نقل المياه من الخزانات عملية منهكة لسكان في الحسكة
الحسكة – نورث برس
في الساعات الأشد قيظاً خلال فترة الظهيرة، وصل زكي، على دراجته الهوائية إلى خزان مياه موضوع على قارعة الطريق العام في حي الكلاسة، بمدينة الحسكة، حاملاً معه ثلاث عبوات لملئها.
ووسط تفاقم أزمة تأمين المياه الصالحة للشرب في الحسكة، تُشكّل عملية نقلها من الخزانات في الأحياء، معضلة تضاعف من معاناة السكان بعدما أجبروا على تحمل هذه المصاعب الحياتية، في ظلّ عدم وجود مصادر أخرى للحصول على المياه النظيفة.
ورغم قرب المسافة بين منزله والخزان ضمن الحي، يشكو زكي إسماعيل، (49 عاماً)، من مصاعب نقل المياه يومياً عبر دراجته بعدما بات مجبراً على هذا الخيار.
ويقول، “أترك عملي وآتي إلى هنا، لكي أجلب المياه لأسرتي، والمياه لا تكفينا، فعائلتي مؤلفة من خمسة أشخاص وهذه العبوات لا تسدّ حاجتنا”.

ومنذ نحو شهرين، قطعت تركيا والفصائل الموالية لها، المياه عن محطة علوك، بريف مدينة سري كانيه؛ الخاضعة لسيطرتها على الحدود السورية التركية، وهذه المحطة هي المغذيّ الرئيسي لمنطقة الحسكة؛ بالمياه.
وكانت منظمات إغاثية قد وضعت في أحياء المدينة، خزانات كبيرة ليتمكن السكان من تلبية احتياجات منازلهم من المياه الصالحة للشرب.
ولكن مع صعوبة تأمين صهريج يصل لأبواب المنازل؛ بسبب الأزمة الحادّة للمياه، والمخاوف من الإصابة بالكوليرا، باتت الخزانات الخيار الوحيد لمياه الشرب.
ويشير “إسماعيل”، بعد ملء عبواته بالمياه، وبينما يتصبّب العرق من جبينه، “نأتي إلى هذا الخزان في الحي، للحصول على المياه، لكنه لا يكفي كون جميع سكان الحي يعتمدون عليه”.
مخاوف من الكوليرا
وعلى غرار معظم سكان المنطقة، يخشى “إسماعيل”، من إصابة أفراد عائلته بمرض الكوليرا، بعدما بات اثنان من أولاده طريحي الفراش بعد إصابتهم بأمراض معوية.
ويشكو من تلوث مياه الصهاريج “ملأت خزاني المنزلي عدة مرات من الصهاريج لكن مياهها ملوثة وطعمها مرّ”.
وتتحدث إحصائيات المشفى الوطني في الحسكة، عن استقبال قرابة 30 مريضاً يومياً، مصابين بأمراض معوية؛ بسبب شرب مياه ملوثة في الآونة الأخيرة.
وأمام خزان آخر في حي الكلاسة، ينهمك طه رمضان، برفقة زوجته وأولاده، بملء عبوات المياه لنقلها إلى منزلهم.
ويقول الخمسيني، الذي غزا الشيب شعره، إنهم يعانون كثيراً من مشكلة شحّ المياه، “تأتينا المياه عبر الصهاريج وغالباً يكون طعمها مرّ، وملوثة، فحتى أنابيب المياه المنزلية سُدّت بسبب التلوث والكلس الزائد ضمن المياه”.
ويضيف، “ننقل أنا وعائلتي عبر الغالونات والعبوات؛ المياه من هذا الخزان إلى المنزل؛ لاستخدامها في شتّى المستلزمات المنزلية، لأن مياهه أفضل قليلاً”.
فيما لم يخفِ “رمضان” أيضاً، مخاوفه من تفشّي مرض الكوليرا، ولا سيما مع تسجيل مناطق في شمال شرقي سوريا، إصابات بالمرض.
وحذّرت منظمة الصحة العالمية، في الثالث عشر من الشهر الجاري، من أن خطر انتشار الكوليرا في سوريا “مرتفع للغاية”، بعد الإعلان عن تسجيل إصابات في محافظات عدّة، للمرة الأولى منذ عام 2009.
“المياه لا تسدّ حاجتنا”
ويعتمد السكان في الحسكة، على الصهاريج في تأمين المياه، بينما يشكو الكثيرون من عدم صلاحية أغلبيتها للشرب بسبب تلوثها وتكون ذات طعم مرّ.

ويعمل قرابة 600 صهريج؛ لتأمين المياه للسكان، أغلبها من القطاع الخاص ضمن المدينة، وفق تقديرات مديرية المياه بالحسكة.
وعلى غرار سابقيه، قصد محمد سرجين، برفقة ابنه؛ خزانات المياه بعدما عزف عن شراء المياه من الصهاريج، إذ أُصيبت زوجته بأمراض معوية جراء تلوّثها، على حدّ قوله.
ويقول الرجل الأربعيني، وهو ينتظر دوره لملء عبواته بالمياه، “نجد صعوبة كبيرة في تأمين المياه، سابقاً كان جلّ تفكيرنا في غلاء السعر، لكن حالياً بتنا نفكر بالأمراض المنتشرة”.
ومنذ خمسة أيام، تعاني زوجة “سرجين”؛ من الإسهال والإقياء، وهذا الحال نفسه بالنسبة لشقيقته وشقيقه.
ويقصد “سرجين”، خزان المياه في حيّه وخزانات أخرى في أحياء ثانية لتأمين المياه لأسرته.
وبنبرة يغلبها اليأس، يلخّص معاناته في نقل المياه بالقول، “المياه عبر العبوات لا تسدّ حاجتنا، بينما المشكلة الرئيسية أن منازلنا بعيدة وليس لدينا وسيلة نقل”.