دمشق ـ نورث برس
التسعيرة الجديدة للمصرف المركزي السوري، ما زالت أقل من سعر السوق بما لا يقل عن 1400 ليرة، إذ عدل المركزي في الأمس، سعر الدولار بأكثر من 200 ليرة سورية ليصبح سعر الدولار مقابل الليرة 3015 ليرة بدلاً من 2813 ليرة. وظلت التسعيرة بعيدة عن السعر الحقيقي لدولار السوق.
التعديل هو الثاني خلال عام، إذ كان الأول في نيسان/ أبريل الماضي، حيث رفع مصرف سوريا المركزي، سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية في نشرته الرسمية، إلى 2814 ليرة سورية بالحد الوسطي، بعد أن كان بـ2512.
وعن الأسباب الموجبة لقرار المصرف السوري، قال اقتصادي مصرفي لنورث برس، إن هذا القرار تفرضه الظروف الاقتصادية الحالية وتراجع مصادر الحصول على القطع الأجنبية.
وأضاف المصدر، أن أحد هذه الأسباب هو “الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع الأسعار العالمي الذي أثر على الحوالات التي كانت تصل إلى سوريا، بعد ارتفاع الأسعار في عموم العالم وزيادة التضخم”.
وتوقع الاقتصادي، أن يصبح الأمر أكثر سوءاً خلال الشتاء مع زيادة الحاجة للمحروقات، الأمر الذي قد يدفع الكثير من المعامل للتوقف عن العمل وتسريح العمالة، وكل هذا سيطال السوريين الموجودين في الخارج ويقلل من إمكانية تقديم المساعدات لذويهم في الداخل.
أما السبب الثاني برأيه، فهو في ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي وتراجع الصادرات وعوائد التصدير “الأمر الذي جعل الخزائن تفقد مصدراً آخر للحصول على القطع”.
في حين بين مصرفي يعمل في أحد المصارف الخاصة، لنورث برس، أن قرار تحريك سعر الدولار “لن يحقق مبتغاه لأنه سيتسبب برفع الأسعار وهذا بدوره سيكون عبئاً إضافياً على أعباء الإنتاج الزراعي والصناعي، وسيجعل هذه المنتجات عاجزة عن منافسة مثيلاتها من إنتاج دول الجوار”.
وأشار إلى أن خسارة سوريا لمواردها الطبيعية من إنتاج النفط والغاز والقمح يجعل عوائد التصدير “بحدودها الدنيا”، ومن الصعوبة ترميم هذه الفجوة مهما حرك البنك المركزي من سعر الدولار للاقتراب من سعر السوق السوداء.
في حين أكد خريج كلية الاقتصاد في اللاذقية والمصرفي، جورج عبد الله، أن تقليص الفرق بين سعر الدولار في السوق والسعر الرسمي “يحقق الكثير من الإيجابيات”.
ومن تلك الإيجابيات بحسب “عبدالله”، أن “لا يشعر التجار والمواطنون بالغبن عند التصريف الإلزامي للدولار بسعر أقل من سعر السوق”.
بالإضافة إلى أن هذا الإجراء يمكن أن يساهم في زيادة الصادرات، حيث أن قرار “تعهد التصدير” من المركزي يفرض على التاجر المصدِّر تسليم 50% من قيمة الصادرات إلى المصرف المركزي بالسعر الرسمي، وعند التقريب بين السعرين تنخفض خسائر التاجر المصدر، ويصبح هنالك فرصة لزيادة الاحتياطي الأجنبي وعمولات التحويل، بحسب المصرفي.
وقد تحدث أحد التجار لنورث برس عن حجم الخسائر التي يتعرضون لها بسبب إلزامهم بتطبيق تعهد التصدير الذي يفرض على كل تاجر يصدر بضاعته للخارج “تسليم 50% من قيمة فاتورة الصادرات بالدولار للمركزي بالسعر الرسمي (2850) ليرة”.
وذلك بحسب التاجر، للحصول على دولار رخيص من المصدرين مقابل تعريضهم لخسائر كبيرة تزداد كلما ازداد الفارق بين سعر المركزي والسوق السوداء.
وقال التاجر إن هذا الإجراء “أحد أهم أسباب تراجع الصادرات الزراعية والصناعية الذي يؤدي بدوره لتراجع العرض من الدولار، وتضرر المنتجين”.
الأفضل للاقتصاد
وتساءل أستاذ جامعي في كلية اقتصاد دمشق، عما إذا كان بقاء سعر الصرف في المركزي أقل من سعره الحقيقي في السوق السوداء “أفضل للاقتصاد الوطني أم أن العكس هو الصحيح؟”.
وأشار أنه يجب رفع السعر ليقترب من قيمته الحقيقية، لأن هذا يخفف من الخسائر على الموازنة العامة، ويمنع بعض المستوردين من تحقيق الفائدة من الدولار الرخيص مع تسعير المستوردات على سعر صرف السوق السوداء.
وكان الخبير المصرفي عامر شهدا، قد علق عبر صفحته على تعقيب وزارة التجارة الداخلية التي أكدت أن من يتأثر بقرار رفع سعر الصرف هو المواد التي تمول من قبل المركزي (القمح والأدوية النوعية وحليب الأطفال).
وقال “شهدا” إن تأثير الرفع على سعر القمح والذي تستورده مؤسسات الدولة “يعني أننا أمام رفع أسعار الخبز بأقل تقدير، وإلا سيزيد العجز فتلجؤون لرفع أسعار المحروقات فترتفع الأسعار مرة أخرى”.
أضاف “شهدا” أن القمح مرتبط بصناعة أكثر من مئة مادة سيرتفع سعرها.
كما أن رفع سعر صرف الدولار الرسمي “سيليه رفع لسعر دولار الجمارك بنسبة ٧% مما سيؤدي لارتفاع تكلفة التخليص ورفع الأسعار أيضاً”، بحسب الخبير المصرفي.
وقال “شهدا” في منشوره، “يبدو لدى الوزارة استهانة بسعر حليب الأطفال والأدوية. إذ عندما ترتفع تكلفة طعام الطفل، فوالده التاجر سيرفع أسعاره ليغطي مصروف طفله”.
وأضاف: “إن من حق التاجر والمستورد أن يتحوط، فسياسة التحوط غير واردة حكومياً، لذلك تكثر مصائبنا. وذلك أفضل من أن يقول لكم سنغلق عملنا ونسرح عمالنا فتتصلوا به ليعود عن قراره”. في إشارة منه إلى ما حصل مع صاحب معمل “الأندومي“.