“يدٌ واحدة لا تُصفق”.. غلاء المعيشة يدفع أسراً في الرّقة للعمل بشكل جماعي
الرقة – نورث برس
لم يعد جابر الجديع (38 عاماً)، العامل في سوق الهال بالرّقة، شمالي سوريا، قادراً على تأمين مستلزمات عائلته، بعد ارتفاع أسعار جميع المواد وتدني أجور العاملين.
ويقول: “أجبرت على إرسال ابني (13عاماً) للعمل بإحدى ورشات ميكانيك السّيارات في المنطقة الصّناعية بالمدينة، بعد تركه مقاعد الدّراسة”.
وبالجملة العامية “مو طالع بالأيد شي، إيد وحدة ما بتصفق وما عندي حدا غيرو أعتمد عليه”، يرد الرّجل على سؤالنا حول ترك ابنه لمقاعد الدّراسة.
ويعمل “الجديع” عتالاً لسيارات الشّحن المُحملة بالخضار لإفراغها في المحلات والمستودعات، ويتقاضى 7 آلاف ليرة سورية تقريباً للشاحنة الواحدة في اليوم، حسب الرّجل.
ويقطن هو وأسرته المؤلفة من ست أطفال في منزلِ صغيرة بحي المُختلطة شرقي الرّقة، وتجمع زوجته ما تجنيه من الخياطة النّسائية، لشراء مستلزمات المنزل الأساسية، حسبما يقول.
ونظراً لتدني المستوى المعيشي تُجبرُ أغلب العائلات في الرّقة على أنّ يعمل معظم أفرادها، حسب سكان.
ولا يوجد ضمن قوانين مجلس الرّقة المدني، تحديد شامل لأجر العمال الذين غالباً ما يجبرون على العمل لساعات طويلة بأجور متدنية.

ويشير الرّجل إلى أنه لم يتلقَّ مساعدة من الجهات المسؤولة أو المنظمات التي تهتم بتوفير فرص عمل دائمة للعائلات من ذوي الدّخل المحدود.
ويقول مسؤول محلي في لجنة الإحصاء التّابعة لمجلس الرّقة المدني، إنّ 35.5 بالمئة من معيلي الأسر في المدينة وريفها يعانون من البطالة.
“دخله يكفينا عشر أيام فقط”
وتقول جواهر العيسى (41 عاماً) وهي من سكان حي الرّميلة في الرّقة، إنها في بداية كل موسم زراعي تعمل بإعداد المؤون المنزلية مع بناتها الأربعة لمساعدة زوجها وتخفيف بعض التّكاليف عنه.
ويعمل زوجها في بساتين زراعية بأرياف الرّقة، ويصل دخله الشّهري إلى 175 ألف ليرة سورية تقريباً، حسبما تقوله.
وتضيف: “عمله ليس مُستمراً لأنه يعتمد على المواسم فقط، أي تجده غالباً عاطلاً عن العمل ولكنه يحاول كسب رزقه في أحد ورشات البناء أو عبر تقطيع الحديد في سوق الرّقة”.
ولكن الدّخل الذي يكسبه زوجها غير كافٍ لإعالة الأسرة إلا لمدة عشر أيام، بسبب الغلاء والوضع المعيشي المُتردي. حسب “العيسى”.
ومنذ فترة تشهد أسواق الرّقة ارتفاعاً كبيراً بالأسعار، ويتهم السّكان التّجار والتّموين بكونهم سبب الأزمة، حسب ما نشرته وكالة نورث برس.
وتشير إلى أنّ بعض الجهات الإدارية زارتهم وسجلت بعض البيانات والأسماء، ولكنها لم تقم بأي شيء على أرض الواقع.
وتطالب جواهر الجهات المعنية والمُنظمات المحلية أنّ تأخذ أوضاعهم بعين الاعتبار، إذ أنه من الصّعب لهم أنّ يستجدوا المساعدة من أحد، “نحن نعمل ونؤمن أنفسنا من عرق جبيننا، حتى لو كان المردود قليلاً”.
وتنتشر البّطالة بشكل أكبر بين معيلي الأسر من سكان ريف الرّقة بنسبة 39 بالمئة أكثر منها بين سكان المدينة بنسبة 32 بالمئة، وفقاً للجنة الإحصاء في مجلس الرقة المدني، حسبما نشرته نورث برس في وقت سابق.
“كنت أريد إعادتهم للمدرسة”
ومن جانبها أرسلت ولاء الحسن (37 عاماً) من سكان حي الطّيار في الرّقة، طفليها الأول (13 عاماً) والأصغر (11 عاماً)، للعمل في البيع بأحد المحلات الغذائية في سوق المدينة.
وعن أسبابها تقول “توفي زوجي إثر انفجار أحد الألغام في المدينة، ولا معيل لدينا سوى عملي المتقطع في الخياطة النسائية، الذي لا يكفي لتأمين متطلبات أطفالي الثلاثة”.
ويصل دخل المرأة الشّهري إلى 120 ألف ليرة سورية، بينما يشتري أطفالها ما يلزم المنزل من مواد غذائية أساسية من المحل الذي يعملون فيه، ويخصم صاحب المحل قيمتها من مرتبهم الأسبوعي.
ويقول سكان إنّ دخل الأسرة في الرقة اليوم يجب أنّ يكون 700 ألف ليرة سورية على أقل تقدير، حتى يكفي لتلبية متطلباتها في ظل الغلاء.
وتفكر “الحسن” في أن ترسل ابنتها لإحدى جاراتها لتعلمها التّطريز على الثّياب، لتكون قادرة على توفير دخل يساعدها في تلبية احتياجاتها كأي فتاة أخرى، “لا أحب أن تحرم من أي شيء”.
وتلفت السيدة النّظر إلى محاولاتها للعمل في إحدى المنظمات التي تعطي دورات مهنية للفتيات، إلا أنها لم تحصل على الفرصة المناسبة، “كنت أريد إعادة أطفالي لمقاعد الدّراسة لو عملت”.

وفي تموز/ يوليو الماضي، نشر برنامج الأغذية العالمية الذي يتبع للأمم المُتحدة تغريدة على “تويتر”، عبر فيها أنّ معظم الأسر السّورية تلجأ للاستدانة لشراء الحاجات الأساسية وتقنين كميات الطّعام التي تأكلها.
ويقول علي الشّعيب مدير مكتب إدارة الحالة في لجنة الشّؤون الاجتماعية والعمل، إنّ المكتب وزَّع ما يقارب الـ100 سلة غذائية لبعض العائلات المحتاجة في الرّقة.
ويشير إلى أنّه يجري العمل على مشروع في شهر رمضان لتوزيع سلة غذائية مدعومة لأكبر عدد ممكن من الأسر، تكفي لثلاثة أيام متواصلة.