انتهاكات للحقوق والحريات
منذ أن سيطرت فصائل المعارضة المدعومة من تركيا على مناطق عفرين وسري كانيه وتل أبيض في عامي 2018 و2019, لم تتوقف عن ارتكاب الانتهاكات وجرائم حرب ممنهجة بحق سكانها الأصليين أمام العالم والدولة الداعمة لها التي شاركتها في بعض الأحيان فيها وتسببت بتهجير نحو 700 ألف, وأصبحت مناطق سيطرتها التي يعمها الفلتان الأمني بؤرة لتجارة المخدرات والاتجار بالبشر.
خلال الأعوام الخمسة انتهكت الفصائل حقوق المدنيين واعتقلتهم تعسفياً وعذبتهم ومارست العنف بكافة أنواعه ضدهم وارتكبت جرائم قتل خارج القضاء, حتى أنها استولوا على ممتلكاتهم وفرضت إتاوات بحقهم, ولم يردع أي قانون أو قرار دولي أو محلي هؤلاء المسلحين عن وقف انتهاكاتهم مما سهل لهم الإفلات من العقاب, فخلال عام 2022 استطاعت نورث برس، أن توثق مقتل 28 شخصاً وإصابة 43 آخرين على يد الفصائل بالإضافة إلى مقتل وإصابة 42 طفلاً وسيدة, كما سجلت 72 حالة اغتصاب تعرضت لها سيدات وأطفال في مناطق سيطرة الفصائل.
أما منذ بداية عام 2023 وخلال الأشهر الثلاثة الأولى, شهدت المناطق تصعيداً لانتهاكات الفصائل الموالية لتركيا بحق المدنيين, حيث سجل ووثق قسم الرصد والتوثيق، مقتل 19 شخصاً وإصابة 71 آخرين بينهم 2سيدة و3 أطفال على يد الفصائل, وسجل القسم أيضاً 21 حالة سرقة و33 حالة استيلاء على ممتلكات المدنيين مارستها الفصائل بقوة السلاح ضد المدنيين بينهم مسنون وسيدات, كما قطعت الفصائل 5258 شجرة مثمرة وحراجية منذ بداية العام في تحطيبها الجائر لكسب أموالٍ إضافية.
كما اعتقلت الفصائل تعسفياً 307 أشخاص بينهم 191 من طالبي اللجوء استلمتهم من حرس الحدود التركي “الجندرما”, وأفرجت عن 211 شخصاً وهم طالبي اللجوء و20 آخرون من المدنيين بعد أن دفعوا مبالغ مالية طائلة, أما المعتقلين 96 والذين معظمهم من مدينة عفرين وريفها لايزال مصيرهم مجهولاً ولم تكشف أماكن اعتقالهم, 62 من المعتقلين نسبت لهم تهمة التعامل مع الإدارة الذاتية وهي تهمة تستخدمها الفصائل بشكل مستمر لتعتقل معارضيها أو أي مدني تعسفياً, بالإضافة إلى اعتقالها 14 آخرين بتهمة المشاركة في احتجاجات, أما المعتقلين الآخرين فتم اعتقالهم دون الكشف عن السبب.
وشهدت منطقة عفرين خلال آذار/مارس، احتجاجات واسعة عقب مقتل فصيل جيش الشرقية لـ 5 أشخاص في جنديرس بعفرين لإيقادهم النار احتفالاً بقدوم عيد نوروز “رأس السنة الكردية” في 20 آذار/مارس, وطالب فيها السكان بمحاسبة مرتكبي الجريمة إلا أن الفصائل نفت انتماء المتهمين لها, لكن الحقيقة وبحسب شهود عيان وذوي الضحايا وتقرير
لـ هيومن رايتس وتش فإن المتهمين هم بالفعل عناصر لفصيل جيش الشرقية.
