز واللوز والكاجو وسلعاً أخرى تدرجها الدولة تحت قائمة الكماليات.

وعللت الحكومة القرار بأنه يهدف لوقف استنزاف العملات الأجنبية المتوفرة في عمليات الاستيراد، بالإضافة إلى إحلال صناعات محلية بديلة لهذه المستوردات.

لكن خبيراً اقتصادياً، في دمشق، أنذر في تصريح سابق لنورث برس، أنَّ القرار ربما سيرفع أسعار بعض السلع التي مُنعت من الاستيراد في السوق المحلية.

وخلال الأسبوعين الماضيين، ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي الواحد في أسواق حماة من 3200 ليرة إلى 3400 ليرة سورية.

إخفاء كميات

ويتهم عمار النعيم، وهو من سكان حيّ المرابط بحماة، التجار بإغلاق مستودعاتهم وتكديس البضائع فيها لحين ارتفاع أسعارها أكثر.

ويقول إن زيت دوار الشمس فُقد فجأة خلال اليومين الماضيين، وباتت غالبية المحلات خالية منه أو تطلب أثماناً مرتفعة له.  

ويضيف أن البضائع كانت متوفرة وتملأ رفوف المحال، “لكن بعد صدور قرار توقيف استيراد بعض المواد، سارع التجار لإخفاء الزيت واحتكاره، وفُقدت المادة ورُفِع سعرها”.

ووجدت صبا العبدو، وهي من سكان حي النصر في حماة، كمية من السكر عند محل على أطراف الحيّ بسعر مرتفع، وذلك بعد بحث متواصل لساعات.

واشترت المرأة الكيلوغرام الواحد منه بـ 2700 ليرة سورية، بدلاً من سعره النظامي (2200 ليرة).

تقول إن التجار “يتحكمون بلقمة عيش السكان، ولا يراعون الحال الذي وصلنا إليه من سوء الوضع المعيشي”.

وتضيف أنها استغنت عن الكثير من المواد الغذائية بسبب ارتفاع أسعارها، ولكن هنالك من الصعب الاستغناء عن مواد أساسية كالسكر أو استبدالها بأخرى.

وارتفع سعر كيس السكر الذي يحتوي 50 كيلوغراماً، في حال توفره في مدينة حماة، من  108آلاف ليرة إلى 120 ألفاً.

فيما وصل سعر ليتر الزيت إلى 8500 ليرة، بعد أن كان يباع بـ 7500 ليرة.

وبالرغم من وجود أحد أهم معامل السكر في البلاد (معمل سلحب) بريف حماة، لكن المعمل متوقف منذ سنوات وحوِّل لمصنع ألبسة بعد توقف إنتاج السكر فيه عام 2014.

وتعود أسباب خروج المعمل عن الخدمة إلى عزوف المزارعين عن زراعة الشوندر السكري في ظل التكاليف المرتفعة، وخروج مساحات سهل الغاب عن سيطرة الحكومة.

والشهر الماضي، قال محمد طارق كريشاتي محافظ حماة، لوكالة سبوتينيك الروسية، إنه يجري التحضير لإعادة معمل السكر إلى العمل مجدداً بعد توقف دام لسنوات.

وتعاقدت الحكومة مع مزارعين محليين لزراعة الشوندر السكري، بهدف العودة للإنتاج المحلي، بحسب “كريشاتي”.

“فساد موظفين”

ويعتقد سالم السبع، وهو من سكان حي الضاحية، أن غياب القوانين الرادعة من قبل الدولة وفساد موظفي التموين، هو سبب فقدان المواد.

ويضيف: “لو أن عناصر التموين يقومون بدوريات ويضبطون الأسعار ويخالفون التجار الذين يحتكرون المواد لكان الوضع مختلفاً”.

بينما يلقي وارف الطوقجي، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في حي المناخ، اللوم على المستوردين وتجار الجملة، “فهم المتحكمون بأسعار السوق، وهم الذين يقومون بإخفاء المواد”.

ويقول إن وفقدان بعض المواد سببه رفض تجار الجملة وأصحاب الشركات بيع المواد للبقاليات ومحال المفرق، تمهيداً لرفع شامل للأسعار.

 ويضيف أنه سمع من تجار أن تسعيرات جديدة للمواد الغذائية ستصدر هذا الشهر بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار.

تجار سلطة

وأرجع خبير اقتصادي في دمشق، مشكلة نقص وغلاء مادة السكر وغيرها من المواد الغذائية إلى تفشي الاحتكار والجشع من قبل أغلب تجار السلطة.

وقال الخبير الذي اشترط عدم نشر اسمه، لنورث برس، إنَّ “ما نُشر حول مداهمة مديرية التموين في حمص لأحد مستودعات السكر وضبط حوالي ألفي طن من المادة منتهية الصلاحية يعد فضيحة كبرى بحق مسؤولي وزارة التجارة الداخلية”.

وكان موقع محلي نشر في الثامن والعشرين من شهر آب/أغسطس الماضي خبراً مفاده، أن مديرية التموين في حمص داهمت، أحد المستودعات التابعة لأهم مستوردي مادة السكر منذ عقود.

وهو ما اعتبره ناشطون “فضيحة فساد كبرى” بحق رجل أعمال مقرب من السلطة بدمشق.

وقالت المصادر إنَّ التجاوزات التي قام بها التاجر تطال الأمن الغذائي، لا سيما في مادة السكر التي بات السكان يعانون من ارتفاع أسعارها بشكل جنوني دون معرفة الأسباب.

وشدد الخبير الاقتصادي على أن هذا الارتفاع يشير إلى “عدم قدرة الوزارة على فعل شيء حقيقي تجاه مستورد تلك المادة”.

إعداد: علا محمد– تحرير: حسن عبدالله