إدلب – رزان السيد
تشعر راما (اسم مستعار) بالوحدة وهي تجلس مع طفليها مجهولي النسب أمام خيمتها بمخيم بريف إدلب، شمال غربي سوريا، فهي دون معيل بعد مقتل زوجها الجهادي الأوزبكي الذي كان يقاتل ضمن صفوف هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).
وراما هي واحدة من مئات النساء اللواتي أصبحن ضحية زواجهن من مقاتلين جهاديين مجهولي الهوية قدموا إلى سوريا مع بداية الحرب لمحاربة قوات الحكومة السورية أو لأسباب أخرى تتعلق بأهداف جماعاتهم، مخفين هوياتهم الحقيقية خلف أسماء وكنى وهمية.
وكانت عدة أسباب قد دفعت فتيات ونساء سوريات على الزواج بهؤلاء الجهاديين، أبرزها قلة الوعي والتقاليد التي فرضت نظرة دونية للنساء الأرامل والمطلقات والفتيات اللواتي لم يتزوجن إلى سن الـ٢٥عاماً.
تقول زوجات لجهاديين أجانب إن هذه الأسباب أجبرتهن على الزواج مهما كانت أوضاع الزوج وظروفه، ولا سيما بعد عزوف الشباب السوريين عن الزواج بسبب الأوضاع الأمنية والمعيشية والبطالة والهجرة.
فتقدم راما بالسن وفقر أهلها هو أكثر ما شجعها على الزواج من "أبي قتادة" الذي قتل بعد أقل من ثلاث سنوات على زواجهما، "كل ما أعرفه عنه أن اسمه أبو قتادة المهاجر، وهو مقاتل أجنبي قدم من أوزباكستان للقتال في صفوف الجماعات الإسلامية".
ووسط أوضاع بالغة الصعوبة، لا تستطيع الأم تسجيل طفليها في السجلات المدنية والرسمية لعدم معرفة هوية زوجها الحقيقية، "لم أتوقع يوماً أن أصل إلى هذه الحالة المزرية، وأن أقطن مع طفليّ في خيمة قماشية مهترئة لا تقيني حر الصيف ولا برد الشتاء".
وبلغت أعداد النساء المتزوجات من المقاتلين الأجانب في محافظة إدلب حوالي/1.735/ حالة زواج منذ العام 2013، من بينها حالات زواج لقاصرات ( تحت سن الـ 18)، أنجبت /1.124/ منهن /1.826/ طفلاً، بحسب حملة "مين زوجك" والتي أطلقها ناشطون سوريون منذ أكثر من عامين.
وعادة يختفي الأزواج من الجهاديين الأجانب فجأة تاركين زوجات وأطفالاً خلفهم لأسباب غير واضحة تتعلق بمقتلهم أو بانتقالهم مع تنظيماتهم إلى مناطق أو دول جديدة، بينما يعود البعض منهم إلى بلدانهم الأصلية.
وقالت سميرة الحميد (33عاماً) إن زوجها "الجهادي المهاجر" تركها دون أي علم لها بمكانه، " كان غريب الأطوار، قلما يجلس في المنزل، ويتناسى أن له زوجة وأطفالاً ينتظرون قدومه".
وأضافت: " استمر زواجنا لمدة ثلاث سنوات ليخرج بعدها مع تنظيمه دون أن يترك أي خبر أستدل به عليه، لدي منه طفلان سجلتهما على قيود أهلي بسبب عدم معرفتي لاسم الأب الحقيقي وعدم تسجيل زواجنا في أي محكمة تثبت هوية الزوج".
وتعمل "الحميد" حالياً في الأراضي الزراعية وأعمال الحصاد الشاقة لتأمين لقمة العيش لأطفالها.
وقالت علا منصور ( 38 عاماً)، وهي محامية من ريف إدلب، إن "هذه الزيجات باطلة شرعاً نتيجة إخفاء الزوج لاسمه الحقيقي، وهو من محرمات الشريعة الإسلامية ومفسدات الزواج ومبطلاته".
وأضافت أن هذه الزيجات قضت على الزوجات وأطفالهن، "فترك الزوج للأم في مثل هذه الفترة عرضها لمخاطر العمل الشاق لتأمين نفقاتها ونفقات أطفالها المجردين حكماً وقانوناً من الحقوق المدنية السورية وأهمها الهوية والتعليم والرعاية الصحية والحماية".