إلغاء شرط إسقاط الأسد ضمن مشروع لإعادة هيكلة المعارضة السورية في قطر

القامشلي ـ نورث برس

عودة دول عربية للتطبيع مع دمشق، وزيارات مكوكية شهدتها الفترة الأخيرة بين زعماء دول ووزراءها، ومن بينها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر استجابة لدعوى أميرها تميم بن حمد آل ثاني، فتحت باب التسريبات عن استعداد المعارضة السورية المتواجدة في تركيا للعودة إلى قواعدها الأولى في قطر.

وخلال أكثر من عقد على الحرب السورية، فشلت المعارضة على اختلاف مكوناتها بتوحيد صفوفها وتقديم بديل جدي “للنظام” القائم في سوريا. وعلى وقع خسائر ميدانية متتالية، بات صوتها خافتا وقياداتها مشتتة وتتحرك وفق ما تمليه عليها أجندات داعميها.

ومؤخراً، سربت تقارير صحفية، معلومات عن مشروع إعادة هيكلة يباشره رئيس الحكومة السوري الأسبق، المنشق، رياض حجاب، بإشراف مباشر من أنقرة والدوحة.

وتقف تركيا وقطر على طرف واحد بخصوص المعارضة السورية، التي دعمتاها، منذ انطلاقة حراكها الشعبي المطالب بإسقاط الحكومة السورية.

وبحسب المشروع، يبدو لافتاً أنه تم التخلي عن فكرة المطالبة بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، كما يخلو من أي دعوة للتوحد مع المنصات والتيارات الأخرى، في ظل تغييبه لـ”حكومة الإنقاذ”.

وقوى المعارضة هي: (منصتا “القاهرة” و”موسكو”: تجمعان سوريان تم الإعلان عنهما في مصر وروسيا عام 2014، ويعلنان أنهما يمثلان طيفاً من المعارضة السورية”.

إلا أن بعض أطياف المعارضة الأخرى ترى أنهما (المنصتين) تحابيان روسيا والحكومة السورية وتملكان توجهات وأولويات تتباين مع أولويات الهيئة العليا للمفاوضات التي يشكل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة العمود الفقري لها.

ورغم تعدد العواصم، لكنها لم تضفِ جديداً على عمل المعارضات السورية، بتنوع ولاءاتها وتعدد مسمياتها، ولم تستطع حتى الآن تشكيل ندّ موحّد بوجه الحكومة.

عودٌ على بدء

والآن، تحزم أبرز قوى المعارضة، والتي كانت خرجت من الدوحة تحت اسم “المجلس السوري الوطني” وتوجّهت إلى إسطنبول باسم “ائتلاف قوى المعارضة والتغيير”، حقائبها مجدّداً، استعداداً للرجوع إلى قواعدها الأولى في قطر، وتحت مُسمّى جديد لم يَظهر بعد.

وأفضت الاجتماعات الأخيرة التركية ـ القطرية، في الدوحة، إلى توافق على إعادة هيكلة المعارضة السورية بما يخدم أهداف المرحلة الحالية.

وتم التوصل للتوافق، بحسب تقارير صحفية، نظراً للمتغيرات التي بدلت شكل الخارطة الميدانية من جهة والمسار السياسي في المحادثات مع الحكومة السورية من جهة أخرى.

وتأتي فكرة إعادة هيكلة المعارضة وتشكيل كيان جديد في الدوحة، بناء على مشروع قدمه رياض حجاب العام الماضي.

وأعلن حجاب انشقاقه في السادس من آب/ أغسطس 2012، وغادر سوريا بصحبة عائلته إلى الأردن.

وانتُخب بعدها، منسقًا لـ”الهيئة العليا للمفاوضات” عام 2015، ليستقيل من منصبه في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، دون أن يفصح عن الأسباب، وذلك قبل أيام من انطلاق النسخة الثامنة من مفاوضات “جنيف”، في الثامن والعشرين من الشهر نفسه.

وبعد غياب نحو ثلاث سنوات عن المشهد السياسي السوري، التقى حجاب، في آب/ أغسطس 2020، بالمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جويل رايبون، وانتقد مؤسسات المعارضة التي تحتاج إلى إعادة التشكيل والترتيب لهيكليتها من جديد، مع الحفاظ على وجودها.

وشدد حجاب، حينها، على ضرورة إعادة هيكلة المعارضة السورية مع ضرورة الحفاظ على المؤسسات القائمة الحالية، بما يخدم فكرة إعادة إنتاج المعارضة على مستوى المؤسّسات والأهداف.

