سوريات تزوجن من مقاتلين أجانب يواجهن مصاعب الحياة مع أطفالٍ مجهولي النسب

إدلب – نورث برس

كان هاجس الخوف من العنوسة يؤرق الشابة “هيام” (30 عاماً) قبل أن توافق على الزواج من “أبو علاء المصري”، المقاتل في هيئة تحرير الشام، الذي لم تعرف عنه سوى لقبه.

و”هيام” التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل، ليست إلا واحدة من مئات النساء السوريات اللواتي وقعن ضحية الزواج من مقاتلين أجانب، دون أن تتمكن من المطالبة بحقوقها.

وقد شاعَ خلال سنوات الحرب في مناطق الشمال ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺯﻭﺍﺝ سوريات ﻣﻦ مقاتلين أﺟﺎﻧﺐ ﻗَﺪِﻣﻮﺍ ﻣﻨﺬ العاﻡ 2013 للمشاركة في القتال إلى جانب فصائل المعارضة.

وتكمن المشكلة في استخدام هؤلاء الأزواج لكُنى وأسماء مستعارة، مع إخفاء أسمائهم الحقيقية بدواع أمنية.

وتركَ نسبةٌ من هؤلاء المقاتلين زوجاتهم وعائلاتهم، إما بسبب عودتهم إلى بلدانهم الأصلية أو لانتقالهم مع تنظيماتهم إلى جبهات قتالية جديدة دون اصطحاب عائلاتهم.

بالنتيجة، تبقى الزوجات وحدهن في مواجهة مصاعب الحياة لتأمين لقمة العيش، مع أطفالٍ مجهولي النسب.

وتنحدر”هيام” من بلدة الدانا بريف إدلب الشمالي، وقالت لنورث برس، إنها انتقلت للعيش مع أسرة أخيها الأكبر بعد وفاة والدتها، “كنت أعاني من تسلّط ومعاملة زوجته السيئة.”

وأضافت الشابة أن “هاجس العنوسة والخشية من التقدّم بالعمر جعلني أوافق على الزواج من أحد رفاق أخي في الفصيل.”

“بعد زواجي بسبعة أشهر، قُتِل زوجي في معركة ضد القوات الحكومية بريف اللاذقية، لأعود إلى منزل أخي من جديد، وأواجه نظرة المجتمع بعدما أصبحت أرملة.”

وقد يكون الفقر والنزوح سبباً آخر لإقدام أسرٍ سورية على تزويج بناتهم من مقاتلين، كحال الخمسيني عبد الله البرق، النازح من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا.

وكان “البرق” قد زوَّج ابنته لمقاتل مغربي، لكن زواجها لم يَدُم أكثر من سنة واحدة، لتعود إلى منزل أهلها رفقة طفلها اليتيم مجهول النسب.

وقال “البرق” لنورث برس: “كنت أعيش مع زوجتي وبناتي الأربعة بخيمة واحدة، وبما أن الفتاة ليس لها سوى منزل زوجها، قمت بتزويج ابنتي “عليّة” لمقاتل بأحد الفصائل.”

وأضاف: “لكنه اختفى فجأة وانقطعت أخباره، لتعود إلينا مع طفل يتيم.”

أما عليّة البرق (17 عاماً)، فقالت إنها تركت المدرسة بسبب الفقر وفقدان الأمان، ليزوّجها والدها من مقاتل مغربي كان يُدعى “براء”.

ولم يمضِ على زواجها سوى سنة واحدة حتى انتقل زوجها إلى جبهة قتالية ثانية، ووعدها بأنه لن يتأخر إلا أن الزواج انتهى بمجرّد رحيله.

“انقطعت أخباره بشكل نهائي، وقد تعددت الروايات بين مقتله وعودته إلى بلده.”

وأضافت بحزن: “لقد دمَّر الزواج حياتي، ومستقبلي كان مبنيّاً على أساس خاطئ، وعلى واقع ليس فيه أيّ عنصر من عناصر الأسرة الصحيحة.”

وتواجه “عليّة” كغيرها من النساء اللواتي تزوجن من غرباء، مشكلةً في ﺗﺴﺠﻴﻞ ابنها، ذلك أن المحكمة الشرعية تطالب بوثيقة ﺗبيّن ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻫﻮﻳّﺔ ﺍﻷﺏ ﻭﺟﻨﺴﻴﺘﻪ ﻭﺩﻳﻨﻪ لتثبيت الزواج وتسجيل الطفل.

لكن “عليّة” بقيت عاجزة عن تأمين الوثائق ليبقى طفلها دون نسب ينتظر مستقبله المجهول.

وقالت علية: “كلُّ ما أتمناه الآن هو الحصول على أوراق ثبوتية لطفلي للحصول على حقه في التعليم والرعاية الصحية.”

وأضافت: “لا أعرف الاسم الحقيقي لزوجي، فقد استخدم اسماً وهمياً حتى في عقد الزواج، وبناءً على بطاقة شخصية مزوّرة كانت بحوزته.”

ويدفع الخوف من نفوذ عناصر الفصائل العسكرية، وتسلّطها وانتقامها، الكثير من الآباء عادةً إلى الرضوح والقبول بتزويج بناتهم من المقاتلين الأجانب.

ودفع فشل معظم زيجات النساء السوريات من المقاتلين الأجانب ﻧﺎشطين ﺳﻮﺭيين لإطلاق ﺣﻤﻠﺔ ﺗﻮﻋﻮﻳﺔ في الشمال السوري ﺃﻃﻠﻘﻮﺍ عليها ﺍﺳﻢ “ﻣﻴﻦ ﺯﻭﺟﻚ؟”

وكانت الحملة تهدف، بحسب منظّميها، إلى “حثّ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﻭﺍﻷﺭﺍﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﺾ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻛﻮﻧﻪ ﻳﺘﺴﺒّﺐ ﺑﻤﺸﺎﻛﻞ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻟﻠﻨﺴﺎﺀ ﻭﻷﻃﻔﺎﻟﻬﻦ.”

وكانت الحملة قد انطلقت عام 2018، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻓﺮﻕ ﻋﻤﻞ ﻣﻮزعة ﻋﻠﻰ قرى وبلدات إدلب.

كما أصدرت الحملة ﺇﺣﺼﺎﺋﻴﺔ ﺭﺻﺪﺕ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺰﻭّﺟﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺗﻠﻴﻦ ﺃﺟﺎﻧﺐ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺇﺩﻟﺐ.

وتمكّن النشطاء من تسجيل /1735/ حالة زواج ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻡ 2013، فيما ﺃﻧﺠﺒﺖ /1124/ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻮﺍﺗﻲ ﺗﻮﺭّطنَ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﻳﺠﺎﺕ /1826/ ﻃﻔﻼً.

وتوضّح الإحصائية أيضاً أن /193/ ﻣن النساء تطلقنّ ﺃﻭ ﺻِﺮﻥَ ﺃﺭﺍﻣﻞ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﺃﺯﻭﺍﺟﻬﻦّ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ، ﻛﺬﻟﻚ ﺛﻤّﺔ /165/ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﺰﻭﺝ، ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻣﺼﻴﺮﻩ ﻣﺠﻬﻮﻻً، بحسب الإحصائية.

إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: جان علي