وخلال شهر شباط/فبراير، وبعد أن تعرضت أجزاء كبيرة من سوريا للدمار إثر الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 الشهر بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر, لم تتوقف الفصائل رغم تدمر مناطق سيطرتها عن انتهاكاتها بل حتى أنها وجدتها فرصة لاكتناز الأموال, فاستولت على المساعدات الإغاثية المقدمة للمتضررين من الزلزال وفرضت الضرائب على قوافل المساعدات, وسرقت ممتلكات المدنيين القاطنين في الخيم من منازلهم المتضررة جزئية, حتى أنها مارست التمييز العنصري أثناء عملية البحث والإنقاذ وتوزيع المساعدات, وسجل قسم الرصد استيلاء الفصائل على أكثر من 1000 خيمة مقدمة من المنظمات للناجين من الزلزال بالإضافة إلى أكثر من4 شاحنات مساعدات بالإضافة إلى مئات من حصص المساعدات.
قبل ظروف الزلزال الكارثية في شباط والاحتجاجات التي خفضت من نسبة انتهاكات الفصائل, كان قد شهد شهر كانون الثاني/يناير تصاعداً لأعمال العنف والفلتان الأمني والذي لا يزال أعلى حصيلة خلال 2023, حيث تسببت الفصائل بمقتل 11 شخصاً وإصابة 25 آخرين, ونفذت 32 حالة استيلاء على ممتلكات المدنيين من منازل ومحال تجارية و18 حالة سرقة عوضاً عن قطع 3262 شجرة مثمرة وحرجية في عفرين.
بالعودة إلى الاعتقالات وظروف الاعتقال إلى مناطق سيطرة الفصائل, كشف تقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في 7 شباط 2023 عن تورط مسؤولين أتراك في تعذيب ضحايا اعتقلوا تعسفياً في سوريا من قبل فصائل المعارضة الموالية لتركيا, وعرض التقرير حالات من التعذيب والاعتداء تورط فيها مسؤولون أتراك, وبحسب التقرير فإن الضحايا تعرضوا للضرب والصعق والكهرباء والتحرش الجنسي والاغتصاب والتهديد بالاغتصاب, وأكد التقرير أن الأشخاص تم احتجازهم تعسفياً بمعزل عن العالم الخارجي لفترات تتراوح من شهر إلى ثلاث سنوات وأن مُنع أفراد عائلاتهم من الحصول على معلومات حول مكان وجودهم, كما نُقل بعض المعتقلين بشكل غير قانوني إلى تركيا.
وأوضحت اللجنة في تقريرها أنه في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية الفعالة، تركيا ملزمة بالتزامات حقوق الإنسان السارية فيما يتعلق بجميع الأفراد وتتحمل مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال.
واستطاع قسم الرصد والتوثيق من الوصول إلى معلومات حول ثلاث معتقلات موجودة في سري كانيه والخاضعة لسيطرة فصيل الحمزات والشرطة المدنية والشرطة العسكرية, يتعرض المعتقلون فيها للتعنيف والتعذيب والتجويع والتعري القسري وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية, وبحسب المصدر فأن معظم الاعتقالات تعسفية وكيدية ويتم الإفراج عن بعض المعتقلين بعد دفع مبالغ مالية تبدأ من 500 دولار أميركي للمسؤول عن السجن ووصلت في إحدى الحالات لحكم إعدام بحق معتقل لعدم مقدرة ذوييه دفع المال للإفراج عنه, كما أنه غالباً ما يتم إرسال ملفات المعتقلين إلى تركيا التي بدورها تقرر الحكم في إبقاء المعتقل داخل الأراضي السورية أو نقله إلى تركيا لمحاكمته, وتستغل الفصائل هذا الوضع لاستغلال ذوي المعتقلين لتحصيل الأموال منهم بحجة التسريع بالإجراءات.
تعتبر كل الأفعال الممنهجة التي تقوم بها الفصائل الموالية لتركيا بدعم من السلطات التركية ضد المدنيين انتهاكاً لحقوقهم وللقوانين والمواثيق الدولية وتصنف هذه الممارسات كجرائم حرب وجرائم لا إنسانية يعاقب عليها مرتكبوها, والحكومة التركية المسؤولة عنهم والتي تعتبر دولة احتلال, ملزمة بالقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان التي تحظر كل الانتهاكات الواردة في التقرير وتفرض عليها ضمان بقاء المدنيين على قيد الحياة واحترام كافة حقوقهم.