أربيل- نورث برس
يعتقد باحثون أن الضربات المتتالية التي حصدت رؤوس شيوخ تنظيمي “داعش والقاعدة”، لا تعني نهايتهما، بل تتصاعد مستوى التحذيرات من عمليات انتقامية لاحقاً، فيما يواصلان نشاطهما بالرغم من القوة المتباينة والاختلاف في آلية اختيار الخلفاء.
وقد تؤثر سلسلة العمليات التي قضت على رؤوس تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومؤخراً الضربة التي وجهت ضد تنظيم القاعدة وأسفرت عن مقتل زعيمه أيمن الظواهري، معنوياً على قوة التنظيمين.
لكن لا تتوقف التحذيرات من خطورتهما، فضلاً عن تنامي جيل جديد يواصل نشاطه في مختلف البلدان ولا سيما في الشرق الأوسط.
وتم قتل قيادي تلو الآخر في تنظيم “داعش” وبعمليات أميركية خاصة وإنزالات جوية، معظمها في شمال غربي سوريا.
أما تنظيم القاعدة فقد خسر زعيمه أيمن الظواهري الأحد الفائت في العاصمة الأفغانية كابل، بعملية جوية أميركية، بعد أكثر من 10 سنوات من عملية قتل سابقه أسامة بن لادن في باكستان.
وكانت قد استُهلّت عمليات القضاء على زعامات “داعش”؛ بمقتل زعيم التنظيم “أبو بكر البغدادي”، الذي أعلن الخلافة على مساحات شاسعة في العراق وسوريا في 2014، في غارة شنتها القوات الخاصة الأميركية في إدلب في 2019، بالتزامن مع انهيار التنظيم عسكرياً في سوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية وبدعم التحالف الدولي.
وقتل خلفه في زعامة التنظيم “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” بتاريخ 3 شباط/ فبراير الماضي، في بلدة أطمة بمحافظة إدلب السورية.
تلاه عملية أخرى في عفرين يوم 12 تموز/يوليو الفائت، أسفرت عن مقتل ماهر العقال وهو خامس أبرز قيادي في التنظيم، بضربة أميركية نفَّذتها طائرة بدون طيّار.
ولا ينفك التنظيمان، (داعش والقاعدة)، عن تغيير هيكليتهما وتعيينهما قيادات وتغييرها باستمرار بعد مقتل كل قيادي فيهما أو القبض على بعضهم الآخر.
ويرى الباحث المصري في شؤون الجماعات المتشددة، مصطفى أمين أنه “عموماً هناك تجهزيات تنظيمية للخلافة وهذا ينطبق على معظم التنظيمات الجهادية داعش والقاعدة وحتى الإخوان المسلمين، إذ أن لديهم أجيال لاحقة”.
اختلاف في آلية اختيار الخلفاء
وأشار إلى أنه ليس لدى التنظيمات تلك أزمة لإحياء جيل قادم أو أزمة في تحضير قيادات جديدة.
وأَضاف “أمين” أنه بالنسبة لتنظيم القاعدة فوضعه المهترئ قد يدفعه إلى اختيار الزعيم الجديد إما في إيران أو في أفغانستان، وهذا سيستغرق وقتاً نظراً لأن التنظيم يعاني من تدهور وضعه الجهادي وتراجعه إلى المرتبة الثانية عالمياً بعد “داعش”.
واعتقد الباحث في شؤون تلك الجماعات، أنه “غالباً ما ستختار القاعدة (سيف العدل) بتوافق قيادات التنظيم، ما يعني أن نشاط التنظيم مستمر بدون توقف”.
وصدر آخر تحذير من عمليات انتقامية قد ينفذها تنظيم القاعدة، من وزارة الخارجية الأميركية، حيث حذرت في بيان الثلاثاء، من احتمالية أكبر لوقوع أعمال عنف ضد أميركا بالنظر إلى مقتل أيمن الظواهري في الواحد والثلاثين من تموز/ يوليو 2022.
وقالت إن لديها معلومات حالية تشير إلى أن “المنظمات الإرهابية تواصل التخطيط لهجمات ضد المصالح الأميركية في مناطق متعددة في جميع أنحاء العالم(..)”.
ونظرًا لأن الهجمات غالبًا ما تحدث دون سابق إنذار، بحسب الوزارة، فإنها تحث مواطنيها “بشدة” على الحفاظ على “مستوى عالٍ من اليقظة”.
وهذا التحذير ينطبق بشكل كبير على “داعش” أيضاً، الذي يعتبر الأول عالمياً، خاصة أن “لديه جيل كبير منتشر على نطاق واسع”، حسب “أمين”.
وقال إنه ليس لدى “داعش” مشكلة في اختيار زعيم جديد، “بل لديه أجيال متعاقبة من القيادات، فحتى بعد مقتل شيخيه في إدلب، عقد مجلس شورى التنظيم اجتماعاً سريعاً ليعلن عن أبو حسن الهاشمي زعيماً جديداً”.
