في تركيا.. أصحاب رأي في السجون وقادة "مافيات" خارج القضبان
نورث برس – آزاد خلف – القامشلي
بلغ عدد المعتقلين في السجون التركية 300 ألف شخص وفقاً لآخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل التركية خلال العام 2019 الماضي، منهم 257 ألف مدان و43 ألف موقوف على ذمة التحقيق، من بينهم 65 ألف متهماً بتجارة المخدرات، إلى جانب 45 ألف متهماً بالسرقة، و 34 ألف متهماً بالقتل و 37 ألفاً وجهت لهم تهم تتعلق بالإرهاب، بحسب صحيفة الاندبندنت التركية، ويفوق هذا العدد الطاقة الاستيعابية للسجون حيث بلغت نسبة الامتلاء فيها قرابة 120%.
وبعد الإعلان عن أول حالة إصابة بالفيروس التاجي (كوفيد-19) في تركيا في الـ (10) من آذار/مارس الفائت والزيادة المتسارعة في انتشارها، كثرت التساؤلات حول وضع السجون من قبل المنظمات الحقوقية وذوي السجناء، ما دفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوجيه تعليمات بدراسة تعديلات قانونية تقضي بتقليل عدد السجناء "واستثناء المعتقلين بتهم متعلقة بالإرهاب أو اقتطاع أجزاء من الأراضي التركية"، نهاية آذار/ مارس الماضي.
جُناة خارج القضبان
دخل مقترح القانون الذي ينص على تقليل عدد السجناء في تركيا بسبب جائحة كورونا والذي أعدهُ تحالف حزب العدالة والتنمية الحاكم مع الحزب القومي حيز التنفيذ بعد التصويت عليه في جلسة برلمانية مفتوحة حضرها 330 نائباً صوتَ منهم 279 نائباً بالقبول بينما رفضه 51 آخرين و تم الإعلان عنه في "الصحيفة الرسمية" في الـ15 من نيسان/أبريل الجاري.
وأدخل المقترح تعديلات على 11 قانوناً مختلفاً بما فيها القانون الجنائي وقانون التنفيذ، وينتج عن قوانين المحكمة الجنائية الإفراج عن بعض السجناء وتخفيف عقوبة آخرين ممن ارتكبوا جرائم منظمة أو من يقضون عقوبات شرطية أو في سجون مفتوحة أو كبار السن والأمهات ممن لا يتجاوز أعمار أطفالهن السادسة، أي أن التعديلات ستفتح الطريق لإطلاق سراح قرابة 90 ألف سجين، ويستثنى منهم المعتقلون بتهمة الإرهاب حيث أنه لم تطرأ أي تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب والذي يحاكم على أساسه معتقلو الرأي والصحفيون في تركيا.
صورة من قاعة البرلمان التركي يظهر فيها برلمانيون من حزب الشعوب الديمقراطي مطالبين بالمساواة والعدالة أثناء مناقشة بنود القانون
يقول المحامي وعضو جمعية حقوق الإنسان التركية محمد كايا: "بالنظر إلى القرارات الجديدة فإن الحكومة قد أفرجت عن محكومين مرتكبين لجرائم ويواجهون دعوات من أشخاص مدّعيين وبالمقابل تستمر في اعتقال أصحاب الرأي الذين هم في السجون بسبب سياسة الحكومة تجاه معارضيها وهذا يعارض قوانين المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".
وشدد كايا على ضرورة إجراء تعديلات على المادة 16 من القانون رقم 5275 وإزالة بند "استبعاد من يشكلون خطراً على المجتمع" من المادة حيث أنه بات عائقاً يُستشهد به لرفض تعليق تنفيذ الحكم وينص القانون على تأجيل تنفيذ عقوبة المصابين بأمراض خطيرة.
قانون فضفاض
يُعتبر تعريف الإرهاب في القانون التركي تعريفاً فضفاضاً يُقاضى على أساسه السياسيون والمعارضون أيضاً. فأعضاء البرلمان المعتقَلون من حزب الشعوب الديمقراطي ورئيسَيهِ المشاركين وسبعة آلاف عضو من نفس الحزب أو الأكاديميون و المعلمون من مناصري عملية " السلام" أو أي عملية عسكرية أو سياسية تتناول القضية الكردية في تركيا وتحاول حلها يواجه أفرادها تُهماً من قبيل الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني أو "بروبوغندا الإرهاب" في أفضل الأحوال.
بينما المعارضون ذوو الخلفية الإسلامية يتم اتهامهم بالإنتماء الى جماعة فتح الله كولن والتي صُنفت ضمن قائمة الإرهاب بعد محاولة الانقلاب عام 2016، وعليه يمكن تفسير ذلك بأن الحزب الحاكم جعل من قانون الإرهاب خطاً يرسم به سياسة معارضةٍ على مقاسه مما دفع العديد من المنظمات الحقوقية والجهات الدولية كالأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي بالمطالبة بتضييق تعريف القانون التركي للإرهاب بحسب تقرير لجمعية حقوق الإنسان في تركيا.
زعماء مافيا أحرار وأصحاب رأي لا يرون النور
يقول عبدالله جليك عضو حزب الشعوب الديمقراطي إن "الحكومة أفرجت عن زعماء مافيا كعلاء الدين جاكجي ولا تزال تعتقل صلاح الدين دميرتاش منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2016 البرلماني والرئيس المشارك للحزب رغم تبرئته من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وحالته الصحية غير المستقرة".
