إدلب– نورث برس
مع كل صباح ينطلق عدنان الأصفر (35 عاماً) وهو نازح في مدينة الدانا شمال إدلب، شمال غرب سوريا برفقة ابنه إلى مقبرة المدينة الرئيسية حاملاً معوله وأدوات الحفر الخاصة ليبدأ بعمله في حفر قبور للموتى.
ويقول النازح الذي ينحدر من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب إنه يخرج يومياً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى المساء
ويبدأ عمله في المقبرة الرئيسية، وحين لا يتوفر عمل هناك، يتنقل بين المقابر الأخرى في المدينة.
وكان “الأصفر” قد بدأ العمل في حفر القبور منذ قرابة العامين وذلك بعد أن “عمدت” حكومة الإنقاذ، الذراع المدني لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) إلى إغلاق الكشك الذي كان يعمل به وسط الدانا.
وتعتمد مئات العائلات في إدلب على البسطات والأكشاك كمصدر كسب، غير أن البلديات التابعة لهيئة تحرير الشام عمدت إلى إغلاق العديد منها وتوجيه إنذارات بإخلائها بسبب “إشغال المرافق العامة”.
ويحصل الرجل الثلاثيني على 50 ليرة تركية(نحو 14 ألف ليرة سورية) مقابل حفر كل قبر الذي يستغرق منه ثلاث ساعات لإتمام عملية حفره.
واسبوعياً يحفر الأصفر وهو معيل أسرة مؤلفة من خمسة أفراد، نحو أربعة قبور، يقل أو يزيد بحسب عدد المتوفين في المدينة.
وفي إدلب، يعمل رجال وأطفال في حفر القبور ويعتمدون عليها كمصدر رزق للإنفاق على عائلاتهم.
ويقول هؤلاء إن الظروف المعيشية الصعبة وندرة فرص العمل في المنطقة، دفعتهم للعمل في هذه المهنة التي لا يفضلها الغالبية بسبب طبيعة العمل التي تتطلب التواجد بين المقابر وانتظار توافد الجنازات.
وعلى مقربة من مدينة معرة مصرين شمال إدلب، يعمل أحمد الشواف (15عاماً) وشقيقيه بمهنة حفر القبور بعد أن فقدوا والدهم إثر إصابته بفيروس كورونا نهاية العام الماضي.
يقول الطفل إنهم يعملون على حفر القبور بشكل مستمر في مقبرة معرة مصرين، حيث يجد ذوي المتوفي عدة قبور جاهزة مسبقة الحفر ويختارون إحداها ويدفعون ثمنها لهم مقابل دفن موتاهم فيها.
ويشير إلى أنهم يحفرون قبور عديدة بقياسات وأعماق مختلفة تتراوح بين المتر والمتر ونصف بعد أن أصبحت لديهم خبرة مكنتهم من العمل بالشكل المطلوب، على حد قوله.
ولايخفي ” الشواف” الذي ينحدر من ريف حماة الشمالي خوفه من مهنته في بداية الأمر وخاصة عند وضع المتوفي في القبر ونثر التراب فوقه، “لكن مع الأيام باتت تلك المشاهد اعتيادية بعد حفر عشرات القبور”.
ويحصل الطفل وإخوته على مبلغ يتراوح بين 150 إلى 250 ليرة تركية أسبوعياً، حيث يقدمون المبلغ لوالدتهم التي تنفقه على مستلزماتهم المعيشية.
ويذكر الطفل بينما كان ينهمك برفقة شقيقيه بحفر قبر أن هناك أشخاص آخرين يعملون بهذه المهنة في ذات المقبرة ومعظمهم أطفال.
وبعد عشر سنوات من الحرب، يعاني مليونا شخص سوري من الفقر الشديد، بينما يسعى أكثر من 12 مليون إنسان جاهدين داخل البلاد لتأمين طعامهم، وفق بيانات نشرها برنامج الأغذية العالمي العام الماضي.
ويرى سكان أن حفر القبور من قبل العاملين في هذه المهنة وفر عناء الحفر على ذوي المتوفى، إذ أنه سابقاً كان يضطر أولاد المتوفى أو أقاربه لحفر القبر، أما الآن فالقبور تكون جاهزة.
ومؤخراً، عاد مصطفى المحمود (45 عاماً) وهو من سكان مدينة إدلب شمال غربي سوريا، للعمل في مهنة حفر القبور بعد أن انقطاعه عنها لأكثر من عشر أعوام بسبب قلة مردودها وصعوبة الحفر في الأراضي الجبلية.
يقول الرجل الأربعيني إنه قرر العودة للعمل في حفر القبور بسبب ضعف الأجور التي كان يحصل عليها من العمل في البناء والأراضي الزراعية والعتالة وغيرها من الأعمال التي لجأ إليها سابقاً.
ويشير إلى غلاء أدوات الحفر وصعوبة الحفر في المقابر الواقعة في المناطق الجبلية من أبرز الصعوبات التي تواجه العاملين في هذه المهنة.