الكوليرا في سوريا.. الحكومة تكتفي بالتوعية والسوريون خائفون

دمشق ـ نورث برس

صباح الثلاثاء، تماماً في العشرين من أيلول/ سبتمبر، الجاري، تغيّرت نداءات باعة الخضار في الأسواق وعلى البسطات، لتصبح “حلوة المي يلي ساقيتهن.. قرّب وجرّب مسقيين بمي ما فيها كوليرا”.

هذه النداءات التي ينادي بها الباعة منذ الإعلان عن إصابات بالكوليرا في دمشق، ناجمة عن السقاية بمياه الصرف الصحي، في ريف دمشق، وما تلا هذا الإعلان من إتلاف للمحاصيل الزراعية في بعض مناطق ريف دمشق، مثل جديدة عرطوز.

تشهد أسواق الخضار وخصوصاً الحشائش مثل: “النعناع، البقدونس، الخس” ركوداً كبيراً بعد انتشار وباء الكوليرا في سوريا.

وانخفضت أسعار تلك الأنواع لأول مرة في سوريا، منذ سنوات بنسبة 50%، فباقة النعناع التي وصلت للألف ليرة سورية، تُباع اليوم بـ500 ليرة كحدّ أقصى، كأول سلعٍ تنخفض أسعارها في دمشق، خلال الحرب.

الحكومة التي تحاول أن تأخذ الجانب التوعوي من “الكوليرا”، لم تعترف سوى بـ253 إصابة في كل سوريا، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، اثنتان منها فقط في دمشق، وعشرون وفية في محافظة حلب.

وهذه الإحصائية تخالف تصريحات مشابهة تتحدّث عن إتلاف كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية التي يتغذّى عليها الناس وتُروى بمياه الصرف الصحي منذ زمن، إذاً كيف إصابتين فقط في دمشق؟.

الخطر يقترب!

ليل الاثنين، في التاسع عشر، من هذا الشهر، هبطت طائرة من الأمم المتحدة، محمّلة بالمساعدات الطبية إلى سوريا، مرسلة من قبل منظمة الصحة العالمية، منعاً لتفشّي وباء الكوليرا بين الناس بشكل أكبر.

يقول، لنورث برس، همام نون، (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لطبيب في أحد المشافي الحكومية بدمشق، وبمشفى خاص بريف دمشق: “تأتي يومياً عشرات الحالات إلى المشافي العامة والخاصة، تعاني إسهال شديد مائي، وآلام معوية قاسية”.

ويضيف: “يتمّ تقديم العلاج لبعض الحالات، والحالات الخطرة يتمّ إدخالها إلى المشفى، وإعطاؤها العلاج المناسب أيضاً، ويوجد حالات في المشافي بدمشق، لكن لا يوجد وفيات أبداً بسبب الكوليرا، إنما الوفيات في حلب”.

ويصادق على كلامه، الدكتورة نهى أحمد، (25 عاماً)، وهو اسم مستعار، وتضيف لنورث برس، أن البلاد إذا لم يتم التصرف بحزم، فهي تتجه “لتفشّي الوباء إن لم نقل أننا بمرحلة التفشّي الأولى”.

وتقول: ” الخطر الأكبر هو عدم وجود المياه وقلتها في الكثير من الأرياف وربطها بالكهرباء، ومن المعروف أن النظافة هي الأهم في هذا الوباء، وإن بقيت المياه على حالها نحن في البلاد أمام كارثة”.

وفي سياق المياه وتأثيرها في تفشّي الوباء، تحدّث مدير مياه دمشق وريف دمشق، سامر الهاشمي؛ لإذاعة “المدينة” الخاصة، مؤخراً، أن الآبار والينابيع “مراقبة” في دمشق، لكن “لا يوجد رقابة تامة على الصهاريج التي توزّع المياه للناس، وخصوصاً في الأرياف!”، وهذا اعتراف صريح أن وضع المياه خارج السيطرة.

وهذا الحال ليس بدمشق وحسب، بل في حماة وحمص وحلب وطرطوس واللاذقية، حيث ظهر سكان طرطوس واللاذقية منذ أسبوعين، يناشدون المعنيين بالمياه؛ للبحث عن حلّ، وتقديمها للمزارعين الذين تساءلوا “هل نروي محاصيلنا بمياه الصرف الصحي؟”.

مصدر صحي!

رصدت محافظة دمشق، حسب تصريحاتها 4000 مخالفة صحية في المطاعم والمحال التجارية، ممن يبيعون خضروات طازجة بعد منعها من قبل محافظة دمشق، في ظل انتشار وباء الكوليرا.

وقال مصدر خاص في وزارة الصحة، لنورث برس: “الوضع الصحي فيما يتعلق بالكوليرا مجهول الهوية والتوجُّه، في ظل انعدام مقومات السلامة وخصوصاً المياه الصحية للري والشرب هذا أولاً، وفي ظل غلاء عوامل النظافة الشخصية أيضاً”.

وأكد المصدر على كلام الطبيب والطبيبة، أن الأعداد “أكثر مما يُعلن عنها ولا يوجد إحصائيات دقيقة، والتواصل مستمر مع منظمة الصحة العالمية لحسر المرض”.

لكن الكوليرا، بحسب المصدر، يبقى “أقل خطورة من كورونا، كونه يمكن السيطرة عليه وعدد الوفيات به نادر وقليل”.

وعن الأدوية المناسبة، أشار أنها “موجودة”، ومنظمة الصحة العالمية “زوّدت البلاد بالكثير منها”.

وقال زهير السهوي، مدير دائرة الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة؛ لأحد الإذاعات المحلية، إن غالبية الإصابات تأتي متفاقمة من ريف حلب، نتيجة عدم وجود علاجات صحيحة لها منذ البداية.

ونوّه “السهوي”، إلى أن وزارة الصحة، أرسلت نقاطاً صحية في جولة وستصل إلى كل القرى في المناطق الخاصة لسيطرة الحكومة السورية.

محال السندويش

وفي سياق تأثير الكوليرا على وضع المحال التي تبيع السندويش، يقول صاحب محل “فلافل” في منطقة الشيخ سعد في المزة، اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ”أبو عمر”، (55 عاماً)؛ إنه ” انخفضت نسبة الإقبال على الشراء منذ أن تمّ الإعلان عن تفشّي الوباء”.

ويضيف لنورث برس: “لم أعد أبيع السندويش بل اقتصرت على الفلافل الفرط، (أي بالقرص)، وخسرت منذ أسبوعين لليوم ما يقارب 50% من الأرباح، وإن استمر الوضع بهذه الصورة أنا متّجه للإغلاق”.

بينما يقول، علي نوح، (20 عاماً)، وهو اسم مستعار، وهو يلف سندويشاً في أحد المحلات في منطقة الشيخ سعد بالمزة أيضاً؛ “يجري حوار يومي مع الزبون وتتصدّر كلمة (مو طيبة السندويشة بلا خضرة) حديثهم”.

ويضيف، لنورث برس: “نحاول الاستغناء عن الخضروات ببعض المخلّلات من صُنع منزل صاحب المحل، لكن حتى الناس أصبح لديها خوف من السندويش رغم نظافتنا الشخصية كعمال في المحل”.

وفي الحديث عن سعر السندويش ولماذا بقي مرتفعاً رغم الاستغناء عن العديد من المكونات، أجاب كل من “أبو عمر”، و”علي”؛ بكلمة واحدة: “ما بتوفّي أقل من هيك، الزيت غالي”.

إعداد: دهب المحمد ـ تحرير: قيس العبدالله