نورث برس – دمشق
استعانت أديل الإسكندر (32 عاماً)، مسيحية من بلدة جرمانا شرق دمشق، بشجرتها وزينتها القديمة لتجهيز منزلها للاحتفال بعيد الميلاد، لإدخال البهجة إلى قلوب أطفالها، بعد تفاقم التحديات والضغوط الاقتصادية التي يعيشها السوريون.
وتقول: “بدأت التحضير للميلاد على غرار كل عام، لا يمكنني أن أحرم أطفالي هذه الفرحة التي كبرنا عليها، لذلك الاستعانة بالزينة القديمة كان الحل الوحيد، فزمن التجديد ولى”.
في كل عام يحتفل المسيحيون في جميع بقاع الأرض بميلاد السيد المسيح، ما بين الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، إلى عيد الغطاس الذي يُقام في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير.
وتتمثل استعداداتهم للاحتفال بالعيد، في بعض العادات والزينات والرموز التي تشير إلى قدسية هذه المناسبة، والتي تعتبر “شجرة الكريسماس” أهمها.
وهناك الكثير من الروايات حول رمزية شجرة الميلاد في الديانة المسيحية، أكثرها تداولاً هي أن الشجرة تُعبر عن حب الله الأبدي غير المحدود، كما أنّ الشموع التي تُرافقها هي رمز لضوء المسيح الذي يملأ العالم.
وسجلت أسعار شجرة عيد الميلاد ارتفاعاً كبيراً في سوريا، حيث يتراوح سعرها بين الـ 350 ألف ليرة والمليونين ليرة سوريّة، بحسب صحيفة “تشرين” التابعة للحكومة السورية.
وتضيف “الإسكندر”، “كل شيء تغير، ففي الأعوام الماضية كنا نبدأ التحضير للعيد قبل شهر من قدومه، وكنا ننتظر بهجة العيد بفارغ الصبر، ونشتري كل ما يتعلق بالعيد من أشجار وزينة وهدايا وألعاب ومواد غذائية”.
وعلقت بتهكم، “لا داعي للتحسر على شجرة جديدة، فحتى لو اشتريناها لن نستطيع تشغيل الأضواء أو الاستمتاع بها، فالكهرباء نادراً ما تطل علينا”.
وبحسب المرأة الثلاثينية، أن هناك الكثير من العائلات المسيحية اضطرت لإلغاء تحضيرات العيد، باعتبار أن شراء جزء من هذه المستلزمات يفوق مردودهم المادي في ظل تصاعد أزمة الغلاء.
وقالت: “دمشق التي كانت شوارعها وكنائسها العتيقة قديماً تضج بتراتيل وترانيم الميلاد والزينة والأضواء في باب توما والقصاع وباب شرقي وغيرها، أصبحت اليوم باردة وهادئة ومظلمة لدرجة إننا لم نعد نعرفها”.
ولن تشترين ماريا جرجس (29 عاماً)، وتسكن في حي أبو رمانة وسط دمشق، ثياب العيد لطفليها مثل كل عام، فهي حريصة على تخفيف الأعباء المادية عن زوجها الموظف في هذا العيد قدر المستطاع.
وتقول: “أصبح شراء حلويات وثياب وشجرة العيد وحضور الحفلات حكراً على الأغنياء فقط، أما البسطاء فيكتفون بحضور الطقوس الدينية في الكنائس أو زيارة بعض الأقارب”.
واعتادت “جرجس” في الأعوام الماضية، على تخصيص مبلغ مالي لقضاء ليلة عيد الميلاد مع عائلتها وأقاربها في أحد المطاعم بباب توما أو باب شرقي، ولكن ارتفاع تسعيرتها منعتها من ذلك.
وبحسب المرأة العشرينية، فأن أسعار بطاقات حفلات الميلاد ورأس السنة هذا العام في دمشق، تراوحت ما بين نحو 150 ألف ليرة سورية في المطاعم الشعبية، والمليون ليرة في الفنادق المشهورة مثل داماروز وشيراتون.
وترى أن ذلك سبب كافي لكي يفضل الكثير من سكان دمشق الذين أهلكهم الفقر والجوع، قضاء ليلة رأس السنة في المنزل أو عند أحد الأقارب.
وفي ظل الغلاء المعيشي الذي يعانيه السوريين، أصبحت الأعياد ضيفاً ثقيلاً عليهم، وتحولت من مصدر فرح وبهجة وتقارب للأرحام، إلى كابوس حقيقي ينتظرون مروره بفارغ الصبر.
وتحمل “جرجس” التجار مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلد، “كل ما نحن فيه الآن، هو بسبب جشع تجار الأزمة الذين لا يفوتون مناسبة سعيدة أو حزينة لتحكم بالأسعار ورفعها”.
وتصف التجار وأصحاب المحلات والمطاعم بـ “مصاصي الدماء”، مشيرةً إلى أن كل من يستغل السكان ويمنع الأطفال من فرحة وألعاب وثياب العيد يستحق هذا الوصف.
وبحسب أيليا جاد (50 عاماً)، ويسكن باب توما وصاحب أقدم محل لبيع الزينة فيها، أن أسعار مستلزمات العيد ارتفعت عن أسعار العام الماضي بنسبة 70%.
ويبرر البائع ذلك، بارتفاع تكاليف المواد والرسوم الجمركية وغلاء أجور النقل وتقلبات سعر صرف الدولار.
ويضيف “جاد”، أن سعر الشجرة الصغيرة دون أي زينة يتراوح بين 90 و150 ألف، بينما يصل سعر المتوسطة منها دون زينة إلى 800 ألف، أما الشجرة الكبيرة فيتجاوز سعرها المليون ليرة سورية”.
وفي كانون الأول/ديسمبر عام2019، قال منسق حوار الأديان الدولي في مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، أوتمار أورينغ، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ”، إن “هناك أكثر من 700 ألف مسيحي في سوريا من إجمالي نحو 1.2مليون مسيحي فروا من البلاد”.
وكانت المسيحيون في سوريا يشكلون قبل اندلاع الحرب في 2011 ما يتراوح بين 4 و7 بالمائة من إجمالي عدد السكان.
وبرغم من كل ما يقاسيه السوريون من عوز وفقر، إلا أنهم لا زالوا يأملون أن يحمل العام القادم واقعاً ومستقبلاً أفضل لهم، وأن تنعم سوريا بالسلام مرة أخرى وتنتهي كل هذه الحروب والأزمات.