حياة سكانِ مخيّماتٍ عشوائية في الرقة.. فقر الحال قنن طعاماً وأعرى أطفالاً
الرقة – نورث برس
تتشابه القصص المليئة بالحرمان وتتكرّر كيفما تنقّلت في المخيمات العشوائية التي تتوزع على جغرافية الرقة والتي تضمُّ 58 مخيماً، يقطنها نحو 90 ألف نازح، بحسب مكتب شؤون المخيمات والنازحين في مجلس الرقة المدني.
معظم قاطنو تلك المخيّمات هم أشخاص نحيلون، ترك الجوع والقلة أثراً بالغاً في تفاصيل وجوههم وأجسادهم التي تُشير إلى أعمار أكبر من أعمارهم الحقيقية بسنوات.
كان هؤلاء الأشخاص يملكون يوماً ما أملاكاً وعقارات وأراضٍ يذكرونها كل يوم بحسرة، جعلتهم كما يقولون يتمنون الموت يومياً ألف مرة لكن دون جدوى، ليجدوا أنفسهم مُجبرين على الاستمرار في هذه الحياة.
وأغلب القاطنون في مخيمات الرقة العشوائية من الأطفال والنساء وكبار السن، بينهم آلاف المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة ومصابي الحرب، بالكاد يجدون ما يسدُّ رمقهم ويُبقيهم على قد الحياة.
وينحدر النازحون في تلك المخيّمات من مناطق في أرياف حمص وحماة وحلب، تركوا مناطقهم قبل أن تستعيد الحكومة السورية السيطرة عليها قبل عدة سنوات بعد معاركٍ مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
صُنعت الخيام في هذه المخيّمات من بقايا القماش والأغطية وأكياس الحبوب، ومن النادر أن تجد خيام كتلك التي تراها في المخيمات الرسمية التي تتبع للإدارة الذاتية وعليها إشارة الأمم المتحدة أو وكالة “الأونروا”.

وتسببت العواصف الغبارية التي شهدتها الرقة ومناطق أخرى من شمال شرقي سوريا، خلال الفترة الماضية، إلى تمزق الكثير من الخيام حيث عجز أصحابها عن إصلاحها أو شراء البديل عنها، ليجدوا أنفسهم أمام حلّين إما التشارك بالخيام التي لم تنل منها الرياح أو المكوث في العراء بانتظار “الفرج”.
وفي مخيم الدهموش العشوائي بريف الرقة الجنوبي، يختصر علي شديد معاناته بالقول، “نخشى المستقبل، نخشى أن يبقى أطفالنا جائعين في العراء في مخيّمات لا تصلح للعيش، ناهيك عن الأمية والجوع والمرض الذي ينهش أجسادنا”.
ويضيف الرجل البالغ من العمر 40 عاماً، وهو نازح من ريف حمص، “نموت ببطء في هذا المخيّم، بينما يراقبنا العالم دون أن يفعل شيء”.
ويفتقد القاطنون في تلك المخيمات للمساعدات الإنسانية ويشكون قِلتها أو حتى انعدامها أحياناً، ويضطرُّ هؤلاء إلى حرمان الأطفال ذكوراً وإناثاً من التعليم وإرسالهم للعمل لتحصيل القوت اليومي.
وفي هذه التجمعات السكنية البسيطة، ترى أطفالاً بلا لباس أو حتى يلبسون سروالاً قصيراً يسترون به جزءاً من أجسادهم، ولولا بحثهم عن السترّ لما ارتدوا حتى ذلك السروال، وفقاً لحديث إحدى النازحات لنورث برس.
وفي شقٍّ آخر، تضطرُّ عائلاتٌ نازحة إلى التقنين بوجبات الطعام، فترى بعضهم يؤخِّرون الفطور والغداء لتوفير وجبة العشاء، وغالباً ما تكون البقوليات مثل الأرز والبرغل هي الوجبات الرئيسية والمعتادة مع ندرة تناول اللحوم.
وقلّما يستطيع النازحون الحصول على فرص عمل، وإن وجدت فتكون موسمية وترتبط غالباً بالزراعة والعمل بالحقول الزراعية المجاورة للمخيمات، بأجرٍ ماديٍّ ضئيل لا يسدُّ حتى الاحتياجات الأساسية.

ويترقب القاطنون، أيّة سيارة تقف بالقرب من خيامهم، تقلُّ أشخاصاً يحملون الأوراق على أمل أن يتم تسجيلهم في سجلّات للحصول على مساعدة إغاثية أو مادية لكن ذلك لم يحصل منذ شهور طويلة.
بينما تركّز المنظمات المدنية العاملة في الرقة على جلسات التوعية الصحية والنفسية خلال المبادرات التي تقام في المخيّمات، والتي “لا تقي من بردٍ أو حر ولا تخفف وطأة الجوع والقِلة”، وفقاً لقول النازحين.