في مقابل ذلك أفرجت السلطات التركية عن زعيم المافيا المعروف في تركيا علاء الدين جاكجي بتاريخ منتصف هذا الشهر بعد أن شملته التعديلات القانونية الجديدة بالرغم من أنه متهم بجرائم قتل واغتيالات و تأسيس تنظيمات مسلحة وهو أحد أبرز أعضاء منظمة الذئاب الرمادية المتطرفة قومياً و أحد المقربين من دولت باهجلي رئيس حزب الحركة القومية الذي يحالف حزب العدالة والتنمية سياسياً.
ويرى مراقبون أتراك أن الإفراج عن جاكجي جاء نتيجة لمشروع التعديلات القانونية الأخيرة الذي تشاركَ فيه حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية خصوصاً أن نواب الحزبين صوتوا لصالح القرار في البرلمان.
وقال عبد الله جليك "لديَّ الكثير من الرفاق في السجون بسبب انتماءاتهم السياسية ووضعهم ازداد سوءاً بعد جائحة كورونا فقد مُنعت الزيارات وقلت المدة المخصصة لإجراء المكالمات عبر الهاتف ناهيك عن أن مواد النظافة الشخصية لا توزع بل أصبحت تُباع بأسعار أعلى من السابق داخل السجون".
رجل المافيا علاء الدين جاكجي بعد الإفراج عنه
كورونا في السجون
أعلن وزير العدل التركي عبدالحميد كول في الـ 13 من هذا الشهر أن نتائج فحوصات 17 سجيناً موزعين في 5 سجون مفتوحة كانت إيجابية حيث فقد 3 سجناء حياتهم أثناء العلاج فيما هناك حالة واحدة في العناية المشددة، وذكر كول أن المصابين الآخرين بصحة جيدة كما وأعلن عن إصابة 14 قاضياً ومدعياً، 32 موظفاً في المحاكم، و 79 موظفاً في السجون و34 من كوادر الطب الشرعي.
ويبلغ عدد الأطباء في السجون 271 طبيباً فقط أي بمعدل طبيب واحد لقرابة الألف سجين وذلك حسب هيئة تشكلت من أعضاء في البرلمان، وذكرت هيئة السجون في جمعية حقوق الإنسان التركية "إننا استطعنا تأكيد 590 حالة لسجناء مصابين بأمراض خطيرة ونود بأن نوضح أن العدد أكبر بكثير".
و قالت الجمعية في بيان منفصل: "بالنظر إلى السجون في ضوء البيانات المتاحة فإن هنالك حوالي 300 ألف محتجزاً و موقوفاً يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل التغذية الصحية, النظافة، وأحياناً يستغرق الأمر شهوراً للوصول إلى طبيب ولا يستطيعون رؤية الشمس بسبب طبيعة السجون بالإضافة إلى أن مساحات التهوية غير كافية والزنازين مزدحمة للغاية ومغلقة كما أن نظام المناعة لدى المعتقلين ضعيف بسبب التغذية غير الكافية والمتوازنة".
لا مساواة بين السجناء
قبل البدء بمناقشة القرارات في البرلمان قدمت جهات حقوقية عدة مقترحاتها بشأن تعديل القوانين.
وقالت جمعية حقوق الإنسان التركية "إن الصحفيين والأكاديميين والنواب ورؤساء البلديات والمحامين والنقابيين والطلاب هم أشخاص معارضون تم تصنيفهم على أنهم إرهابيون أي أنهم ضحايا لقانون مكافحة الإرهاب والذي يتعارض مع معايير القوانين الدولية، لذلك وفقا لمبدأ المساواة الذي كفله الدستور نطالب بقانون يساوي بين المعتقلين في حقهم بالحياة والتي هي مسؤولية الدولة".
في سياق متصل قدمت 20 نقابة للمحامين طلباً موجهاً للبرلمان لتعديل القانون بحيث يُنصف جميع السجناء ومن جهة أخرى وقعت 47 منظمة ومؤسسة مدنية على عريضة ذكروا فيها "نحن أمام عدو لا يفرق بين جنس أو عرق، طفل أو مسنّ، رجل أو امرأة، مذنب أو بريء حيث فقد الآلاف حياتهم ولا يزال هذا الفيروس يهدد البشرية جمعاء، السجناء البالغ عددهم 300 ألفاً في بلدنا يواجهون خطر الإصابة وفقدان حياتهم في السجون التي تجاوزت حد الاستيعاب المخصص فيها والتي تفتقر إلى معايير النظافة المثلى".
ويرى مراقبون أنه وبعد إعلان حالة الطوارئ على خلفية محاولة الإنقلاب أواخر عام 2016 وتغيير نظام الحكم عبر استفتاء تغيير الدستور عام 2017 تحول النظام التركي يوماً بعد آخر لنظام دكتاتوري بحلّة ديمقراطية.
ويذهب هؤلاء إلى أن زج الساسة والصحفيين ورجال العلم والبرلمانيين المعارضين في السجون جعل من وجود المحكمة الدستورية وعدمها سواء، في وقت حلت القرارات محل القوانين بفضل السلطات الممنوحة للرئيس وحالة الطوارئ.