هيئة تحرير الشام تضيّق على حرفيي الفخار في إدلب
إدلب – نورث برس
ينوي رؤوف رحيم (42 عاماً)، وهو اسم مستعار لحرفي في مدينة أرمناز شمال إدلب شمال غربي سوريا، ترك مهنة الفخار التي يعمل بها منذ أكثر من عقدين، وذلك بسبب تراجع حركة العمل وتقييد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أشكال ورسومات الفخاريات التي يصنعها.
يقول الحرفي بينما يضغط على كرة الطين لتشكيل آنية فخارية: “حركة عملنا مقيدة”.
ويقول صانعو الفخار بإدلب إن هيئة تحرير الشام تمنع صناعة العديد من الأشكال والأنواع الفخارية التي تحتوي على رسوم وزخارف، إذ تعدها “حراماً”.
ويشير هؤلاء إلى أن حركة عملهم تراجعت وباتت تقتصر على صناعة أنواع محددة من الفخاريات كالأواني والأطباق دون إضفاء زخارف تجملها، لكن ذلك لا يجلب إقبالاً على الشراء.
وتشتهر أرمناز بصناعة الفخار، حيث تمتلك “التربة الغضارية” الخاصة بصناعة الفخار وتضم العديد من الورش الخاصة بها، وتشير تقديرات حرفيين محليين إلى أن المهنة تشكل مصدر دخل لأكثر من 20 ألف شخص.
إلا أن المهنة التي يعمل بها “رحيم” منذ أكثر من 25 عاماً، لم تعد تؤمن له دخلاً مادياً كافياً، “لأن الزبائن لا يجدون القطع الفخارية التي يرغبون في اقتنائها، وغالبية المتوفرة خالية من الزخارف والرسومات”.
“فخار يؤخر النصر”
وفي أيلول/ سبتمبر عام 2019، أصدرت حكومة الإنقاذ قراراً منعت بموجبه صناعة الفخار في أرمناز ولا سيما رؤوس الأراكيل، على اعتبار أن هذه الرؤوس “تؤخر النصر”.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، حينها، إن “الإنقاذ” هددت السكان بالملاحقة وفرض الغرامات في حال قاموا بإعادة صناعتها، “الأمر الذي أدى لتوقف جل الورشات العاملة في المدينة”.
ويعلل محمود حجر، وهو اسم مستعار لقاض في محاكم حكومة الإنقاذ، منع الرسومات والزخارف والأشكال الفخارية في إدلب بأنها “تتنافى مع الدين الإسلامي”.
وأضاف أن الحظر شمل أصنافاً محددة من الفخار، أبرزها صناعة رؤوس الأراكيل والأواني المزخرفة التي “تحتوي على رسومات يحرمها الدين”.
لكنصانعين للفخار في إدلب رأوا أن هيئة تحرير الشام تفرض قيوداً على الحياة من خلال أجهزتها الأمنية التي تضيق الخناق عليهم عبر فرض أحكامها وأفكارها ومعتقداتها الدينية ويتدخل عناصرها في أدق تفاصيل حياتهم، وهو ما يشابه ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ويشير هؤلاء إلى أن الاستمرار في تقييد صناعة الفخار، سيؤدي إلى اندثار المهنة التي تعاني في الأساس من صعوبات كانقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات وتوقف التصدير للخارج وهجرة اليد العاملة.
ومنتصف العام 2018، صنفت الولايات المتحدة الهيئة التي يقودها أبو محمد الجولاني وكل فصيل له صلة بها كمنظمة إرهابية.
“مهنة تتحدى الاندثار”
ولا تزال صناعة الفخار تتحدى الاندثار في إدلب والبلدات التابعة لها، حيث يحاول العديد من صانعي الفخار المحافظة على المهنة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وحمايتها من الضياع.
ويضطرسمير الشيد (34 عاماً)، وهو اسم مستعار لحرفي في مدينة أرمناز، لصناعة القطع الفخارية التي تمنعها الهيئة في الخفاء، وهو أمر لا يخلو من المخاطر في حال اكتشفته الأجهزة الأمنية التابعة للهيئة.
يقول إنه لا يجيد أي مهنة أخرى ينفق من خلالها على عائلته المؤلفة من ستة أشخاص.
ويضيف: “ماذا سأعمل إن توقف عملي؟ هل ستؤمن لي الهيئة عملاً آخر؟ الحرام هو قطع أرزاق الناس لا بملاحقتهم في صناعاتهم وحرفهم”.
لكن رائد الدقماق (38 عاماً) وهو اسم مستعار لنازح من ريف حماة الشمالي ويسكن في مدينة إدلب يفضل عدم المخاطرة، فقد يتعرض للسجن في حال عثرت الهيئة على فخاريات ممنوعة الصنع.
وقرر “الدقماق” السفر إلى تركيا للعمل في مهنته هناك وخاصة بعد أن سمع بنجاح عدد من أقرانه الحرفيين وافتتاحهم مصانع وورشات في المدن التركية.
لكن الشاب يعبر عن مخاوفه من عبور الحدود السورية التركية وخاصة بعد تكرر حوادث فقدان أشخاص لحياتهم وإصابة آخرين برصاص الجندرمة التركية أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي التركية.