وقال الباحث المصري إن لدى لـ”داعش” القدرة على إيجاد قيادات جديدة لأنه “أكثر تنظيماً” من القاعدة، ولديه شبكة أخطبوطية معقدة من التابعين والمبايعين والحركات الصغيرة والكبيرة كفروع له في أفريقيا وخرسان والعراق وسوريا.
وتنظيم “داعش”، “لا يعيقه مسألة اختيار القيادات، فحتى لو قتل أبو حسن الهاشمي وهذا صعب”، بحسب “مصطفى” لأن شخصيته غير معروفة ومبهمة وتشح المعلومات عنه، “سوف يتم الإعداد لشخصية جديدة”.
وأوضح “أمين” أن تنظيم القاعدة وعلى خلاف “داعش”، يعاني من مشكلة من اختيار الزعيم، “فدائماً يتم اختيار شخصية معروفة وغالباً سيكون (سيف العدل)، ناهيك أن لديه مشكلة في السيطرة على الفروع، ولا سيما بعد مقتل معظم قيادات التنظيم الكاريزيمية آخرهم الظواهري، بعد أسامة بن لادن، لكن مع الوقت سيعلن عن الزعيم الجديد”.
تحذيرات
ولعل المكان الذي قتل فيه قياديو “داعش” يعيد إلى الأذهان تقاسمه الجغرافيا مع فرع تنظيم القاعدة سابقاً “جبهة النصرة”، الأمر الذي يصعّب فصل نشاطهما، بغض النظر عن آلية تنظيميهما المنفصل.
ويشكل “داعش” خطراً كبيراً في سوريا والعراق، نظراً لنشاطه المستمر في مناطق متفرقة بين البلدين، بينما يتكرر التحذير الأكبر مما قد يخلفه مخيم الهول من جيل ناشئ للتنظيم.
وفي ظل الوعود الدولية المستمرة لمحاربة التنظيم، ودعم القوات المناهضة له في سوريا والعراق، تحذر قيادات عراقية وأخرى في شمال شرقي سوريا من استمرار خطر “داعش” ولاسيما على الصعيد الفكري الوليد في مخيم الهول بشمال شرقي سوريا.
وقال وزير القوات المسلحة البريطانية، جيمس هيبي، اليوم الخميس، خلال لقائه بوفد من البيمشركة في بريطانيا، إن “داعش لا يزال يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار في العراق والمنطقة والعالم”.
والشهر الفائت، اعتبر المتحدث باسم القائد العام للقوات العراقية المسلحة، يحيى رسول، في تصريح متلفز، مخيم الهول في سوريا بمثابة “قنبلة نووية”، داعياً المجتمع الدولي للتحرك بهدف حل هذا الملف “الخطير”.
وأشار إلى أن مخيم الهول، يحوي نساء وأطفالاً معرضين للتجنيد، ما يعني أنه “مصدر جيل جديد أقسى من داعش بعشرات المرات”.
وبالتزامن مع التحذيرات الأميركية من العمليات الانتقامية، رغم أنها صدرت بخصوص تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه الظواهري، تتخوَّف إدارة شمال وشرق سوريا مع أن تدفع التهديدات التركية المستمرة بشن عملية عسكرية في الشمال السّوري، إلى إتاحة الفرصة لعناصر “داعش”، بتنظيم أنفسهم من جديد.
القضاء على الأسباب
يقول المحلل السياسي العراقي علي البيدر، إن تجفيف منابع الإرهاب لا يتم عبر قتل القيادات البارزة في التنظيمات المتطرفة، بل هناك أسباب وراء بقاء التشدد بما فيه الظلم والفقر والتهميش والكثير من المسببات الفكرية.
وأشار “البيدر” إلى ما بعد مقتل كل قيادي وهو “ظهور زعيم جديد وأول ما يفكر به هو الانتقام والثأر وإثبات جدارته ووجوده ومقدرته على القيادة، وكل هذا يأتي عبر مدى مستويات العنف، وبالتالي سيكون هناك تحديث لعمليات العنف بطرق أكثر فتكاً”.
وحجّم “البيدر”، من تأثير مقتل أيمن الظواهري على تنظيمه الذي سيواصل نشاطه على حد اعتقاده مادامت الأرضية مهيأة لذلك، كالتي ذكرها من عوامل مجتمعية فكرية.
وأضاف “البيدر”: مقتل الظواهري لا يعني الكثير فهو أساساً كان قد وصل إلى مشارف التسعينات من العمر ووجوده كان عبئاً على التنظيم لأنه ذو عقلية كلاسيكية”.
وبيّن أن “تنظيم القاعدة يرى أنه بحاجة إلى عقلية ديناميكية تتعامل مع الأحداث وتستطيع التحرك والتواصل والانتقال واستخدام وسائل التقنية العصرية، كل ذلك كان خارج نطاق عمل الظواهري، لذا فإن القضاء عليه قد لا يتعدى استعراض قوة معنوية ضد هذه الجماعات”.