القصف التركي يلتهم قوت مزارعين بريف حلب الشمالي وآخرون يستعجلون الحصاد
ريف حلب الشمالي- نورث برس
يخشى مازن أحمد (51 عاماً) وهو مزارع من قرية حساجك بريف حلب الشمالي أن يخسر مساحات إضافية من أرضه البالغ مساحتها 17 هكتار مزروعة بالقمح والشعير والكزبرة والحبة السوداء.
وفي التاسع من الشهر الجاري، احترقت من تلك المساحة واحد هكتار من محصول القمح، بسبب سقوط عدة قذائف مدفعية أطلقتها القوات التركية وفصائل المعارضة المتمركزة في القرى المجاورة لقريته، بالإضافة لاحتراق ثلاثة هكتارات ونصف هكتار من الشعير العائدة ملكيتها لمزارع آخر في القرية.

ووفقاً لمزارعين في المنطقة، فإن محصولي القمح والشعير يحتاجان لنحو أسبوع حتى يصبحا جاهزين للحصاد، فيما بدأ بعضهم بحصاد محصوله خوفاً من أن تلتهمها نيران القصف.
ولكن مع تعرض المنطقة للقصف بين الحين والآخر، فإن الأراضي المزروعة في محيط حساجك والبالغ مساحتها نحو 250 هكتاراً مهددة بالاحتراق.
يقول المزارع متحسراً على ما آل إليه حال أرضه، “تعذبنا كثيراً يومها حتى استطعنا إطفاءالحريق الذي نشب بأرضي وأرض جاري والتي تعتبر مصدر رزق لعائلاتنا”.
وتقع مجمل أراضي الرجل الخمسيني بين قريتي الحصية وحساجك، ويشير إلى أنه يتخوف من تعرضهم للقصف أثناء بدئهم الحصاد.
وتقع القرى قول سروج وحساجك وقراج حساجك والوردية وتل المضيق وسموقة وحاسين وفافين والمسلمية، على خطوط التماس مع مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها بريف حلب الشمالي.
وصعدت القوات التّركية عمليات القصف لريف حلب الشمالي، منذ حوالي أسبوعين، إذ تتعرض هذه القرى للقصف التّركي بشكل شبه يومي.
ويعود الرجل بذاكرته إلى عام 2016 وخسر حينها أربعة عشر هكتاراً من الشعير، ولم تنجو من أرضه سوى ثلاثة هكتارات وبلغ إنتاجها ثلاثة أكياس فقط، بسبب تعرضها للحريق أثناء الاشتباكات التي دارت بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و”الجيش الحر”.
خسائر مادية
وتتحدث إحصائيات هيئة الزراعة في إقليم عفرين والعاملة حالياً في مناطق بريف حلب الشمالي، عن أن نيران قصف تركيا والفصائل التهمت حتى الآن 35 هكتاراً من مجمل الأراضي في المنطقة والبالغ مساحتها 25 ألف هكتار مزروعة بالقمح والشعير والخضروات والكمون والكزبرة والحبة السوداء.
وتعود أغلب المساحات المحترقة لهذا العام لسكان قرى حساجك وشيخ عيسى وتل رفعت والحصية وقول سروج.
فيما العام الفائت، احترق قرابة 100 هكتار من المحاصيل، بحسب الهيئة.
وعن إمكانية تعويض المتضررين، يقول باسم عثمان، الرئيس المشارك للهيئة، إنهم لم يقرروا بعد ما إذا سيتم تعويضهم أم لا.
ولكنه يشير إلى أن الهيئة جاهزة لاستلام كامل محصول القمح من المزارعين بسعر 2200 ليرة للكيلوغرام الواحد، والشعير بـ1600 ليرة، وذلك وفقاً لما حددته الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
وتشتهر منطقة ريف حلب الشمالي بالزراعة وتعتبر الدخل الأساسي لسكانها وخاصة محاصيل القمح والشعير، بالإضافة للخضروات والكمون والكزبرة والحبة السوداء والبقوليات وكروم الزيتون والفستق الحلبي ودوالي العنب.
لكن قلة الهطولات المطرية وجفاف مياه نهر القويق الذي يمر من المنطقة، أثر سلباً على نمو المحاصيل وخاصة القمح والشعير البعلي.
ويذكر “عثمان” أن 30% من المساحات المزروعة البعلية والمروية تأثرت مقارنة مع العام الماضي.
“ما ذنبنا”
وفي ذات القرية ينتظر ويس حنطايا (55 عاماً)، بقلق دوره في حصاد محصوله من الشعير، حيث أخبره صاحب الحصادة بأنه سيأتيه فور الانتهاء من الأراضي القريبة أكثر من خطوط التماس.
ويقول “حنطايا” الذي يملك هكتارين من محصول الشعير البعلي، إن محصوله لم ينضج بشكل كامل “لكن تكرار القصف يضطرنا لحصدها، لأنه من المحتمل أن تسقط قذيفة وتأخذ معها تعب سنة كاملة بلحظات معدودة وتتحول الأرض لرماد”.
ولكنه يخشى أن تتعفن حبوب الشعير وخاصة أنه لم ييبس بعد.

ويبدي الرجل استيائه مما عاناه خلال سنوات الحرب السورية، إذ كان يملك مزرعة أبقار تضم 45 رأساً، تدمرت في قصف للطائرة الروسية على مقر لتنظيم “داعش” بالقرب من مزرعته.
ويضيف بلهجته الحلبية، “ادمرنا ما ضل شيء صفينا على الحديدة”.
ومنذ ذلك الوقت، يعتمد “حنطايا” وهو أب لأربعة أولاد على زراعة أرضه لتأمين رزق عائلته وسط ظروف معيشية صعبة يواجهها في مدينة حلب.
وبسبب قلة الهطولات المطرية وقلة المياه الجوفية في الآبار وغلاء مادة المازوت وارتفاح تكاليف الزراعة من بذار وسماد وأدوية، لم يزرع “حنطايا” سوى قطعة واحدة من أراضيه.
ويتساءل الرجل: “ما ذنبنا لننحرم من أراضينا، فنحن فلاحون بسطاء، بسبب القصف المتكرر لا البهايم عم تاكل ولا الأوادم عم تاكل”.