تهريب البشر من إدلب لتركيا مستمر رغم المخاطر وإتاوات “تحرير الشام”

إدلب نورث برس

تمكن فردوس العلي (36 عاماً)، وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي، من اجتياز الحدود السورية التركية بعد دفعه مكرهاً 850 دولاراً أميركياً للمهرب وتعرضه للضرب ومخاطر إطلاق الرصاص على أيدي الجندرمة التركية.

يقول إن سوء الأوضاع المعيشية لعائلته وعدم قدرته على تأمين عمل مناسب، أجبراه على التفكير في الخروج إلى الأراضي التركية “بطريقة غير شرعية” للبحث عن عمل هناك يساعده لإعالة أسرته.

واضطر الشاب الثلاثيني لترك والدته المريضة وزوجته وأطفاله الخمسة في مخيم قرب مدينة حارم شمال إدلب، واستدان المبلغ الذي دفعه للمهرب من أحد أقاربه في الخارج.

ويشير “العلي” إلى أنه لو كان يملك هكذا مبلغ في منزله أو إمكانية سداده من عمل ما، “لما خرجت إلى تركيا وعرضت نفسي للخطر والإهانة على أيدي من يدعون أنهم إخوتنا”.

وقبل نحو شهر، كانت أولى محاولات الشاب في العبور من الحدود القريبة منه شمال حارم رفقة 30 شخصاً بينهم نساء وأطفال، وبعد تمكنهم من عبور الجدار الأول فوجؤوا بإطلاق نار كثيف من قبل الجندرمة التي تمكنت بعدها من إلقاء القبض على كامل المجموعة.

ويذكر “العلي” أن معظم أفراد المجموعة وخاصةً الشباب تعرضوا للضرب على أيدي الجندرمة التركية، إضافةً إلى “إهانة النساء وتفتيشهنّ بطريقة مهينة أمام أزواجهن وأطفالهنّ”.

وتشهد الحدود السورية التركية لا سيما شمال إدلب، وبشكل يومي محاولة عشرات الأشخاص الدخول إلى تركيا بطريقة غير شرعية مصطحبين نساء وأطفالاً رغم المخاطر.

ويقول سكان يحاولون الخروج من منطقة إدلب إن عدد الأشخاص الذين يحاولون عبور الحدود السورية التركية ازداد مؤخراً، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وعدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم وسط انهيار قيمة الليرة التركية المعتمدة في منطقة سيطرة المعارضة.

وضع معيشي متدهور

وتفاقمت الأوضاع المعيشية لسكان ونازحين، في ظل استمرار “ارتفاعات” في أسعار المواد الأساسية لا سيما الغاز المنزلي والوقود والخبز.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 400%، وأسعار مادة الخبز بنسبة 300%، بحسب بيان لفريق “منسقو استجابة سوريا” صدر في وقت سابق هذا الشهر.

كما ارتفعت أسعار المواد غير الغذائية بنسبة 200%، والمحروقات بنسبة 350%، بينما وصلت معدلات الفقر إلى مستويات قياسية تجاوزت 90%.

وألغى عبداللطيف الكيلاني (27 عاماً)، وهو نازح من مدينة حماة ويعيش في إدلب، فكرة الخروج إلى تركيا بعد إصابته نتيجة إطلاق الجندرمة التركية الرصاص عليه أثناء محاولته اجتياز الحدود.

وارتفع عدد السوريين الذين قتلوا برصاص الجنود الأتراك إلى 513 شخصاً، بينهم 96 طفلاً دون سن 18 عاماً و 67 امرأة، وذلك بحسب إحصاءات مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا حتى الثالث عشر من هذا الشهر.

كما ارتفع عدد الجرحى والمصابين بطلق ناري أو اعتداء إلى 1098 لاجئاً وهم من الذين يحاولون اجتياز الحدود أو من سكان القرى والبلدات السورية الحدودية أو المزارعين وأصحاب الأراضي المتاخمة للحدود ممن تم استهدافهم من الجندرمة.

والشهر الفائت، بدأت أولى محاولات “الكيلاني” للدخول إلى تركيا وقد كانت فاشلة، إذ تمكنت الجندرمة من الإمساك به.

وفي المحاولة الثانية أيضاً فشل وتعرض للضرب وفي الثالثة تعرض لإطلاق نار مباشر أدى إلى إصابته بكتفه وإصابة اثنين آخرين من أفراد المجموعة التي كانت برفقته، وفقاً لما يرويه الشاب العشريني لنورث برس.

ويقول “الكيلاني” إنه يعجز عن تأمين عمل في إدلب وتأمين تكاليف زواجه، في ظل ارتفاع أسعار كافة المواد.

ويتعرض الأشخاص الذين يحاولون اجتياز الحدود السورية التركية، لمخاطر كثيرة قد تؤدي في بعض الأحيان لخسارة أرواحهم نتيجة إطلاق حرس الحدود التركي النار عليهم بشكلٍ مباشر.

إضافة إلى تعرضهم للضرب والتعذيب على أيدي الجنود الأتراك في مراكز الاحتجاز المؤقتة، وفقاً لما ذكره أشخاص اعتقلوا وأعيدوا للمنطقة.

إتاوات لهيئة تحرير الشام

ومنذ أعوام، تقوم مكاتب “أمن الحدود” التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والمعروفة بين السكان باسم “مكاتب التهريب”، بفرض 50 دولاراً أميركياً كبدل لمنح “ترخيص” للشخص الذي يسعى للعبور إلى الجانب التركي رفقة مهرّب.

ويقول زياد أبو عرب، وهو اسم مستعار لمهرب من سكان المنطقة الحدودية مع تركيا شمال إدلب، إن “أمن الحدود”  يفرض ذلك المبلغ “بحجة تنظيم التهريب ومنع تعرض المدنيين للاحتيال وعمليات النصب”.

ويشير إلى أن عمليات التهريب ازادت مؤخراً، إذ يجتمع عشرات الأشخاص في ساحة منزله القريبة من الحدود ليقوم بعد منتصف الليل بالبدء بمحاولة إدخالهم عبر مجموعات.

ويحدث هذا لأن الدخول إلى الأراضي التركية بطريقة آمنة عن طريق معبر باب الهوى الحدودي، يحتاج لدفع أكثر من خمسة آلاف دولار أميركي عن الشخص الواحد لقادة في “تحرير الشام”.

وتختلف تكلفة تهريب الأشخاص إلى الأراضي التركية بين منطقة وأخرى وبحسب طريقة الدخول، ففي مدن حارم وأورم الجوز تتراوح الأسعار بين 600 و1200 دولار أميركي للشخص الواحد، بحسب “أبو عرب”.

ويذكر المهرب أن عبور الحدود والقفز من أعلى الجدار غالباً ما يكون “خطيراً  وفاشلاً” في الدخول إلى تركيا بسبب كثافة نقاط الجندرمة التركية هناك.

في حين يعد إدخال الأشخاص عن طريق أنفاق وعبارات مياه تحت الجدار الحدودي، “آمناً نوعاً ما، على الأقل من رصاص الجندرمة”، على حد قول المهرب.

ويذكر “أبو عرب” أن هناك طرق أخرى مضمونة مثل “الإذن العسكري” وهي دفع مبالغ مالية للضباط الأتراك المناوبين على الحدود مقابل السماح للأشخاص  بالدخول، لكن هذه الطريقة قد تكلف الشخص الواحد أكثر من 1800 دولار أميركي.

 إعداد: براء الشامي- تحرير: سوزدار محمد