كيان موازٍ للحكومة

ومشروع حجاب، الذي لا يحمل دعوة إلى التوحد مع منصات موسكو والقاهرة ولا يُدخل في حساباته التشارك مع “حكومة الإنقاذ”، يتضمّن تخلياً عن فكرة إسقاط “النظام السوري”، كطريق أساسية للوصول إلى “سوريا الجديدة”، التي يُراد لها أن تكون ذات سياسات “وسطية”، وتعزل نفسها عن صراعات الإقليم، تحت شعار “المصلحة الوطنية”، والذي يعني عملياً التطبيع مع إسرائيل، والابتعاد عن “محور المقاومة”.

ويُقصي المشروع الكثير من الشخصيات المعارِضة البارزة، ويُقدّم رياض حجاب كشخصية تقود كياناً موازياً للحكومة السورية.

وقبل أيام، التقى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، حجاب، بالعاصمة القطرية الدوحة، وناقش الطرفان آخر التطورات في سوريا.

وهذا الاجتماع الثاني خلال العام الحالي الذي يجمع بين وزير الخارجية التركي ورئيس الوزراء المنشق، إذ التقيا في الدوحة في آذار/ مارس الماضي، دون تقديم أي معلومات عن القضايا التي تمت مناقشتها خلال الجلسة.

وقبل الاجتماع عقد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مؤتمرًا صحفيًا، مع نظيره التركي جاويش أوغلو، قبيل الزيارة الرسمية لأردوغان، إلى قطر.

وعلّق الوزيران على دعوة دمشق للعودة إلى الجامعة العربية، مشددين على عدم إمكانية التطبيع مع الحكومة السورية.

وقال وزير الخارجية القطري، حينها، إن “الأسباب ومباعث القلق التي دفعت لتعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية لا تزال موجودة”.

في حين قال وزير الخارجية التركي، إنه “يؤمن بأن دعوة النظام السوري إلى حضور قمة جامعة الدول العربية أو أي اجتماع دولي آخر دون حل جذري، من شأنه دفع هذا النظام للاستمرار في بطشه واعتداءاته”.

احتمالية التوجه لدمشق

ولكن مراقبين رأوا، أن تلك التصريحات هي فقط للتداول الإعلامي، وأن ما يجري من تحت الطاولة يشي بأمور أخرى، يفهم منها احتمالية توجه الدوحة إلى دمشق للتطبيع معها، خاصة في ظل المساعي الإماراتية الأخيرة في تقريب وجهات النظر العربية والخليجية للحج إلى دمشق، مستغلة الهدف المشترك للجميع بإبعاد إيران أو على الأقل إضعاف نفوذها في سوريا، وهو ما يكون عبر الجانب الاقتصادي.

وأشار المراقبون إلى أن التدخل الروسي ومحاولة الاستحواذ على الملف السياسي في سوريا، يدفع قطر وتركيا لتغيير سياستهما تجاه الأسد.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال السفير القطري لدى موسكو الشيخ أحمد بن ناصر آل ثاني، إن آلية التشاور الجديدة التي أطلقتها بلاده إلى جانب روسيا وتركيا لتسوية “الأزمة السورية” تهدف لتعزيز التنسيق المشترك بين الدول من أجل مساعدة الشعب السوري، وحل أزمته.

وأشار السفير، حينها، إلى أن الآلية الجديدة تستهدف تحقيق تعاون من أجل مساعدة الشعب السوري وحل الأزمة ككل.

وشدد السفير القطري على أن الإطار الجديد سيعزز التنسيق بين الدول الثلاث حول الملف السوري، الذي تلعب فيه الدول الثلاث دوراً مؤثراً.

وجاء ذلك بعد اجتماع ثلاثي جرى في العاصمة القطرية (الدوحة)، في آذار/ مارس الماضي، ضم وزراء خارجية روسيا، قطر وتركيا.

وأعلن الوزراء خارجية الدول الثلاث، آنذاك، عن الآلية الجديدة للتعامل مع “الأزمة السورية”.

وقالوا إن العملية الجديدة تختص بالمسائل الإنسانية حصراً، وإنها ستكون موزاية لمسار “أستانا”، الذي تتشارك فيه روسيا وإيران وتركيا.

وحول ذلك، أشار مراقبون إلى أن روسيا، “تلعب على الوتر الإنساني (المساعدات الإنسانية) ودمجه في السياسة، لتحقق بذلك ما تهدف إليه من خلال دعمها للحكومة السورية”.

ويمكن قراءة هذا التحرك بمبادرة روسية، هدفها تخفيف الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها سوريا، وثانياً استمرار العمل على فك العزلة الدبلوماسية التي يعانيها الأسد.